بالرغم من الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، وبصورةٍ خاصّة الحربَين المستمرتَين في سوريا والعراق منذ سنواتٍ، والإرهاب المستشري الّذي وصل في البعض من بلداننا حتّى إلى داخل الكنائس كما حدث مؤخرًا في مصر! والأوضاع الاقتصاديّة الصعبة، والخوف والقلق على المصير وعلى الحضور المسيحيّ المهدّد في هذا الشرق بأسره إلاّ أنّ كلمة الله المعزّية والمحرّرة والمخلّصة والمنقذة والخلاّقة تسموعلى جميع النكبات الأليمة التي حلّتْ بنا والمحن والمآسي القاسية التي عشناها ولا زلنا نعيشها حتّى يومنا هذا بصورةٍ خاصّة في سوريا والعراق!
فَتَحتَ شعار “إسعَوا وراءَ المحبّة، وتنافَسوا في مواهبِ الرّوح” (1 كور14/ 1)، عقدت الرابطة الكتابيّة في إقليم الشرق الأوسط مؤتمرها البيبليّالخامس عشر الّذي يُعقد كلّ سنتين، وهذه السنة كان حول “الرسالتان الأولى والثانية إلى أهل كورنتوس”. عقد المؤتمر في جامعة سيّدة اللويزة التابع للرّهبانيّة المريميّة المارونيّة (ذوق مصبح – لبنان)، في الفترة مِنْ 29 كانون الثاني واستمرّ حتّى 2 شباط 2017.
أُفتتح المؤتمر عند الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم الأحد 29 كانون الثاني 2017 بحفلٍ في قاعة عصام فارس ترأسه صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلّي الطوبى، تضمّن حفل الافتتاح عدّة فعّاليّات، من كلمة الافتتاح للأب بيار نجم،منسِّقالرابطةالكتابيّةفي الشرق الأوسط؛ إلى عرض فيلم حول الرابطة الكتابيّة الكاثوليكيّة بصورة عامّة، وتاريخ ونشاط الرابطة الكتابيّة في الشرق الأوسط بصورةٍ خاصّة؛ ثمّ كانت كلمة الأمين العام للرابطة الكتابيّة الكاثوليكيّة، الأب يان ستيفانوف؛ وبعدها كلمة رئيس الرابطة الكتابيّة الكاثوليكيّة العالميّة نيافة الكاردينال لويس أنطونيو تاغل؛ ثمّ كلمة غبطة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق؛ وبعدها تمّ تقديم هدايا تذكاريّة وتكريميّة (أيقونات) لبعض الضّيوف والأشخاص؛ ثمّ تقاسم الجميع نخب المناسبة؛ وتمّ أيضًا افتتاح معرض “يسوع غاية الكتب المقدّسة”، يعرّف بعالَم الكتاب المقدّس الفسيح، أنتجته جماعة “كلمة حياة”؛ وبعد افتتاح المعرض توجّه الجميع إلى قاعة المؤتمر حيث جرى تنصيب الكتاب المقدّس فيها؛ وبعد ذلككان الجميعمعالإعلان الافتتاحيّ لجلسات المؤتمر ومع المحاضرة الافتتاحيّة. كما تخلّل حفل الافتتاح عزف مقطوعات موسيقيّة على آلَتي الفلوت والأورغن الكنسيّ.
وكان المحاضر الرئيسي في هذا المؤتمر، الأب البروفسور جان بيار لومونون، الّذي ألقى المحاضرة الافتتاحية باللغة الفرنسيّة – وُزِّعت على الحضور مطبوعة باللغة العربيّة- وكانت بعنوان: “وجه الكنيسة في الرسالة الأولى إلى أهل كورنتوس” لتشكّل مع محاضراته الأربع الأخرى خلال أيّام المؤتمر، “كريستولوجيا الرسالة الأولى إلى أهل كورنتوس”، “المرأة في الرسالة الأولى إلى أهل كورنتوس”، “بولس وكتب إسرائيل المقدّسة في الرسالة الأولى إلى أهل كورنتوس”، واختتمت بـ “2 كور 2/ 14-3/ 18: الخدمة الرسوليّة وحالة التتلميذ”، دراسة علميّة معمّقة لبعض الموضوعات والنّصوص من الرسالَتين إلى أهل كورنتوس. أمّا بقية المحاضرين فقد كانوا من البلدان العربيّة، وينتمون إلى كلّ من الكنائس المارونيّة، والملكيّة، والكلدانيّة، واللاتينيّة، والقبطيّة، والأرثوذكسيّة، والمصلَحَة؛ فألقوا محاضراتهم باللغة العربيّة.
على مدى خمسة أيّام، اعتلى المنبر في قاعة المحاضرات أربعة وعشرين محاضرًا، تناولوا “الرسالتان الأولى والثانية إلى أهل كورنتوس” بمعدل ثمانية محاضرات يوميًّا، وذلك عبر محاضرات اتصفت بنهجها العلميّ الرصين ووضوحها أثناء إلقائها، التي يمكنها أن تخدم الواقع العلميّ والرعويّ والروحيّ واللِّيتورجيّ والإيمانيّ الضروري لقراءة ولفهم الرسائل البولسيّة.
