Pixabay -CC0

هل المحامي المؤمن يمارس مهنته أم يعيش "رسالة" و"قضيّة"؟

في سبيل روحانيّة للمحامي المؤمن (2)

Share this Entry
  • مهنة أم رسالة؟

 تناولنا الروحانيّة المسيحيّة كما أهميّة الحياة الروحيّة وتأثيرها في حياة المؤمن. نعالج موضوعنا هذا “في سبيل روحانيّة للمحامي المؤمن”. ونتساءل هل المحامي المؤمن يمارس مهنته أم يعيش “رسالة” و”قضيّة”؟ نُدرك أنّ المحاماة تأتي من الحماية وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتشريع والقانون. فهي من أحد الدعائم الأساسيّة لتحقيق العدل. تشكّل مع القضاء سلطة العدل، التي تهدف إلى تحقيق العدل والسلام والوئام، كما التأكيد على سيادة القانون. إنّها مهنة حرّة، ولكنّها “رسالة” في ذات الوقت. وعندما يمارس المحامي المؤمن بالحياة المسيحيّة، أي بيسوع المسيح ويتوق إلى حياة روحيّة، فبالتأكيد تأتي مهنته أكثر من “رسالة” و”قضيّة”. أي الدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه وحتّى وجوده، أي على حياته، التي وُهبت له من الخالق. تحتاج الحياة في بعض الحالات إلى حماية وذلك من خلال تعاون وتعاضد وحماية المحاماة.

يتعارف عالمنا على أنّ مهنة المحاماة هي رسالة الحقّ والعدل؛ فهي مستقلّة يتكلّلها الكفاح والنبل والكرامة والشرف. إنّها خدمة عامّة، تقوم على تنظيم دقيق ومرن، ممّا يسهّل عليها القيام بخدمتها ودورها ورسالتها بشكل مميّز كأداة للدفاع عن المحتاج والمهمّش والمجروح والمظلوم والضعيف، ممّا يحفظ مكانتها بأن تكون رسالة نصرة الحقّ وتحقيق العدالة، ونشر السلام والمحبّة.

تؤكّد المبادئ الصحيحة والمفاهيم النيّرة، أنّ المحاماة دعامة العدل باعتبار أنّ العدل أساس المُلك، ولا عدل بغير قضاء، ولا قضاء بغير محاماة. يتطلّب من المحامي مشاركة القاضي في تحقيق العدل، من خلال أحكام القانون وذلك باستقلاليّة تامّة وضمير نقيّ، ممارسًا إيّاه ضمن إطار القواعد الأخلاقيّة، والأحوال والأنظمة، التي تنظّم تلك المهنة أو بالأحرى تلك الرسالة السامية المبنيّة على القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة والروحيّة. كيف يجب أن يتصرّف المحامي المؤمن بالسيّد المسيح؟ ألا تنطبق عليه تلك المبادئ والمتطلّبات؟ بالتأكيد، يُطلب منه الكثير والكثير “فمَن أُعطي كثيرًا يُطلب منه الكثير” لا سيّما المحامي الممارس لإيمانه بتقوى وورع وصلاة ومحبّة. إنّه المحامي الروحانيّ الذي يعيش حياة روحيّة. “فالإنسان الأرضيّ لا يتقبّل ما هو من روح الله، لأنّ ذلك عنده حماقة، ولا يستطيع أن يعرف ما هو من روح الله، لأنّ الحُكم في ذلك لا يكون إلاّ بالروح. أمّا الإنسان الروحانيّ فيحكم على كلّ شيء ولا أحد يحكم عليه. فمَن عرف فكر الرب ليُعلّمَه؟ أمّا نحن فلنا فكر المسيح” (1 قور 2: 11-16) من هنا لا بدّ من انفتاح المحامي المؤمن على علم الروح القدس لكي يعلّمه فنّ الإصغاء والخدمة والتفاني وأعمال البرّ والمحبّة.

تتطلّب مهنة المحامي المنضوية تحت عنوان “الرسالة”، النزاهة الكاملة والاستقامة والحياديّة والأمانة والاستقلاليّة والإخلاص كما القدرة العلميّة. إنّها مهنة رسوليّة تتطلّب الجهد لا الكسل والحريّة لا التبعيّة والكرامة لا الوصاية. نعم إنّها رسالة بكلّ معنى الكلمة، لأنّها تتطلّب التضحية. فكيف إذا كان محامٍ مؤمنٍ بيسوع المسيح؟ ألا يعيش على خطى معلّمه؟ المدافع الأوّل عن حقوق الإنسان؟ لقد مات من أجل خلاص الشعب كلّه، الشعب المظلوم والسجين. لقد حمل مشعل التحرّر والحريّة من أجل عودة الإنسان إلى الفردوس. لقد حمل رسالة الحقّ في وجه الظالم والمستبدّ وحرّر الإنسان من خطيئته. هل المحامي المؤمن يحافظ على الرسالة؟ أم أنّه دخل في منظومة المهنة فقط؟ هل يعي أهميّة رسالته ودوره؟ أم أنّه دخل في عالم المادّة ووسّخ وسخّر ضميره لا للعدالة؟ هل يعمل بحسب تعاليم الكتاب المقدّس والكنيسة؟ أم أنّه يغرّد خارج السرب؟ هل يعي انتماءه لكنيسة السيّد المسيح؟ أم أصبح مثال شكّ وعثرة للآخرين؟ إنّ المحامي المؤمن هو الرسول الذي يجب أن يتحلّى بصفات إنسانيّة وأخلاقيّة وروحيّة وإيمانيّة. وألاّ تأتي مهنته ورسالته بعيدة كلّ البُعد عن ما يؤمن به وما عليه أن يكون لأنّه يحمل في طيّاته العقيدة الإيمانيّة والروحانيّة المسيحيّة. بالمطلق ترَوْحِن الروحانيّة المسيحيّة كلّ عمل نبيل يخدم الإنسانيّة، فكيف إذا كان العمل يحمل رسالة وقضيّة مثل المحاماة؟ كما ذكرنا آنفًا، إنّ مهنة المحاماة التي يمارسها المحامي المؤمن، تتطلّب الحبّ والإيمان والشجاعة والتضحية والضمير والفضيلة والعلم وفضائل وصفات متعدّدة. يُقال بأنّ مهنة المحاماة هي فنّ رفيع، فمَن مارسها بحسب المبادئ والقيم (رسالة وقضيّة) نجح، ومَن اتّخذها صناعة أو مهنة فقط ولو أصاب فيها مالاً وصيتًا لامعًا ومجدًا فقد فشل.

نعم، إنّها رسالة. فهي طريق لتحقيق إرادة الخالق وإسعاد الخلق، وإلى رفع مستوى الحياة الاجتماعيّة والعلائقيّة، بهدف بناء مجتمع يسوده العدل والسلام والرحمة.

نعم، إنّها مهنة. فهي تحمل لواء الرسالة المقدّسة، بنشر التعاليم السماويّة وتحقيقها عبر الدفاع عن المظلوم واثبات العدل والحقّ والحقيقة.

إنّ مهنة المحاماة، مثل غيرها، مليئة بالمغريات والعروضات التي يدفع ضريبتها المحامي عادةً من سمعته أو قناعاته، وخصوصًا عندما يترافع عن أشخاص هو غير مقتنع ببراءتهم أو أنّهم اعترفوا بأخطاء جسيمة. إنّ المحامي الملتزم دينيًّا ويمارس حياته الروحيّة، لا بدّ أن تأتي أعمال مهنته مقدّسة، لأنّه يعمل من أجل الخير العام، وبطريقة شفّافة وبوحيّ من الروح القدس، المُرسَل له، لكي يمارس مهنته من أجل الدفاع عن “إخوته الصغار”، التي طلبها الربّ يسوع من المؤمن المسيحيّ “كلُّ ما فعلتموه مع أحد إخوتي هؤلاء الصغار، فمعي فعلتموه…”

إنّ المحامي المؤمن بكلام الربّ يسوع وفاعليته في حياته وحياة المؤمنين، تقوده إلى ممارسة مهنته بكلّ سخاء وعطاء ومجّانيّة، كما فعل السيّد المسيح مع المؤمنين وعبر المؤمنين. فإيمان المحامي وعيشه تقوده إلى حياة روحيّة عميقة ومستمرّة، لأنّها تعطيه القدرة والفرصة للإتّحاد بالله وامتلاك خبرة التنوير والاستنارة. تهبُ الحياة الروحيّة السلام الباطنيّ، المُلهَم من روح يسوع المسيح.

                                                                    (يتبع)

 

   الأب د. نجيب بعقليني

                                                                      أخصائي في راعويّة الزواج والعائلة

  رئيس جمعيّة عدل ورحمة

Share this Entry

ألين كنعان إيليّا

ألين كنعان إيليا، مُترجمة ومديرة تحرير القسم العربي في وكالة زينيت. حائزة على شهادة تعليمية في الترجمة وعلى دبلوم دراسات عليا متخصّصة في الترجمة من الجامعة اللّبنانية. حائزة على شهادة الثقافة الدينية العُليا من معهد التثقيف الديني العالي. مُترجمة محلَّفة لدى المحاكم. تتقن اللّغة الإيطاليّة

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير