من شاهد فيلم Silence لا شك بانه سيصطدم بفكرة وقصة الفيلم بحد ذاتها. انها من البديهيات والمسلّمات، لان المشَاهد تتضمن طريقة عرض محددة ضمن بأسلوب خاص، يعرف بأسلوب “الافكار الرمادية” الذي يرمي الى خلق ردود افعال متضامنة مع القصة ومؤيدة لها، ولو انها تتعارض مع القاعدة العامة للايمان ولاسيما للاهوت الشهادة والاستشهاد.
١- ماذا يعني نموذج “الأفكار الرمادية”؟
انه اسلوب فكري يعمل على مبدأ المزج والخلط بين العديد من الافكار، المتضاربة والمتنافرة في آن معا، من اجل تقديم الفكرة بطريقة مبهمة عاصفة، غير واضحة الجوانب، وهذا الاسلوب اقتبسه الكاتب من الفلسفة اليابانية التي تضع الغموض اساس البحث عن الحقيقة. فعلى سبيل المثال، هناك مزج فكرة الخير مع الشر ؛ العطف مع القسوة؛ الايمان مع الشك ؛ القناعة مع الريبة؛ الشهادة مع التراجع؛ الخيانة مع الأمانة؛ الثبات مع الانهيار النفسي؛ التأقلم مع الواقع ورفضه في ان معا؛ الصمت مع الكلام؛ الخوف مع المواجهة؛ المساومة مع الامتناع الخ”. اما الوضوح فهو شبه غائب، فلا يمكنك ان تفصل بين الفكرة والاخرى او حتى ان تعطي حكما محددا اخلاقيا واضحا تجاه المواقف والتوجهات والظروف التي ألمّت ببطل الفيلم، فما عليك الا التزام الصمت Silence.
٢- النموذج الرمادي والريبة
لاشك بان حالة من عصف للافكار ستجتاح العقل كاننا امام ريبة مطلقة الجوانب، تضعنا في مهب الريح ولاسيما تجاه ايماننا بالرب، وسرعان ما نسأل انفسنا لو كنت انا هذا البطل ماذا سيكون عليّ القيام به وما هو خياري الحقيقي؟ هل اقبل بالاستسلام ام اموت شهيدا؟ هل سينقذ موقف انكار الايمان ضحايا المعتقلات ام ان الامور ستبقى على حالها راوح مكانك؟…
وكأننا امام استحواذ نفسي غير مباشر هدفه تبني استنتاجات معلبة، ونحن بالاصل غير مقتنعين بها ولكننا نقبلها دون مقاومة او حتى مساءلة تحت منظومة تفهم الحالة..
٣- ردود الأفعال
ان ردود الافعال التي تحدث في فكر ومشاعر المشاهد، تشبه الفيلم، اي رمادية التوجهات دون اي موقف محدد، وربما هذا هو المقصود، ان نبقى في حالة من الصمت الذي يجعلنا في حيرة من مواقفنا ومبادئنا وتصوراتنا وقيمنا وايماننا والتزامنا الكنسي، وطريقة تفاعلنا مع الازمات التي تواجهنا، لنبقى في عزلة الصمت دون كلام، وهنا بيت القصيد، فعلينا التنبه من هذه الطريقة التي يقدمها لنا الفيلم، وهذا خطير جدا. لان الصمت دون محتوى الايمان الصحيح يعرّض الشخص- المشاهد الوقوع في نزعة او فلسفة اللاامبالاة التي تفضي الى الميوعة وعدم الاكتراث لحقيقة مسؤولية الشهادة للرب امام الاخوة والعالم.
٤- الى من يتوجه هذا الفيلم؟
وهنا أسال، هل يصلح هذا النوع من الافلام الى عامة الشعب الذين يفتقدون الى روح التمييز الصحيح والنقد البنّاء؟ ام ان فيلم Silence هو لأشخاص متخصصين في فك عقد الشخصيات والسيناريو والحوار؟ إذا من لديه القدرة على فكفكة العقد بشكل تلقائي دون معاناة والحصول على استنتاجات مقنعة وموضوعية؟ بالطبع انه المخرج الذي يمتلك وحده المفتاح….
صحيح ان الفيلم عرض بعض المشاهد لشهداء بذلوا انفسهم دون خوف الى المسيح، لكن برأيي المتواضع من المفضّل، ان يكون هناك بيان واضح او محاضرة تلفزيونية من قبل المعنين، من اجل توضيح حقيقة المواقف والافكار الرمادية التي قدمها فيلم Silence، بهدف تسليط الضوء على الحقيقة لا ان تبقى رمادية اللون دون تمييز.
في النهاية لا يمكن ان يتحول الاستثناء الى قاعدة عامة لئلا تتعرض الحقيقة الى سوء فهم