تطالعنا وسائل الإعلام عن زيارات البابا فرنسيس المتكرّرة للبابا الفخري للكنيسة بنديكتوس السادس عشر، وقد أحببتُ التأمّل في هذه اللفتة المباركة لرمزية هذه الزيارات ومعناها على صعيد حياتنا المسيحية والرعوية، في ظلّ ثقافات تريد إلغاء الآخر، ولاسيما الكبير.
من هو الإنسان الكبير ؟
الإنسان الكبير هو من يحافظ على استمرارية التاريخ وانجازات الأجيال السابقة، هو من يعرف أن يشكر ويكرّم كبار القوم.
الإنسان الكبير هو من يعترف دوماً وأبداً بأنّ التاريخ لا يبدأ من عنده، أو بالحري ليس هو بداية التاريخ ولا يمكن أن يختزل التاريخ بشخصه، إنّما هو “غصن” مشروع إثمار.
شخص يحترم
الإنسان الكبير هو من يعرف أن يردّ عرفان الجميل للّذين سبقوه في عيش التضحيات، لا يتنكّر لها ولا يتغاضاها أو يتفادها أو يجامل عليها ويتحايل على الآخرين بأوهام وتبريرات واهية، تحت حجّة إلغائها إن استطاع، من ذاكرة إنجازات التاريخ…
شخص يخلي ذاته
الإنسان الكبير هو من يعرف أن يحني هامته اتّضاعاً أمام الذين بذلوا حياتهم من أجل الكنيسة وخدمة النفوس وخير المجتمعات.
الإنسان الكبير لا يخجل أبداً من الاعتراف بنعمة الشكران.
ولأنّه كبير يعرف أنّ حقيقة الكبر هي في احترام من سبقوه…
شخص متواضع
لقد اختبرت الإنسانية في هذا الزمن البائس مجازر الإهانات التي أُلحِقَت بحقّ كبار الأجيال والكنيسة وخدّامها، وهناك من ذهب إلى ممارسة ثقافة الإقصاء نهجاً ومسلكاً وعملاً…
ولكنّ الكبير يبقى كبيراً بفضل اعترافه المتواضع بأنّه ليس إلّا فاصلة بين مفاصل التاريخ، وبأنّه امتداد للأجيال السابقة. ومن ادّعى لنفسه الكبر يأفل وينتهي ويزول من أحرف التاريخ وتنساه الذاكرة لا بل تلغيه الكلمات والمذكّرات من أسطرها.
فتحيّة إجلال لكبار الكنيسة البابا فرنسيس والبابا بنديكتوس السادس عشر. فلا تخف من أن تكرّم كبار من سبقوك، لكي يكرّمك التاريخ في أفئدة القلوب…