“المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام”( لو٢: ١٤)
رسالة الميلاد الثامنة لصاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، بكركي ٢٠١٨
تطرح الرسالة موضوع دور المسؤول السياسي في انماء حضارة السلام الحقيقب والشامل ودور الكنيسة السلامي في المجتمع اللبناني.
فيسوع هو امير السلام… وهو نبعه، والسلام هبة الهية، وعليه أن يصير شرطا أساسيا لكي يستحق الإنسان صفة البنوّة… ولا يتأسس السلام إلا على الحقيقة والعدالة ولا يحيا إلا بالمحبة ولا يتحقق إلا ممارسة الحرية (راجع، فقرة ٢).
فالكرامة الإنسانية مرتبطة بشكل مباشر في هذا السلام النابع من الله. فالوحي الإلهي يعلن السلام ، بأنه يحوي على جميع الخيرات سواء المادية والروحية أو الثقافية والحضارية (راجع فقرة ٣). وهو ينعكس إيجابا حيويا على الحياة الاجتماعية، إذ يسهم في بناء حضارة الإنسان الحقيقية. السلام هدف يتوق إليه كل إنسان مهما كان نوعه وجنسه وثقافته ولغته وحضارته ودينه. ودور الكنيسة هو من اجل تربية الإنسان على حضارة السلام، من خلال ما يعرف بالمحبة الاجتماعية أو المحبة الرعوية، تتجلّى على الصعيد الروحي والاجتماعي والمؤسساتي والتربوي والصحي. الكنيسة تقف دوما الى جانب الإنسان لانه طريقها، فهي تتضامن مع كل إنسان وفق حالته ووضعه الاجتماعي والإنساني والروحي الخ (فقرة ٦).ولكن ليست الكنيسة المسؤولة الوحيدة عن الإنسان، لذلك طرح غبطته نداءا ملحّا وعاجلا الدولة اللبنانية يطالبها بأن تتعاون تعاونا جدٍيا وبنّاء في سبيل تعزيز حضارة السلام، يذكّرها بحقوق المواطنين المشروعة، لان هذه الحقوق باتت مهددة، اذ تجعل السلام في ازمة وجودية خطيرة. فالحرمان من الحق العمل والحق في السكن والحق في انشاء عائلة والحق في والغذاء والطبابة، والحق في التعليم والثقافة، هذه الحقوق ان فقدت تعرٍض السلام إلى خطر (فقرة ٧). اما العكس ان تأمنت هذه الحقوق تمجّد الله خالق الإنسان. يذكّر غبطته برسالة السياسة في تامين جميع الحقوق بالتساوي للمواطنين، اما الاهمال في الواجبات الملقاة على الدولة تُعدّ خيانة والافظع هو القبول بالفساد ولاسيما تحليل كل السبل من اجل مصالح الفاسدين والمفسدين دون حسيب أو رقيب. لذا من واجبات الدولة ان تساند مؤسسات الكنيسة لا ان تهملها أو تضعفها أو تسعى الى تهميش دورها الريادي في تنمية الإنسان والحياة الاجتماعية في لبنان (راجع فقرة ٧). ما تنتظره الكنيسة المارونية من الساسة هو “الإنماء الإنساني الشامل الذي هو الاسم الجديد للسلام” (فقرة ٨).
في تشخيص عمل الساسة
يتساؤل غبطته “اين نحن في لبنان من هذا السلام الحقيقي، والمسؤولون السياسيون، يمعنون في ضرب نمو الإنسان والمجتمع والدولة؟” (فقرة ٨). فممارساتهم أنتجت العديد من الأزمات والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية “حتى بلغت بثلث الشعب اللبناني الى الأدنى من مستوى الفقر، وبثلاثين بالمئة من شبابنا وقوانا الحيّة إلى حالة البطالة، وفتحت واسعا باب هجرة الوطن حسيّا ومعنويا الخ.” أضف إلى ازمة اللاجئين السوريين… (فقرة ٧).
تساؤلات
ثم يطرح غبطته في الفقرة التاسعة من الرسالة تحت “تساؤلات” تتضمن مخاوف الكنيسة إزاء الوضع الراهن، كمسألة الخوف من حرب جديدة مع إسرائيل في ظل ضعف الدولة في بسط سلطة تفلت السلاح غير الشرعي، وفقدان ميثاقية ودستورية الدولة في تنفيذ القرارات الدولية “وبخاصة النأي بالنفس وتطبيق القرار ١٧٠١” (فقرة ٩). يذكر غبطته الدولة بدورها اذ لا يمكن أن تتنازل عن حقها المشروع “في قضية الأمن القومي اللبناني وفي السياسة الخارجية والعلاقات الدولية” (فقرة ٩).
