Crucifix Des Ouvriers Du Vatican Offert Au Pape © L'Osservatore Romano

البابا: كيف أنظر إلى الصليب؟ هل كعمل فنّي، أم أنظر إلى داخل جروح يسوع وصولًا إلى قلبه؟

النص الكامل لصلاة التبشير الملائكي يوم الأحد 18 آذار 2018

Share this Entry

أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

يروي إنجيل اليوم (را. يو 12، 20- 23) حدثًا جرى في الأيام الأخيرة من حياة يسوع. يدور المشهد في أورشليم، حيث صعد يسوع بمناسبة عيد الفصح اليهودي. وقد جاء أيضًا بعضُ اليونانيين من أجل هذا الاحتفال الطقسي؛ وهم أشخاص متديّنين، يجذبهم إيمان الشعب اليهودي وكانوا قد سمعوا عن هذا النبيّ العظيم، فقصدوا فيليبس، أحد الرسل الاثني عشر، وقالوا له: “نُريدُ أَن نَرى يسوع” (آية 21). إن القديس يوحنا يسلّط الضوء على هذه الجملة، التي ترتكز على الفعل “رؤية”، والذي يعني، في مفردات لغة الإنجيلي، تخطّي المظهر من أجل الوصول إلى فهم سرّ الشخص. الفعل الذي يستخدمه يوحنا، “رأى”، يعني الوصول عبر النظر إلى القلب، مع فهم الشخص وصولًا إلى عمقه، أي البلوغ إلى داخل الشخص.

إن ردّة فعل يسوع هي مدهشة. فهو لا يجيب بـ “نعم” أو بـ “لا”، إنما يقول: “أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان” (آية 23). هذه الكلمات، التي تبدو لأوّل وهلة وكأنها تتجاهل طلب اليونانيين، لكنها في الواقع تعطي الجواب الحقيقي، لأن من يريد أن يعرف يسوع عليه أن ينظر داخل الصليب، حيث يتجلّى مجده. النظر داخل الصليب. يدعونا إنجيل اليوم إلى توجيه نظرنا نحو الصليب، الذي ليس بزينة أو حلى للثياب – تُستغلّ أحيانا بطريقة خاطئة- إنما هو علامة دينيّة يجب التأمّل بها وفهمها. ففي صورة يسوع المصلوب يظهر سرّ موت ابن الله كعمل محبّة سامي، وكمصدر حياة وخلاص للبشرية في كلّ الأزمان. إننا بجراحه قد شفينا.

يمكنني أن أفكّر: “كيف أنظر إلى الصليب؟ هل كعمل فنّي، لمعرفة ما إذا كان جميلاً أم لا؟ أم أنظر اعماقه، إلى داخل جروح يسوع وصولًا إلى قلبه؟ هل أنظر إلى سرّ الله الذي سُحق حتى الموت، مثل العبد، مثل المجرم؟”. لا تنسوا هذا: انظروا إلى الصليب، لكن انظروا إلى أعماقه. يوجد عمل تعبدي جميل تُتلى فيه صلاة الـ “أبانا” لكلّ من الجراح الخمسة: عندما نصلّي الـ “أبانا”، نحاول أن ندخل، من خلال جراح يسوع، إلى داخله، إلى عمقه، وصولًا إلى قلبه. وهناك نتعلّم حكمة سرّ المسيح العظيمة، وحكمة الصليب العظيمة.

يستخدم يسوع صورة حبة الحنطة، كي يشرح معنى موته وقيامته، ويقول: “إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيرًا” (آية 24). يريد أن يفهمهم أن آخر ما سوف يحدث له –أي الصليب والموت والقيامة- هو عمل خصوبة –بجراحاته قد شفتنا-، خصوبة سيخرج منها ثمرًا من أجل الكثيرين. إنه يشبّه نفسه هكذا بحبّة الحنطة التي، إذ تتحلل في الأرض، تولِّد حياة جديدة. فيسوع بتجسّده، جاء على الأرض؛ ولأن هذا لا يكفي: فكان عليه أن يموت، كي يخلّص البشر من عبوديّة الخطيئة ويهبهم حياة جديدة في حالة تصالح بالمحبّة. قلت: “كي يخلّص البشر”: أي كي يفديني أنا، وأنت، وجميعنا، وكلّ واحد منّا، لقد دفع هذا الثمن. هذا هو سرّ المسيح. اذهب إلى جراحاته، ادخل إلى أعماقها، وتأمّل؛ وانظر إلى يسوع، ولكن من داخل جراحاته.

إن ديناميكيّة حبّة الحنطة هذه، التي عاشها يسوع، يجب أن تتحقّق فينا نحن أيضًا، تلاميذه: إننا مدعوّون لتبنّي الشريعة الفصحيّة هذه، شريعة فقدان الحياة كي ننالها جديدة وأبديّة. ماذا يعني فقدان الحياة؟ أي ماذا يعني أن نكون حبّة حنطة؟ يعني عدم التفكير دومًا بالذات، وبالمصالح الشخصيّة؛ يعني معرفة كيف نلبّي حاجات القريب، ولا سيّما الأشخاص الأقلّ أهميّة. إن القيام بأعمال المحبّة نحو الأشخاص الذين يعانون في أجسادهم وفي أنفسهم، بكلّ فرح، هو الطريقة الأصدق لعيش الإنجيل، هو الأساس الضروريّ كيما تنمو جماعاتنا بالأخوّة والقبول المتبادل. أريد أن أرى يسوع، إنما من الداخل. عليك إذا أن تدخل في جراحاته وتتأمّل بمحبّة قلبه المحب لكَ، ولكِ، وللجميع.

لتساعدنا العذراء مريم، التي أبقت على نظر قلبها ثابتًا دومًا في ابنها، من مذود بيت لحم حتى الصليب على الجلجلة، على اللقاء به ومعرفته كما يريده هو، حتى نعيش مستنيرين به، ونحمل للعالم ثمار برّ وسلام.

صلاة التبشير الملائكي

أيها الأخوة والأخوات الأعزاء،

أتمنّى للجميع يوم أحد مبارك. من فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. غداء هنيئًا وإلى اللقاء!

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2018

 

Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير