“فَاتَاهُ مَجْدَا كَمَجْدِ الْقِدِّيْسِيْنَ وَ جَعَلَهُ عَظِيْما مَرْهُوْبا عِنْدَ الاعْدَاءَ بِكَلامِهِ ازَالَ الايَاتِ وَ مَجَّدَهُ امَامٍ الْمُلُوْكِ اوْصَاهُ بِشَعْبِهِ وَ ارَاهُ مَجْدِهِ قُدْسِهِ بِايْمَانَهُ وَ وَدَاعَتِهِ وَ اصْطَفَاهُ مِنْ بَيْنِ جَمِيْعِ الْبَشَرِ”
يشوع ابن سيراخ ٤٥: ٣- ٤
هذه هي مسيرة السيد البطريرك أيقونة الكنيسة المارونية الحيّة. لقد نال بحق مجد القديسين- مجد لبنان، الصاعد دوما من وادي المقدس، وادي قاديشا” القديسين”. هذا المجد، أو بالحري هذا الحضور الالهي في حياة البطريرك رافقه ولازمه وواكبه وكان ملهمه لاسيما الأيام الصعبة والليالي الحالكة، التي مرّت بها الكنيسة المارونية وفي المخاض العسير اتون نار الحروب التي أشعلت الاراضي اللبنانية وقطعت اوصال المجتمعات، مما شكلت خطرا على كيان لبنان وهويته واستقلاله، ولكن كان قلب البطريرك متكلا على الله “يَا رَبُّ، فِي السَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ. أَمَانَتُكَ إِلَى الْغَيوم.” (مز ٣٦: ٥)، لأنه آمن بأن الرب الذي رافق شعبه في الصحراء هو عينه يرافق شعب لبنان بمسيحييه ومسلميه (راجع خر١٣: ٢٠- ٢٢).
“هَلِّلُويَا. طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَّقِي الرَّبَِّ، الْمَسْرُورِ جِدًّا بِوَصَايَاهُ”(مز١١٢: ١). لقد نلت هذه الطوبى، لأنك لم تأب الاستزلام لاحد، ولا الخضوع لسادات وسلاطين هذه الدنيا الفانية، لأنك كنت تدرك بأن الرب ينقض ويزيل تلك الأنظمة الديكتاتورية والبوليسية والعسكرية فيجلس ” الْوُدَعَاءُ مَكَانَهُمْ” (يشوع ابن سيراخ ١٠: ١٧).
لم تخف يومًا من تهديدات الجيوش الاجنبية الغاصبة لأرض الوطن اللبناني، عاملا بوصية السيد القائلة”، “وَمَتَى قَدَّمُوكُمْ إِلَى الْمَجَامِعِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَحْتَجُّونَ أَوْ بِمَا تَقُولُونَ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يُعَلِّمُكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ”. (لو١٢: ١١- ١٢).
كم هددت؟ كم شُتمت؟ كم افتري عليك؟ كم نعت بصفات نابية؟ كم خونت؟ كم من الالسنة الإعلامية والسياسية والحزبية تطاولت عليك يا ايقونة الكنيسة المارونية ؟
فكان موقفك موقف الهك وسيدك الرب يسوع ” يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ” (لو ٢٣: ٣٤) مغفرة ا حررت الإنسان من الخطيئة والوهم والخرف الروحي، أو تفسخ الحياة”….
وها انت اليوم تستريح من بعد معاناة طويلة واضطهادات من اهل البيت وخارجه، تضم يديك وقلبك عقلك وارادتك إلى الرب متوجها إلى بيت الاب إلى الملك المعد منذ إنشاء العالم ولكن (راجع مت ٢٥: ٣٤)، ولكن الى حين، لأنه من هناك اي من عند الله سترافق بعنايتك المعهودة الكنيسة المارونية وشعب لبنان وكل شعب يرزح ويأنّ تحت وطأة الاحتلالات والأنظمة الديكاتورية والزبائنية والشعبوية والأيديولوجيات الشريرة… لتصلي وتتشفع إلى الرب لكي يصنع عجبا (راجع اش ٢٩: ١٤؛ يو٢: ٢٦).
عزيز على الرب انتقالك بعد زمان يا حبر الكنيسة المارونية (راجع مز١١٦: ١٥) وعزيز علينا أن نودعك ونحن في خضمّ الأزمات الوجودية التي تعصف بشبابنا وبمستقبل اولادنا، ولكن بما أن الله خطّك ايقونة الكنيسة المارونية، سنضعك نصب الأعين” قدوة ومرجعا ومثلا” (راجع طوبيا ٢: ١٢؛ يعقوب٥: ١٠ ) لنا نحن ابناء هذا الزمن الرديء الذي صار فيه السفيه يعدّ حكيما، والجاهل مرجعا، والمتواطئ نموذجا وطنيا والتحالفات تحكمها الاستنيابية ومصلحجية سياسية بامتياز…. ولكن “…هذِهِ الأُمُورُ حَدَثَتْ مِثَالاً لَنَا، حَتَّى لاَ نَكُونَ نَحْنُ مُشْتَهِينَ شُرُورًا كَمَا اشْتَهَى أُولئِكَ” ( ١قور ١٠: ٦).
فمع مجد الابرار والقديسين، في نعيم الخلود، برفقة مار مارون وقديسي لبنان، ارحه يا رب بشفاعة سيدة قنوبين ومار شربل وشهداء الكنيسة، لك المجد إلى الابد آمين.
تعازينا الحارة لغبطة ابينا نيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى سائلين من الرب ان يمنحه الصحة وطول العمر بنعمة امنا مريم سيدة بكركي، آمين.
المسيح قام حقا قام.