اليوم، تعيّد الكنيسة الجامعة شفيعها القدّيس منذ 8 كانون الأوّل 1870: القدّيس يوسف خطيب العذراء مريم، و”أب” يسوع ومُربّي ابن الله. وحتّى لو تكتّمت الأناجيل حول موضوعه، إنّ ما قيل كما ما لم يُقال، يكفي لتحفيز الحياة الروحيّة للقارىء. ولكي نقتنع بذلك، فلنغُص في النصوص بناء على مقابلة أجرتها أديلاييد باترينياني مع الأب جاك نيوفيارت، ونشرها موقع “فاتيكان نيوز” بقسمه الفرنسي.
“إنّه يسوع ابن يوسف من الناصرة” كما شرحه فيلبُس لِنثنائيل في بداية إنجيل القدّيس يوحنا (1 : 45). وعندما يذكُر الإنجيليّون القدّيس يوسف، يكون ذكره دائماً وفقاً لابنه بالتبنّي يسوع، والذي هو “حارسه المُخلص”. لا يمحو أحدهما الآخر، فالأب الأرضيّ يُشير دائماً إلى الابن، فيما الأخير بقي دائماً “مُطيعاً” له (لو 2 : 51) طوال حياته المخفيّة في الناصرة، حيث ورث من يوسف مهنة النجارة.
وجود مضبوط مع كلمة الله
في إنجيلَي القدّيسَين متى ولوقا، نجد المزيد من الأدلّة حول يوسف، بفضل النصوص عن طفولة يسوع. فالأوّل يُخبرنا عن 3 “بشارات” حيث يُظهر يوسف نفسه متنبّهاً لكلمة الله، وطائعاً للإرادة الإلهيّة. دعاه الملاك بداية لأخذ مريم إلى بيته (متى 1 : 20 – 23)، ثمّ دعاه لأن يهربوا جميعاً من هيرودس الظالِم إلى مصر (متى 2 : 13)، ليعودوا بعد ذلك مع انتهاء حُكم هيرودس على اليهوديّة (متى 2 : 19 – 20).
وكما كان البابا بندكتس السادس عشر يشرح ذلك خلال رحلته إلى الكاميرون في آذار 2009، “سلّمنا يوسف سرّ بشريّةٍ تعيش في وجود السرّ، منفتحة عليه عبر تفاصيل الوجود الأكثر حسّية. لا يفصل بين الإيمان والعمل. فإيمانه يقود أعماله بشكل حاسم. وبشكل متناقض، إنّه يمحو نفسه عبر التصرّف أي عبر تولّيه مسؤوليّاته، لكي يترك لله حرية تحقيق عمله، بدون أن يُعيقه. وهكذا، يكون وجوده مضبوطاً مع كلمة الله”.
من سُلالة الملك داود، يوسف هو “خطيب مريم التي ولدت يسوع الذي يُدعى المسيح” (متى 1 : 16): عبر الالتزام ببساطةٍ وبواقعيّةٍ بهذا الهدف الكبير، أصبح “الرجل البارّ” (متى 1 : 19). وهذه هي القسَمة الأساسيّة لقدّيس الكنيسة الجامعة.
من ناحيته، دعا الأب جاك نيوفيارت إلى اتّباع القدّيس يوسف كحارس يعتني بهبات الله في كلّ شيء وفي الجميع.
أمّا البابا فرنسيس، فقد أطلق نداء التشبّه بالقدّيس منذ 6 سنوات خلال قدّاس بدء حبريّته: “الحفاظ على يسوع ومريم، الحفاظ على الخليقة كاملة، الحفاظ على كلّ شخص خاصّة الأفقر، الحفاظ على أنفسنا: هذه هي الخدمة التي على أسقف روما إنجازها، وأيضاً الخدمة التي جميعنا مدعوّون إليها لجعل نجمة الرجاء تلمع. فلنحافظ بحبّ على ما أعطانا إيّاه الله”.
واليوم لمناسبة عيد القدّيس يوسف، غرّد البابا على حسابه على موقع تويتر قائلاً: “أيها القدّيس يوسف خطيب العذراء مريم، اسهر دائماً على الكنيسة واحمِها في كلّ الأوقات”، مع العِلم أنّ الأب الأقدس متعلّق جدّاً بالقدّيس الذي يقول عنه إنّه “يتمتّع بقدرة هائلة على جعل الأمور المستحيلة ممكنة. لم يقل القدّيس يوسف يوماً “لا”، وعلينا أن نتشبّه بشجاعته وتواضعه وحميميّته مع يسوع وصمته وحياته المخفيّة وعمله لصالح إرادة الرب”.
كما وكان البابا أيضاً قد تكلّم أمام رؤساء أديرة (في تشرين الثاني 2016) عن “سرّ صفائه”: “لا أتناول أدوية مُهدِّئة… إن كانت هناك مشكلة، أُدوّنها على ورقة وأضعها تحت تمثال القدّيس يوسف في غرفتي. إنّه تمثال القدّيس يوسف النائم، والذي أصبح ينام على فراش من أوراق، فيما أنا أنام جيّداً: إنّها نعمة من عند الله!”