Under the cross - Pixabay - CC0 PD

بين صرخة الكئيب و صرخة المخلِّص على الصليب

لنفاخر بحب المصلوب لنا

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عام 2012 تم بيع واحدة من أربع النسخ الأصلية للوحة “الصرخة” الشهيرة لإدفارد مونك (Edvard Munch).
رسي المزاد على سعر قياسي بلغ 120 مليون$. و قد عُرف عن هذا الفنان بأنه كان شخصاً قلقاً ومسكوناً بالهواجس والأفكار المؤرقة إثر فقده أفراد عائلته: أمه في عمر الخامسة و تبعتها أخته التي لم تكن قد أكملت عامها الرابع عشر. وعندما بلغ العشرين مات والده…
في 22 كانون الثاني من عام 1892, كتب مونك في سجل يومياته مخلّداً توصيفه الشخصي لعمله هذا الذي صُنّف ب “أيقونة الحداثة”:
“كنت أسير على طول الطريق مع اثنين من اصدقائي – غابت الشمس – وشعرت بعصفٍ من الحزن – فجأة تحولت السماء إلى اللون الأحمر الدموي. توقفت، إتكأت على السياج، متعب حتى الموت – كانت السماء تصرخ بالدم و النار فوق المدينة و المضيق البحري الداكن الزرقة – ها هما صديقاي يمضيان فيما بقيت أنا واقفاً مرتجفاً قلقاً – وشعرت ب”صرخة” لامتناهية تمر من خلال الطبيعة”.

يُجمع كثيرون من دارسي الفن أنه على عكس لوحات عصر النهضة من القرن الخامس عشر و التي تميزت في قدرتها على خلق “فضاء” من طلاء كان من شأنه أن يفتح مجالاً غالباً ما يكون على مدى العين وسعاً؛ أتت الحركة التجريدية في أواخر القرن التاسع عشر “مسطحة” المدى. ويؤكد المفكرون أن لهذا التحول في الفن التصويري، مدلول ومضامين دينية.
في لوحات مونك كما العديد من زملائه، يبدو و كأن الله قد حُيّد وأبعد والخطوط هنا لا ترقص على لحن النعمة. في نواح كثيرة أصبحت الطبيعة غامضة و كأنها نتاج طفل يحاول إستعادة براءته الضائعة و يكافح لتصوير عالم ساحر و لكنه قابع في زاوية ذوي المهارات المحدودة… مونك الفاقد إيمان طفولته كان يرى أن الطبيعة في كآبة “عنيفة” تحتضر و هي بحاجة لأن تخلق من جديد: فأتت “الصرخة”، ولكن للمفارقة، لا خليقة من دون خالق… لم يبكي المولود و لم يصرخ للحياة… أتت “صرخة” مونك و كأنها بكماء…. عرف مونك أن لوحته كانت صامتة. وهذا الصمت كان يرعبه. فأصبح هو صدى “الصرخة الصامتة” !!
….

“الفن يخرج من الفرح والألم”، كتب مونك في يومياته. لكنه خلص إلى أن “معظمه يخرج من الألم.”
وقد يكون الفنان على حق ولكن…
المهم أن نجعل من هذا الألم مخاض ولادة، تماماً كما فعل السيد على الصليب:
من آلامه المبرحة التي تحمّلها حباً ببشريتنا ولّد الخلاص على سرير صليبه… ومن رحم القبر أشرقت القيامة!!
قبل أن يُسلم الروح على صليبه صرخ السيد “صرخة عظيمة”:
هي صرخة مونك و كل بشري على مر العصور: “لماذا الموت وماذا بعد الموت؟”
أما الجواب فعاد وأعطناه السيد بنفسه !! من صرخة المزود الى صرخة الصليب وصولاً الى هتاف : ” حقاً قام” : الحب هو الجواب.الحب هو الطريق و الحياة.

اليوم فيما لا تزال صرخة مونك صرخة العديدين بيننا… لا يزال الخلاص يكمن في ذاك المعلّق على الصليب! و لأن الصليب لم يعد مجرد أداة تعذيب بل عرش تجلّت عليه المحبة المنتصرة على الموت أضحى هو فخرنا. الألم لا مفر منه في هذه الحياة ولكنه حقيقة ذات حدين: إما يحطمنا أو يمجدنا… وفقًا لمن سنسلمه آلامنا. و كل ما يستلمه الرب يؤلهه: الخيار لنا. أنحمل الصليب بنعمة المصلوب أم ننسحق تحته إنسحاق الميت المنكوب؟

اليوم حين نتخذ الصليب رمزاً نعلم أننا نتبنى بما يبدأ بما يصفه البعض بكارثة وإنكسار ولكنها حتماً مسيرة تنتهي بقبر فارغ وانتصار. وإيّانا أن نجعل من صليبنا مجرد زينة، أو مجرد علامة نزايد في إبرازها (نكاية) بالآخر وننسى أن هذا الآخر ثمنه دم المسيح على الصليب ذاك!!! اليوم حين نتباهى بالصليب علّنا نفاخر بحب المصلوب لنا أجمعين مدركين أن خطايانا كخطايا غيرنا هي المسامير في يدي الحب…و علنا لا نجادل فارغاً “دفاعاً عن الدين” بالأخص و أنه حين ندين الآخرين غالباً ما نكون في ما تعلمنا إياه الكنيسة “إنتقائيين”…
اليوم، فلنجعل من صليبنا صوت الحب الذي يشفي من هم بصرختهم مخنوقين!!

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

أنطوانيت نمّور

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير