Cross - AJEL - Pixabay - CC0 PD

تقنيّات السعادة أم سرّ الصليب؟

التكنولوجيا الهدّامة

Share this Entry

الغربة عن الله تولّد حزناً ويأسًا وفقدانًا لمعنى الوجود. في بُعده عن الله، يفقد الإنسان اتجاه حياته وعمقها وغناها. يصير في الفراغ في اللاشيئية، في العبثية وفي العدمية. لأنّ انتفاء النور يعني الظلمة.

لذلك أصبح عالمنا اليوم حزينًا لأنّه سجين “الفردانية” و”الأنسنة” الرتيبة المحدودة في مجتمعاتٍ معولمة مكتفية بذاتها تعيش بدون الله.

لم يعدْ في البيوت فرح. العائلة أصبحت مجموعة من القبائل والجزر المتقاربة والمتباعدة معًا.

أحجية مركبة من كرتون لصورة شكلية ألوانها باهتة.

 كلّ واحد يعيش في عالمه الخاص، يتواصل مع عالم افتراضي متجاهلاً واقعه المعاش من حوله، حتّى من هم أقرب الناس إليه.

الحبّ صار هشًّا محجّما” مبتذلاً خطابيا” سطحيا” مشوّها”، والحبيب روبوتا” مِسخاً، موصولاً بأشرطة كهربائية… والإنسان عالقًا في دائرة مغلقة يفتّش عبثاً عن سعادته المفقودة علّه يجدها بوسائله الخاصة الدهرية.

عالمه أصبح مجموعةً من شبكات التواصل تُبثّ فيها كلّ أنواع المخدّر لأنّ العالم لم يعد يحتمل الألم. إزدادت الأوجاع  والإنسان يخاف منها ويتعلّق بحبال الإدمان: الإدمان على الملذّات الحسّية، المأكل والمشرب، عمليات التجميل، ألعاب التسلية الإلكترونية، الأدوية المسكّنة، كلّ أنواع المخدّرات والمهلوسات، الميسر، الجنس،…

لكن يبدو أنّ الألفية الثالثة واعدة بتكنولوجياتها المتطوّرة. مثلاً تعدُ غوغل Google في السنوات المقبلة القريبة بعالم افتراضي ثلاثيّ الأبعاد، حسيّ وملموس مئة بالمئة حيث يمكن للإنسان أن يحمّل “وعيه” وفكره على أقراص مدمجة وusb  وما يُسمّى بـ”عبر الأنسنة”transhumanisme   يعد الإنسان بذكاءٍ إصطناعي يقود سيارته ذاتيًا وبتكنولوجيا النانو  nanotechnologie التي تحلّ مشاكله الحياتية وتشفي أمراضه المستعصية.

يعده بأطرافٍ إصطناعية تُحيي جسده المعتلّ وغير الصالح وبزيادات تشرّجه بطاقات وبقدرات فائقة للطبيعة ليصير “سوبر إنسان”، إنسانًا مزاداً (+H ) إلهاً متألّهاً وخالداً!

اعتلّ الفكر المعاصر إلى أقصى درجات الإعتلال وصار يصدّق كل شيء.

تسلّلت الكذبات إلى العلوم نفسها ولبست لباسًا أنيقًا وجذابًا. كلّ شعوذة تريد المتاجرة بأرواح الناس، تلبس لباس العلوم، أو تخترع تقنية جديدة نفسية لتبيعك السعادة.

يعرضون عليك أوهام الإستهلاكية المشبعة: “أنت سعيد لأنك تشتري وتزداد قنية”!

يعرضون عليك عمليات التجميل والنفخ والترميم.

يعرضون عليك تدريبات نفسية بديلة: خلطات من القدرات السحرية الفوقية التي تغنيك عن النعمة الإلهية، مستوحاة من روح العالم ولا تعرف روح الله.

يعرضون عليك تقنيات النجاح الشخصي والمهني والغنى السريع على شاكلة الوجبات السريعة fast food ومزيداً من السطوة والسلطة، بتلميع الماركة الشخصية وأسلوب الحوار والتخاطب والأداء وإعلاء نبرة الصوت ورسم الإبتسامات، بواسطة فنون التواصل والإيحاء الذاتي والتنويم وعلم النفس الإيجابي والتفكير الإيجابي والتأمّل في الوعي الكامل أو إعادة برمجتِكَ بيولوجيًا ونفسيًا وعصبيًا ولغويا” لتحفيزك وتنظيفك من الطاقات السلبية الكونية…

يعرضون عليك تأمّلات يوغية نرفانية بمسميّات متنوّعة… لترى الحياة باللون الزهري la vie en rose  !

