“إنّ النضال ضدّ ثقافة الاعتداءات، وفقدان المصداقيّة، الحيرة والارتباك اللذين ينتجان عن ذلك، بالإضافة إلى تشويه السمعة الذي يطال رسالتنا، كلّ هذا يتطلّب منّا مقاربة متجدّدة وحاسمة بشكل طارىء، بهدف حلّ النزاعات”: هذا ما كتبه البابا فرنسيس في رسالة وجّهها لأساقفة الولايات المتحدة الأميركية، بحسب ما كتبته الزميلة إيلين جينابا من القسم الفرنسي في زينيت.
أمّا المناسبة فهي الرياضة الروحيّة التي يقوم بها المؤتمر الأسقفي للبلاد، برئاسة واعظ الدار الرسولية الأب رانييرو كانتالاميسا، والتي انطلقت في 2 كانون الثاني الحالي، على أن تنتهي غداً في 8 كانون الثاني.
وقد أوصل الأب الأقدس رسالته الطويلة إلى أعضاء المؤتمر الأسقفي، مُقترحاً “التفكير معهم بالأوجه المهمّة الخاصّة بالمسألة، بهدف مواجهة ثقافة الاعتداءات ومعالجة أزمة المصداقيّة”.
“لم يعد الأمر يتعلّق بنشر مراسيم قاسية أو بتشكيل لجان جديدة… وكأننا كنّا نتولّى خدمة للموارد البشريّة، أو أنّنا نحوّل كلّ شيء إلى مشكلة في التنظيم”.
وأضاف الحبر الأعظم محذّراً: “علينا التنبّه كي لا يكون العلاج أسوأ من الشرّ. وهذا يتطلّب منّا الحكمة والصلاة والكثير من الإصغاء، بالإضافة إلى الشراكة الأخويّة”، مُشيراً إلى أنّ “مصداقيّة الكنيسة خفّت كثيراً بسبب هذه الخطايا والجرائم، لكن أكثر أيضاً جرّاء الجهود التي بُذِلت لإخفاء تلك الجرائم أو نكرانها”، مُطالِباً بـ”تغيير في الذهنيّة وفي طريقة الصلاة، وصِلتنا مع السلطة والمال، كما ممارسة السلطة وعلاقاتنا فيما بيننا ومع العالم المُحيط بنا”.
وتابع: “إنّ المصداقيّة ستكون ثمرة جسم متّحد يعترف بخطيئته ويعرف حدوده، وهو في الوقت عينه قادر على التبشير بالحاجة إلى التوبة. وهذا الضمير الجماعيّ يسمح لنا بالدخول في شراكة عاطفيّة مع شعبنا الذي ما زال يعاني بسبب اعتداءات السلطة والضمير والاعتداءات الجنسية وطريقة التعاطي معها، بالإضافة إلى الحزن الذي يرافق رؤية كهنوت تنقصه الوحدة، وكهنوت منشغل بتوجيه إصبع الاتّهام بدلاً من البحث عن طرق للمصالحة… إنّ المصداقيّة تولد من الثقة، والثقة تولد من الخدمة الصادقة اليوميّة والمتواضعة حيال الجميع، خاصّة حيال مَن هم الأغلى على قلب الرب. والمصداقيّة تنبع أيضاً من المقدار الذي نساهم فيه بتعزيز النسيج الاجتماعي والثقافي الذي يوشك أن ينهار ويضمّ في طيّاته أوجهاً جديدة للحقد”.
كما وأشار أسقف روما في رسالته إلى أنّ الجرائم يمكن أن تكون بمثابة عذر للبعض كي يُشوّهوا سمعة الكنيسة قائلاً: “كلّ مرّة تصبح فيها رسالة الكنيسة غير مُريحة أو مُزعجة، ترتفع أصوات كثيرة لإسكات هذه الرسالة عبر الإشارة بالإصبع إلى خطايا وتضارب أعضاء الكنيسة ورعاتها”.
وختم البابا رسالته بكلمة تشجيع قائلاً: “في العاصفة، ليس علينا مطلقاً أن نفقد الإيمان بالقدرة الهادئة واليوميّة للروح القدس الذي يعمل في قلوب البشر وفي التاريخ برمّته… يا لسموّ مهمّتنا التي علينا أن نُنجزها! ليس علينا أن نُسكتها أو أن نُقلّل من قيمتها بسبب حدودنا وأخطائنا!”