يُخبرنا تاريخ القدّيسين في الحياة المسيحيّة، أنّ القدّيس مارون كان كاهنًا وناسكًا. عاش بين أبناء بيئته، ومن ثمّ اختار حياة التنسّك، حيث اختبر التقشّف والصوم والصلاة. ذاع صيته المقدّس، من خلال فقره الماديّ، ومواهبه ومواعظه، حتى توافد الناس نحو صومعته، فكان يداوي أمراضهم الجسديّة والنفسيّة.
سيرة هذا القدّيس المُلهَم من الربّ يسوع، من خلال الإصغاء لعمل الروح القدس، تؤكّد أنّه اختار الحياة مع الله، بعد أن سمع صوت الربّ يدعوه، نحو القداسة والخلاص. أُلهِمَ على السير نحو الفضيلة، إذ أنّه كان في حالة إصغاءٍ وترقّبٍ وطواعيةٍ لعمل الربّ. لقد أُلهِمَ على التنسُّك والابتعاد، عن ضوضاء الحياة العامة؛ لكنّه لم يترك المحتاجين إليه، العارفين بقدرته الإيمانيّة وتأثيرها الإيجابيّ في حياة الإنسان، لأنّه كان على تواصل دائم ومستمر مع خالقه. أَلهَمَهُ الله للمبادرة، إلى الشهادة والعمل، على المساهمة في خلاص المؤمنين، بتقديم الصورة الحقيقيّة، لعيش الإنجيل المقدّس، المعبَّر عنه بالإيمان وأعمال المحبّة والرحمة. أَلهَمَهُ الله، التخلّي عن الذات، والبحث عن تطبيق مشروع الله الخلاصيّ للإنسان، من خلال نشر الإيمان وكلمة الله، بمواعظه المجسّدة بالشهادة والتقوى، والسيرة الحسنة، وتطبيق الفضائل الإلهيّة والإنسانيّة. وبما أنّ مارون كان مُلهَمًا من الله، لذا استطاع الوصول إلى الهدف المنشود. فأصبح المُلهِم لسائر النسّاك، الذين تحلّقوا حوله، وفي فترة لاحقة في مغاور وكهوف وصوامع، ولا سيّما تلاميذه. نعم لقد أَلهَمَ القدّيس مارون الكثير من المؤمنين، فاقتدوا بعظاته، وتبعوا تعاليمه. لقد كان المُلهِم لتلاميذه الذين انخرطوا في مسيرته الإيمانيّة والنسكيّة، من خلال إرشاداته، وحضوره وشخصيّته الإيمانيّة والروحيّة. أَلهَمَ مارون تلاميذه، الذين تبعوا مواعظه، فتأثّروا بحياته. كلّ ذلك أدّى إلى تأسيس جماعة مسيحيّة، دُعيت باسمه، أي الموارنة، تيمّنًا بالمعلّم والقائد والمُلهَم والمُلهِم: مارون النّاسك.
عليه يمكننا التأكيد على أنّ مارون كان المُلهَم والمُلهِم في عصره وزمانه، كما هو اليوم، يُلهِم أبناءه وتلاميذه، الذين يعيشون روحانيته في عالمنا.
أيّها القدّيس المُلهَم والمُلهِم، أَلهِم أبناء كنيسة يسوع المسيح، الذين دُعوا باسمكَ، روح الوحدة والتضامن، أي حياة المحبّة المتجسّدة بأعمال الرحمة والتعاون، من أجل خير أبناء وطن الأرز، المبني على الرجاء والتقوى، بالرغم من كلّ الإضطهادات، التي رافقتهم، وأجبرتهم طورًا على المواجهة والدفاع، وتارةً دفعتهم إلى الهرب نحو الجبال والأودية والكهوف.
أيّها القدّيس المُلهَم والمُلهِم، أَلهِم كلّ مَن ينتمي، إلى روحانيّتك وعقيدتكَ، بالهويّة والممارسة، روح الانفتاح والتجدّد والالتزام، كما روح المسامحة، والتصدّي لروح الشرّ والعنف. أيّها القدّيس المُلهَم والمُلهِم، أَلهِم الكنيسة المارونيّة (إكليروس وعلمانيّين)، التي أعلنت عن سنة احتفاليّة عنوانها “الشهادة والشهداء” (من 9 شباط 2017 إلى 2 آذار 2018، مناسبة مرور ألف وخمسماية سنة على استشهاد رهبان القدّيس مارون سنة 517 واستشهاد آخرين)، الحكمة للمحافظة على شهدائها الذين سفكوا دماءهم، من أجل الإيمان والحقيقة والحريّة. نعم، إنّهم شهداء الإيمان والأوطان والمبادئ والكلمة الحرّة. نعم، فليكن أبناء الكنيسة المارونيّة شهودًا للمحبّة والتآخي. لتكن هذه السنة، حافزًا لتعميق الإيمان وعيشه، كما السير نحو عالمٍ أفضل، يسوده السلام والأخوّة.
أيّها القدّيس المُلهَم والمُلهِم، أَلهِم أبنائكَ، روح الشجاعة لقول الحقيقة والحقّ، والعيش من أجل “قضايا” الإنسانيّة والوطن، بكلّ فخر واعتزاز. أعطهم القوّة والقدرة، على بناء إنسان هذه الأرض، على أسسٍ ثابتةٍ ومتينة، مستمدّة من تعاليم الإنجيل المقدّس. فكما كنتَ أنتَ، فليكونوا هم سائرين على خطاكَ، محافظين على وديعة الإيمان وصورتكَ المقدّسة، رافضين الانقسامات والانشقاقات والتباعد، لا بل مزوّدين بروح الحبّ والإيمان والرجاء، ممتلئين حكمةً وصبرًا وقوّةً، لكي يستحقّوا أن يتَكَنّوا باسمكَ، ويحافظوا على قداستكَ، واسمكَ المقدّس والطاهر، فيقتدون بكَ، غير خائفين، بل متسلحين بقوّة الإيمان والفضائل، والوداعة والتواضع، والامّحاء والخدمة والبساطة.
نعم، مَن يحمل اسم مار مارون أو ينتمي إليه، عليه أن يحافظ على الصورة والشهادة والكنز.