Cross - Pixabay - CC0 PD

في هذه الجمعة العظيمة أبعد من ذكرى أليمة ولو في معانيها ثمينة

هل سنسلّم دعوته للصمم؟ أم ندع حبه يثمر فينا خلقاً جديداً يداوي كل كَلَم؟

Share this Entry

على أطول السلاسل الجبلية في العالم – الأنديز- الأمريكية الجنوبية، يعمل الجبليون الريفيون في استخراج الملح. ففي جبال «البيرو» مثلاً يُستخرج ملح «البيرو الوردي» الفاخر من نبع طبيعي يقع على ارتفاع 10 آلاف متر. في عملهم ذاك يشقى هؤلاء عراة الأقدام كشرط من شروط العمل. مع الوقت يتآكل لحمهم ليملحوا طاولات الميسورين: ففي أوروبا مثلاً يُباع الكيلو من هذا الملح بحوالي 50 يورو، علماً أن أجر نهار كامل للعامل لا يتخطى الدولارين!! لا يقتصر تعب العمل على إستخراج الملح إنما في نقله أيضاً مشقّة حيث يُنقل على ظهر اللاما لمسافات طويلة و دقيقة… و للهروب من الواقع الأليم يقصد كثيرون المدن الكبيرة كليما أو ساو باولو، أو سان سلفادور… و لكن النسبة الأكبر لا تدخل “نعيم المدينة” بل تبقى خارجها تحيا على الأطراف في تجمعات من التنك. في أحزمة البؤس تلك تنعدم حقوق الإنسان الطبيعية وغالباً ما تضيع الهوية: في تلك النواحي من يولد و يكبر ويموت دون هوية، دون ذكر، دون تسجيل في الوثائق الرسمية أو دوائر النفوس. يموتون في العدم، لا يشعر العالم بهم ولا يُسجل لهم تاريخ ولادة أو موت….

أما هو خارج المدينة المقدسة صُلب، في مساحة مفتوحة.
وها هو يموت عرياناً على الصليب، تسقط عنه كل كرامة.
وها هو يصر أن يشابه كل القاطنين على هوامش المجتمع.
وفي قبر “جديد” وُضع:
وهنا مصيبة ثانية فإنّ اليهودي كان يخاف أن يُدفن معزولاً، وحيداً، مفصولاً عن الجماعة وعن آبائه. لذا في القديم أوصى يوسف بن يعقوب أن تُنتقل عظامه كي لا تظل في أرضٍ غريبة. حتى في دفنه في قبر جديد وهن لا تكريم. و هنا أيضاً حب عجيب أراد التماهي مع كل معدوم، وصاحب قيد مكتوم.
واضح أنّ الرب يأخذ جانب الضعفاء حتى المنتهى ولا يتركهم: لقد اختارهم تفضيليّاً وإتحد بهم. مصلوب خارج المدينة عرياناً ومدفون في قبر جديد وحيدا!! و لكن في ضعفه هذا ستتجلى قوة (1 كو 1: 27)، والقبر الجديد سيصبح فارغا!!

في هذه الجمعة العظيمة أبعد من ذكرى أليمة ولو في معانيها ثمينة. اليوم هو ما زال هنا: خارج “المدينة” على أبواب قلوبنا، وعارٍ من عباءات أفكارنا التي نسقطها عليه وقائماً من قبورٍ جديدة و متجددة نحاول أن ندفنه فيها، يدعونا أن نعيش ملء إنسانيتنا كما إبتدعها يوم الخلق ذاك بحلة بيضاء لا تعرف سواد الظلم ولا إحمرار إراقة الدماء ولا الرمادية في إهمال الفقراء… هو يدعونا كي نحقق جمال ذاك الحلم في كلمة التكوين: “كن”!!
فهل سنسلم دعوته للصمم؟ أم ندع حبه يثمر فينا خلقاً جديداً يداوي كل كَلَم؟

Share this Entry

أنطوانيت نمّور

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير