في اليوم الأوّل من رحلته الرسوليّة إلى مصر، أكّد البابا فرنسيس أمام سلطات البلاد أنّ “مصر تلعب دوراً لا يمكن استبداله في الشرق الأوسط… فهي مدعوّة لإنقاذ هذه المنطقة الحبيبة من الجوع إلى الحبّ والأخوّة، كما وأنّها مدعوّة إلى إدانة أيّ عنف وإرهاب والتغلّب عليهما”.
ومن فندق الماسة في القاهرة، ألقى الأب الأقدس كلمة على مسامع حوالى 800 من الممثّلين عن المؤسّسات والسلك الدبلوماسي والمجتمع المدني، بناء على ما أورده القسم الفرنسي من زينيت. وقد ذكّر البابا في كلمته أنّ العائلة المقدّسة هربت ملتجئة إلى أرض مصر، وهذه الضيافة تبقى في ذاكرة البشريّة جمعاء، خاصّة وأنّها تجعل من مصر “أرضاً تجعلنا نشعر أنّها أرضنا”.
وخلال كلمته التي قاطعها التصفيق الحارّ مراراً، شجّع الحبر الأعظم المسؤولين على تقييم “عبقريّة هذا الشعب، حيث أنّ الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية لا تنقص أحداً”. كما وتطرّق إلى الواجب الخاصّ المترتّب على مصر، في إشارة إلى الاعتداءات التي حصلت مؤخّراً: “تعزيز السلام في المنطقة حتّى ولو كانت البلاد تخضع على أرضها لعنف أعمى… فمصر التي تواجه الإرهاب مدعوّة لتبرهن أنّ الدين لله والوطن للجميع”.
وأضاف الحبر الأعظم: “من واجبنا أن نفكّك الأفكار الانتحارية والإيديولوجيات المتطرّفة فيما نؤكّد على عدم التوافق بين الإيمان الحقيقي والعنف، وبين الله وأعمال الموت”، مشيراً إلى أنّ “الله ليس بحاجة إلى أن يحميه البشر، لأنّه هو من يحميهم”. وعن التاريخ قال البابا: من واجبنا أن نؤكّد معاً أنّ التاريخ لا يسامح من ينادون بالعدالة فيما يمارسون الظلم، ولا يسامح من يتكلّمون عن المساواة فيما يرفضون الآخر الذي يختلف عنهم. إنّ التاريخ يكرّم بُناة السلام الذين يناضلون لأجل عالم أفضل”.
وفي هذا السياق، شجب الأب الأقدس العنف الأعمى وغير الإنساني الذي تسبّبه عوامل مختلفة منها الرغبة في السلطة وتجارة الأسلحة والمشاكل الاجتماعية الخطيرة والتطرّف الديني الذي يستغلّ اسم الله لارتكاب المجازر. “لا يمكننا بناء الحضارة بدون رفض أيّ تأويل متطرّف يهدف إلى إلغاء الآخر واختلافاته… فالله لا يرغب أبداً بموت أبنائه بل بحياتهم وسعادتهم… الله الحقيقي ينادي بالحبّ غير المشروط وبالمسامحة وبالرحمة وبالاحترام التام والأخوّة بين أولاده المؤمنين وغير المؤمنين”. وبهذا، شجّع البابا المبادرات التي اتُخذت لصالح السلام في البلاد وخارجها، ناصحاً بإيلاء الأهمية لدور المرأة والشباب والفقراء والمرضى، “لأنّ عظمة كلّ أمّة تظهر عبر العناية التي تحيط بها الأضعف والأقليّات في مجتمعها”.
ولم ينسَ البابا تذكّر من بذلوا حياتهم ليحافظوا على بلادهم ومن سقطوا في الاعتداءات الإرهابية، محيّياً جميع من يعيشون في مصر.
ثمّ ختم الحبر الأعظم كلمته بقوله: “مبارك شعبي مصر (إش 19: 25)… سلاماً على هذا البلد الحبيب وعلى المنطقة، خاصّة فلسطين وإسرائيل وسوريا وليبيا واليمن والعراق وجنوب السودان؛ سلاماً على جميع أصحاب الإرادة الطيّبة… شكراً ولتحيا مصر”… خطاب وقف له الجميع مصفّقين!