شارك في المؤتمر الرابطات الكتابيّة في كلّ مِنْ: مصر، وسوريا، ولبنان، والعراق، والأراضي المقدّسة/ فلسطين.
وقد أشرف على حسن سير المؤتمر، الأب بيار نجم، منسّق الرابطة الكتابيّة في الشرق الأوسط، مع عدد من معاونيه، من الكهنة والرهبان والعلمانيّين.
صباح كلّ يوم كنّا ننقسم إلى مجاميع، ونفتتح يومنا بالالتقاء حول كلمة الربّ (مائدة الكلمة) في قراءة ربّيّة. ومساء كلّ يوم كنّا نلتقي ونحتفلُ بالقدّاس (بمائدة الإفخارستيا)، بأحد الطقوس.
كما تخلّل المؤتمر عدّة نشاطات منها: أخذ صورة تذكاريّة لجميع المؤتمرين، وعقد لقاء مع الكاردينال لويس أنطونيو تاغل والأب يان ستيفانوس، واجتماع منشّطي الرابطات الكتابيّة في الشرق الأوسط، وحضور أمسيّة موسيقيّة في كنيسة الدير.
كان المؤتمر في يومه الأخير في استضافة”معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّفي البلمند” الذي افتُتح بتراتيل حول “القدّيس بولس” أدّتها “جوقة معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ”، ثمّ ألقى عميد المعهد قدس الأب بورفيريوس جرجي كلمة ترحيبيّة بالمؤتمرين، بعدها، ألقى البروفسور جان بيار لومونون محاضرته الأخيرة، وتلتها أسئلة ونقاش. وفي القسم الثاني، ألقى الأب جاك الخليل محاضرته، وتلتها أيضًا أسئلة ونقاش. اختُتم المؤتمر بكلمةٍ للأب بيار نجم، منسّق الرابطة الكتابيّة في الشرق الأوسط، عبّر من خلالها عن شكره لله وشكره للجميع، وقام بتقديم بعض الهدايا من أيقونات وكتب لبعض الأشخاص كعربون شكرٍ ومحبّة لهم، وقال “نختتم أعمال المؤتمر البيبليّ الخامس عشر ونعلن عن المؤتمر البيبليّ السادس عشر الذي سيعقد في 27 كانون الثاني 2019 حول سفر إرميا”. ومن ثمّ تقاسم الجميع غداء الإخوة والمحبّة، وانطلقوا من “معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ في البلمند” إلى عبرين لزيارة دير راهبات العائلة المقدّسة وضريح البطريرك الياس الحويّك والمتحف والصلاة واختتام اليوم بإقامة الإفخارستيا بالطقس الكلدانيّ ومن ثمّ العودة إلى حرم جامعة سيّدة اللويزةوعقد لقاء مشترك بين المؤتمرين وجماعة “كلمة حياة”.
حتّى هذه السنة، تكون الرابطة الكتابيّة في إقليم الشرق الأوسط، قد عقدت خمسة عشر مؤتمرًا بيبليًّا، وطبعت أعمال الرابعة عشر منها ضمن سلسلة دراسات بيبليّة، التي وصل عددها إلى 55 كتابًا، وانتشرت في كافّة البلدان الناطقة بالعربيّة.
ويقتضي الواجب أن نشكر الربّ الذي يسّرَ عقدَ المؤتمروجعله ينجح ويُثمر في وسط هذا الجنون غير المسبوق الذي تتخبّط به منطقتنا الشرق أوسطيّة منذ فترةٍ طويلة، وبصورةٍ خاصّة في سوريا والعراق! فبالرغم من الحرب والخراب، والدمار والويلات، والتهجير والنزوح،والخطف والأسر، والترويع والضيقات، والإحباط واليأس، والبغض والحقد، والنكبات والآفات، والمحن والمآسي، والآلام والقهر، والخوف على المصير والقلق على المستقبل، فإنّنا شهدنا حضورًا ومشاركةً في هذا المؤتمر ومن أغلب الدول العربيّة والأفريقيّة وبعض الدول الأوروبيّة وبصورة خاصّة من مصر والعراق وسوريا والأراضي المقدّسة! وإن دلّ هذا على شيءٍ، فهو يدلُّ على تمسّكنا بالرجاء؛ الرجاء بخلاص الله، وبوعينا لدعوتنا ولرسالتنا الخاصّتين في هذا الشرق المعذّب ورغبتنا الشديدة في التعمّق في معرفة كلام الله (كلام الرجاء) من أجل إنعاش إيماننا.
ننتظر بفارغ الصبر مرور السنتين، على أملِ اللقاء في المؤتمر البيبليّ السادس عشر، باعتبار المؤتمر محطة علميّة وأخويّة ومسكونيّة مهمة لا بل هو محطة فريدة في شرقنا الحبيب!