وأنت تصدّق أنّ السعادة هي مجرّد عملية بيولوجية كيميائية فيقول لك Life coach: يكفي أن تعدّل نسبة السيروتونين والدوبامين في جسمك، بالإكثار من بعض المآكل أو الإمتناع عن مآكل أخرى…

أو أن تتأمّل في نقطة فارغة، في ماندلاmandala  معلّقة على الحائط أو تراقب رقّاصاً pendule أو أن تعلّق حواسك فتذوب “أناك” في الطاقة الكونية…

ولأنّك تعبت وسئمت الفراغ الذي يأكلك من الداخل، لأنّك تخاف من المرض والألم وتريد الرفاهية الكاملة بأيّ ثمن، ترغب بإلحاح أن تصدّق كلّ شيء يُعرَض عليك. لأنهم يكلّمونك عن الحبّ والتضامن والسلام والمساواة الخ. ولكن أي نوع من الحبّ هذا الذي محوره الذات؟ ونشوة الذات والنفعية الذاتية؟؟ وأيّ نوع من السلام هذا المتأنّق والمزيّف؟؟

 وأنت تصدّق لأنّ من يبيعك تقنيات السعادة يقف بعضهم على منابر الجامعات ويتبادلون الأنخاب وتستقبلهم الفاعليات والبعض منهم، ويا للأسف، فرّيسيّون جدد يقولون إنّهم مرسلون ومسحاء …

فرح معانقة الصليب

هذه سلع رخيصة مبتذلة تزيد فيك “الفردانية” و”الصنمية” وعبادة الذات. هذا الحلم بالسعادة والرفاهية يزيد فيك الأنانية فيغفل عنك سرّ الصليب. أنت لن تعرف السعادة بمعزل عن شركة الحب مع الآخر. وإلّا تصير “زومبي” حيّاً ميتاً، أشلاء تسير مع أشلاء بكبسة زر. أنت مغسول دماغيًا ومبرمج إعلاميًا، تسير مشخّصاً في محمولك الذي صار مرشدك الذي يفكّر عنك.

هذه التقنيات روحانيات ونفسانيات بديلة يعرضها عليك عدوّ. الشرّ يغريك بمسكّناتها ليضلّلك عن الطريق المستقيم. قد يبدو الأمر خيراً لكن تذكّر ما يقوله لك الرب: “توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت.” (أم ١٤/ ١٢)

لذلك استيقظ !

“استيقظ أيها النائم ليُضيء لك المسيح!” (أف ٥/ ١٤)

متى انفصلت عن مصدر النعمة احتجبت عنك النعمة، فصرت تشحذ سعادة من غير مصدرها.

أنت تشتري كلّ شيء حتى ولو كانت بضاعة فاسدة مضروبة لكن مغلّفة بغلاف أنيق.

وأنت تفضّل الوجبات السريعة من الفرح والأوتوسترادات الواسعة المعبّدة والسهلة.

لا تريد أن تنتظر. لا تصبر، وتصدّق كلّ شيء لأنّك أصبحت بكبريائك وانتفاخ عقلك فريسة لليأس.

هذه تقنيات مقنعة، مسكّنات سلاميّة مزيّفة ومؤقتة.

لكنّ وجعك كيانيّ صميميّ. مرضك الخطيئة المتجذّرة فيك. مرضك نقص في الحب.

مرضك انفصالك عن إلهك الحبيب المصلوب. لذلك المسكنات النفسية المعلّبة والمقولبة لا تنفعك.

أنت بحاجة لتدخّل طبيبك السماوي، مخلّصك الذي يغسلك فتبيضّ أكثر من الثلج وتعيد تواصلك بمبدأ الحياة وسيّدها، معطي السلام الذي يتفوّق سلامه على كلّ سلام في العالم.

الضابط الكل الحبيب المعشوق الذي يحييك بموته وقيامته. ويعلّمك أن تحيا بسرّ الصليب الذي يعلّمك الحب.

كلّ السعادة عنده وملء الحياة فيه، يعطيك ذاته بمجانية. يعطيك شركة حقيقية في حياته الإلهية وليس مجرد كمال شخصي مبتذل وأوهام خيالية.

إفتح الباب للختن عريس النشيد، وأدخله عالمك فتتحرّر ويصبح عالمك ملكوتاً بوسع السماوات !

لا تخف من الصليب بل عانقه بفرح لتعرف يسوع القائم والممجد !

جهالة الصليب قوّتك !

دعوتك أن تصير قدّيساً. إفرح، المسيح قام!

جيزل فرح طربيه – باحثة في البدع

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير