لنتأمّل بالرّعاة الآتين ليسجدوا أمام يسوع المسيح وأمام عرشه الإسطبليّ، إنهم الرّعاة الذين تلقّوا البشارة عندما كانوا يسهرون على قطيعهم ليلًا، يحرسونه ويهتمّون به، إنهم الرّعاة الذين أتوا الى المغارة مع كل القطيع دون ترك أي خروف وراءهم، إنهم الرّعاة الذين لم يحملوا ليسوع إلا ذواتهم وسهرهم وتعبهم وحبّهم…
إن كان “الربّ راعيّ” (مز23)، فهو بالمؤكّد “الراعي الصالح” (يو10: 11) فيوضح الكتاب من سفر تكوينه حتّى صفحته الأخيرة أنّ المسيح هو الرّاعي، راعي الرعاة فليس بأمرٍ عجيب أن يبشّر الملائكة “ملوك الأرض وأسيادها”، أي رعاة بيت لحم بمجيء الّراعي الأوّل…
ففي بدء التكوين مع قصّة يوسف يحدّد لنا الكتاب أن إسرائيلَ ستُبنى على “الراعي” فهو صخرها (تك 49: 24)، فهو الحبيب المتجسّد، هو للأرض والأرض له، هو راعي الجمال الحب والفرح والسّلام (نش 6: 3)، فحبّه للإنسان جعل منه إلهًا تاركًا عرشه السّماوي، متنقلًا باحثًا عن دموع الإنسان ليمسحها (اش 38: 1-22\رؤ7 : 17).
إنّه الإله العظيم، رضيَ بالأقمطة وبالأكفان ولم يرضى من الهدايا سوى دموع التوبة ليبيّض كل قلب تائبٍ ويتوجّه ملكًا في الملكوت (ار 43: 12). إنه “الصغير بين الشعوب ومحتقرا بين الناس” (ار 49:15)، الرّاعي الذي بتواضعه سيقلب مقاييس المُلك. إنه الربّ الذي ما كسرَ يومًا عهده مع شعبه، فأعلن في العهد القديم “كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتتة هكذا افتقد غنمي واخلصها من جميع الاماكن التي تشتتت اليها في يوم الغيم والضباب.” (حز 34: 12)، وها هويفتقد شعبه ويتجسّد في عالمنا بإبنه الوحيد معلنًا إنه “باب الخراف” (يو10:7) الذي يجمع قطيعه ويعرفه.
إنه الرّاعي الرحيم الذي يخلّص شعبه من فوهة الخطيئة والظّلام وفم الأسود (عا 3: 12)، ونحن شهودٌ على عمل المسيح الشّافي من موت الخطيئة، فأقام الموتى، وعزّى الحزانى، وشفى المرضى، وحرّر الممسوين… فهو الحبيب الذي يرّد يده عن الصغار، ويجمع الكبار ويديه تحمل جراحات هذه الأرض الذي تبنّى طبيعتها (زك 13: 7).
إنه يسوع المسيح، راعي العهود، الذي كان قبل كلّ شيء ومازال لدهر الدّهور، الحبيب الذي بحبّه يقود الى الخلاص. ومن تمثّل بهذا الرّاعي هو ملكٌ، فمن خلال يسوع المسيح اصبح إبنًا لله الملك… لن نصبح ملوكًا إن لم نكن رعاة، فإن كان مُلكنا من عند الله فهو أداة خلاص لكل فردً من “القطيع”. أم إن كلّ لا يمرّ بالآب، فسيكون أداة قتل للـ”قطيع” كما فعل هيرودس بأطفال بيت لحم…
يسوع… راعي الرعاة
إنه الحبيب الذي بحبّه يقود الى الخلاص