- هل الزَّواج الكنسيّ ضروريّ؟
بالمُطلق، يدفع الزَّواج بالرَّجل والمرأة نحو تأسيس أُسرةٍ تُعتبر أمرًا مهمًّا سواء للكنيسة أو للمُجتمع الَّذي يعترف بالمُطلق وبغالبيّة ساحقة، بقِيَم الزَّواج، يحترمها ويحافظ عليها. يُسهم الإعداد الرصين والعميق للزَّواج في إنجاحه وإستمراريّته. هذا الأمر يصبّ بدوره في خانة تأسيس عائلة متماسكة ومتضامنة ومحافظة على ممارسة الإيمان وعيشه، كما على تطبيق القِيَم الإنسانيّة والأخلاقيّة.
يُبرِز الزَّواج المسيحيّ (الكنسيّ أو “الأسراريّ”) بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ دعوة العائلة ورسالتها بحسب الوحي الإلهيّ وتعاليم السيّد المسيح والإيمان به. تعتمد العائلة المسيحيّة (الرَّجل والمرأة) الَّتي قَبِلَت سرّ الزَّواج، على نعمة الله وعطيّته لإستمرار التضامن والوحدة والشَّراكة والإخلاص و”الديمومة” وعيش الإيمان من خلال الأسرار (أسرار الكنيسة السَّبعة) والحياة الليتورجيّة والصَّلاة وأعمال المحبّة.
نذكّر أنّ الإحتفال بسرّ الزَّواج، يعني الإيمان والشَّهادة أنّ لدى المسيح المخلّص ما يقوله في شأن الحبّ الإنسانيّ والزَّواج والعائلة. “كما أحبَّني الآب فكذلك أَحببتكم أنا أيضًا” (يو 15: 9)، “[…] ليس لأحدٍ حبٌّ أعظمَ من أن يُبذِل نفسه في سبيل أحبَّائه” (يو 15: 13). الزَّواج المسيحيّ علامة لحقيقة مُقدّسة وهي حبّ الآب الخالق لشعبه وحبّ المسيح لكنيسته؛ كما هو أيضًا علامة ناجعة “للنعمة” الَّتي هي منبع الخلاص.
من هنا، يعبّر سرّ الزَّواج بطريقة جليّة على أنّ هبة الرَّجل والمرأة المُتبادلة وحبّهما لا يجد وجه النِّعمة إلاّ في محبّة المسيح، “عرَّفتُهم باسمكَ وسأعرّفهم به لتكون فيهم المحبّة الَّتي أحبَبتني إيّاها وأكون أنا فيهم” (يو 17: 26)، لأنّ النِّعمة الزَّوجيّة تربط المسيح بكنيسته. يُسهم الزَّواج المسيحيّ في بلورة “العيش” بطريقة تجعل حبّ الله مرئيًّا ومُشعًّا، وحياة أزواج الغَد مُفعمة بفرح الله.
يتطلّب سرّ الزَّواج الإيمان بيسوع المسيح. الإيمان هو محبّة من الله، ولكنّه خيار حقيقيّ وقرار. تتطلّب الأسرار السَّبعة الإيمان، كما أنّها تقوّي وتغذّي وتولِّد الإيمان. هنا تظهر العلاقة بين تلك الأسرار جليًّا في عيش الإيمان وتربية الأولاد على فهم حقيقة السيّد المسيح الَّذي إنتسبَ إليه الثُّنائي بفضل العِماد المُقدّس وتناول الإفخارستيّا واختيار الزَّواج الأسراريّ. العلاقة التكاملية بين تلك الأسرار يجب أن تستمرّ بشكلٍ عميقٍ لأنّها تُدخل النِّعمة إلى قلب الثُّنائي والعائلة معًا. لذا، هذا الترابط يجب أن يُعبَّر عنه باستدعاء الرُّوح القُدس كي يسكن في حياة العائلة.
- إقتراحات رعويّة
نعرض بعض المُقترحات الَّتي تحثّ على إختيار وتبنيّ الزَّواج المسيحيّ (الأسراريّ) وإظهار قيمته المُقدَّسة والمُقدِّسة.
- تعميق مفاهيم “المعرفة” والإيمان والمعقول والمنطقيّ.
- الإبقاء على علاقة تفاعليّة بين النظريّة والممارسة، من خلال توفير مساحات للتفكير والبحث.
- التَّفكير في أُسُس الإيمان المسيحيّ مُقابل عدم الإيمان، وفي نطاق الروحانيّة، وطريقة التَّفكير والتَّصرّف لدى غير الممارسين لإيمانهم.
- العمل على توطيد الهويّة المسيحيّة منذ الطُّفولة حتّى تُصبح متشرّبة والإلتزام بها. فيتمّ تفادي أي صراع في مرحلة لاحقة. تقوية الإنتماء إلى الكنيسة والإلتزام بتعاليمها المُستقاة من الكتاب المُقدّس (الالتزام لا يقبل ولا يتحمّل التجزئة أو الإنتقائيّة). كما تعليم الشَّباب على عدم رفض تعاليم الكنيسة المُستوحاة من المسيح ومن الإله الآب. زِد على ذلك الترفّع عن المفاهيم المتعارضة مع المسيحيّة، مسلِّمين أن المسيح عن طريق الكنيسة يقدّس الحياة المُشتركة، أي الزَّواج المسيحيّ (الأسراريّ).
- تعليم المعمّدين الشَّباب أنّ الزَّواج هو علامة فعّالة لهبة الله، فحتّى في زمن المسيح كان الوثنيّون يعتقدون أنّ للزَّواج طابعًا دينيًّا. وقد حدّد الرومان هذا الإرتباط بطريقة رائعة آخذًا بموجبها معنىً مزدوجًا، فالإرتباط إلهيّ وإنسانيّ في الوقت عينه (divini et humani iunis communicatio).
- مرافقة ومتابعة الأزواج للبحث عن حلول للمشاكل والصُّعوبات الّتي تواجهها العائلات لا سيّما الأزواج الجُدُد.
- تعريف الأزواج المُقتنعين بصلابة إرتباطهم والعازمين على إنجاح الحياة المُشتركة بضرورة عدم تجاهل النظرة الإلهيّة للمحبّة الزَّوجيّة، فالله نفسه فرضها، وجدّدها المسيح وعزّزها.
- التشديد على وجود الله والمسيح في حياة الثُّنائي، من خلال سرّ الزواج المُقدّس.
- مُرافقة المعمّدين غير المُمارسين لإيمانهم، لإعادة اكتشاف إيمانهم؛ ممّا يؤدّي إلى طلب سرّ الزَّواج. كما حثّ المُمارسين لإيمانهم، التعمّق والتعلّق بتعاليم السيّد المسيح، الَّتي أودعها للكنيسة من أجل المُحافظة على تتميم وتحقيق الخلاص.
- التشديد على مسيرة مراحل الإعداد للزَّواج (البعيد والقريب والمُباشر)، الَّتي تشرح قيمة سرّ الزَّواج، وتساعد على فهم دعوة الزَّواج والإلتزام به بوعيٍّ وحريّةٍ وإرادةٍ حرّةٍ، من أجل نجاح الحياة المُشتركة المبنيّة على الحبّ المُتبادل “أَحبب قريبك حبّك لنفسك” (متى 22: 40)
- الشرح للأزواج المعمّدين أنّ الزَّواج الدينيّ (الكنسيّ أو الأسراريّ) لا يجري في الكنيسة وحسب بل عن طريقها أيضًا، فمن الواضح والضَّروري لإنجاح الالتزام أن يتمّ الإعتراف بالرَّابط الوثيق والعميق بين المسيح والزَّوجين. ويترتَّب على ذلك الجهوزيّة للإلتزام الحرّ والأبدي في إرتباطٍ مثمرٍ قائمٍ على الإخلاص.