ويعود غبطته بالتوجه الى رجال السياسة، يسألهم عن مسؤوليتهم دورهم الحق في” حماية دولة العيش المشترك والميثاق” (فقرة ٩). فقد شجب نيافته لجوء رجال الساسة إلى تبني سلوكيات تتناقض مع الميثاق الوطني، كانغماس في لامصالح الشخصية وممارسة أخلاقيات الكيدية والطائفية والمذهبية “في الإدارات العامة، والجامعة اللبنانية، والأمن الداخلي تجنح بالدولة الى غير طيب العيش معا الذي اردناه ركيزة أساسية لديمومة وطننا وعقدنا الاجتماعي، وإلى غير مشروعنا اللبناني المحب للانسان والحريات والسلام في دولة مستقلة قادرة وحدها على حماية مواطنيها، وفرض طاعتهم لها” (فقرة ٩). فتطبيق الطائف وممارسته نصا روحا يفتقد الى ممارسة وطنية ميثاقية من قبل الادوار السيئة والمعيبة من قبل الساسة. فتوسيع المشاركة في الحكم والإدارة وتعميم نشر اللامركزية الإدارية الموسّعة والانماء الشامل باتوا معدومين من الممارسة.
فإذا كان اتفاق الطائف افضى إلى وقف التقاتل والحرب، إلا أنه يتطلب من الجميع ثقافة المشاركة والتعاون واحترام التعددية والتنوّع الديني والطائفي والمذهبي. لان القليل من يدرك حقيقة العيش المشترك ” التعددية الدينية تجربة صعبة وحساسة تستوجب اتقانها بعناية وصبر والتقدم بها نحو المواطنة وصولا إلى وطن تسوده الثقة المتبادلة بحيث لا يخاف احد من احد، بل يستطيع الكل تحقيق ذاته” (فقرة ٩). فالتصحيح لممارسة الطائف والدستور هو أمر ضروري ومسؤولية خطيرة ملقاة على جميع الأفرقاء شركاء الوطن، إذ لا يجوز أن يطبق الطائف كما الدستور، وفق ما يسمى ب “موازين القوى” لان هكذا مسلكية سياسية تؤدي بالبلاد كما بالعباد إلى ازمة تعيد الوطن “الى الوراء على مختلف الأصعدة، لدى كل استحقاق لتشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية. فلا يجوز أن تطلّ علينا من حين إلى آخر نسخة جديدة مشوّهة لاتفاق الطائف” (فقرة ٩).
ويختم غبطته بالدعوة إلى عيش السلام الحقيقي الذي هو دعوة تهدف إلى تمجيد الله الخالق والمخلّص والمعيل من خلال “صنع السلام في ارضنا، في العائلة، والمجتمع، والكنيسة، والدولة، من خلال زرع الرجاء في القلب” (فقرة٩).
الختام
اذا اختصرنا رسالة نيافته، نضعها على الشكل التالي: الدور الحقيقي لرجل السياسة في انماء حضارة السلام، من خلال مسلكية أخلاقية مبينة على قيم و مبادئ إنسانية ووطنية ودينية حقيقية، تساعد في بسط السلام على كافة ربوع الاراضي اللبنانية عبر منطق الإنماء الإنساني الشامل والمتوازن والتساوي في الحقوق والواجبات بين كافة المؤسسات والمواطنين. إذ لا يستقيم لبنان بمعزل عن سياسة شفافة صادقة يثق بها الشعب اللبناني. ان المشكلة التي تلخصها رسالة الميلاد ٢٠١٨ هي تنازع أهل السياسة من اجل مصالحهم الخاصة على حساب الخير العام، والعبث بالطائف والدستور على قاعدة خطيرة اسمها “موازين القوى” التي عطلت مسار تأليف الحكومة واخرت في انتخاب رئيس للجمهورية. ان العودة إلى الميثاق المشترك والعقد الاجتماعي الذي اتفق عليه الشعب اللبناني في إدارة الدولة، هما المرجع الصالح لاي ممارسة سياسية، ودونهما يتحوّل اتفاق الطائف على نسخة مشوّهة، فيتزعزع المجتمع وعندها يفقد الإنسان اللبناني معنى ثقته بالوطن اللبناني.
الكنيسة المارونية هي السابقة دوما في الدفاع عن حقوق اللبنانيين، وهي لا تتوقف من حض الضمائر من اجل إرساء ثقافة السلام واحترام الدستور واتفاق الطائف.
ولد المسيح هللويا