- مساعدة الخطَّاب على معرفة معنى سرّ الزَّواج ومتطلّباته بشكلٍ أعمق، لا سيّما أنّ الزَّواج الأسراريّ لا يُجيز الإنحلال (الفَسخ) لأنّه مبدأ من الشرع الإلهي الراسخ في الكتاب المُقدّس وتقاليد المسيحيّة “فما جمعه الله لا يفرّقه الإنسان” (مرقس 10: 9). المسيح هو مصدر هذا السرّ الَّذي يحمل الخلاص لمَن يحصل عليه من خلال النِّعمة الأسراريّة باعتبارها مشروعًا إلهيًّا ضروريًّا للرَّجل والمرأة اللَّذين قرّرا أن يعيشا دعوتهما. ومن خلال سرّ الزَّواج الكاثوليكي، يجعل الله الحبّ الإنسانيّ مُمكنًا عبر إدخال مَنحىً آخرَ إليه، وهو الحبّ المُستوحى من منبعٍ غير مرئيٍّ، خلاّقٍ وقُدسيٍّ. “فإذا أحبَّ بعضنا بعضًا فالله فينا مُقيم ومحبّته فينا مُكتملة” (1يو 4: 7-12)، “ولكن هذا العهد […] هو أنّي أجعل شريعتي في بواطنهم وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إِلهًا وهُم يكونون لي شعبًا” (إرميا 31: 33).
- تذكير الشَّباب ضرورة إمتلاك المُؤهّلات والمُقدّرات على جميع الصُّعُد من أجل إنجاح مسيرتهم، أي تأسيس عائلة قائمة على دعائم صلبة وعميقة تشكّل النِّقاط التالية ركائزها:
- الوحدة بين الرَّجل والمرأة، “ولذلك يترك الرَّجل أباه وأمّه ويَلزم إمرأته فيصير الإثنان جسدًا واحدًا” (أفسس 5: 31).
- حريّة الرِّضى.
- الإخلاص في الالتزام.
- عدم إنحلال الرِّباط المُقدّس.
- خصوبة الحبّ.
- معرفة تقديم الزَّواج الكنسيّ وإبراز إيجابيّاته العديدة.
- تجنُّب تهميش المسيحيّين واعتبارهم خطأة مُدانين، وعدم رفض ما يبدو أحيانًا طبيعيًّا.
- المعرفة الأكيدة بمعنى الزَّواج الكنسيّ من دون تحقير زواج المسيحيّين، المدنيّ.
- مساعدة راعويّة الزَّواج والعائلة لأن تأخذ في عين الإعتبار كلّ الأزواج الَّذين عقدوا زواجًا مدنيًّا، من أجل إنضمامهم إلى ممارسة بعض المَهمَّات في العمل الرعويّ، إذ أنّهم غير مقصيّين عن حياة الكنيسة. من هنا تفادي إدانة هؤلاء الأشخاص أو الحُكم عليهم أو إهانتهم ولومهم، بل تعزيز الجهود الرامية إلى التَّفكير في وضعهم وظروف حياتهم على أن تتجلّى هذه الجُهود بأكبرِ درجةٍ موضوعيّةٍ مُمكنةٍ.
يمكننا القول أنّ التَّربية المسيحيّة الَّتي يعيشها كلُّ شخصٍ مُعمّدٍ بشكل عميق تسمح بضمان الإلتزام بالتعهُّدات المُتعاقد عليها. بالمُطلق، لا يمكن للشَّخص المُعمّد أن يختار ما يعجبه ورفض ما لا يعجبه. يكون الشَّخص المُعمّد مرتبطًا إرتباطًا وثيقًا بسرّ المسيح الَّذي جاء ليُنقذ الإنسان، وبسرّ الكنيسة بإعتبارها شعب الله المُنقذ، أي الإنسانيّة المُتجدّدة بفضل حياة المسيح.
عرضنا بعض النواحي من قيمة الزَّواج الكنسيّ وقدره، لتوضيح قيمة سرّ الزَّواج الَّذي يوحِّدنا بالله من خلال إتِّحادنا بالآخر.
الأب د. نجيب بعقليني
أخصّائي في راعويّة الزَّواج والعائلة