CC0- Pixabay creative commons

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة

رأي كاثوليكي في التنمية البشرية

Share this Entry

ساهم أشخاص عديدون في بلْورة ما يسمّى بحركة التنمية البشرية، بالإضافة إلى دور”أبراهام ماسلو”، نذكر من هؤلاء:

ألفرد أدلرAlfred Adler( 1870-1937)  وهو معالج نفسي نمساوي، أسّس ما يسمّى بعلم النفس الفرديIndividual Psychology  شدّد فيه على أنّ القوة الدافعة في حياة الإنسان هي الشعور بالنقص. رفض أن يكون علم النفس محدودًا أيّ أن يكون له فقط دورا علاجياً. واعتبر أنّ الطموحات البشرية هي صوب المستقبل وهي ليست ثمر عوامل اللاوعي أو تجارب الطفولة، كما يرى فرويد أو يونغ.

 ابتدع “أدلر” مصطلحStyle de vie أيّ أنّ لكلّ إنسان نظرته الخاصة للحياة بحيث أنّ له صورة عن ذاته تمكّنه من معرفة كيفية مواجهة المشاكل.

*أيضًا من الأسماء التي ساهمت في إطلاق حركة التنمية البشرية نذكر إميل كوي(1857-1926)Emile Coué الذي أسّس أسلوب كويMéthode Coué. وهو صيدلي ومعالج نفسي كتب سنة 1926 كتاباً بعنوان: “ضبط النفس بالإيحاء الذاتي الواعي” وقد روّج للتنمية الذاتية والإيحاء الذاتي الإيجابي. من الأمور التي ينصح بها “كوي” مثلاً، أن يردّد الشخص بشكل متواصل جملة تقول: “في كلّ الأيام وفي كلّ الأحوال أنا في أفضل حال!”. ويؤكّد أنّ تقنيته هدفها توازن الجسد والنفس بالإيحاء الذاتي الإيجابي.

 يمكننا أن نلخّص أسلوبه ببعض الأفكار الرئيسية التالية: عندما تكون الإرادة والخيال في صراع يكون الخيال دائمًا هو الرابح – في هذا الصراع قوّة الخيال هي أقوى مرتين من قوة الإرادة – عندما تتوافق الإرادة والخيال لا تزاد الواحدة على الأخرى لكن تزداد بها- يمكن قيادة الخيال بالإيحاء الذاتي الواعي.

*الفكر الإيجابي(1952)

أسّسه نورمان فينسان بيل Norman Vincent Peale(1898-1993) الذي كتب مؤلّفاً بعنوان: “قوة التفكير الإيجابي”Power of Positive Thinking. خدم  “بيل” كقسيس في Marble Collegiate Church في نيويورك من سنة 1932 حتى رقاده. واجه انتقادات كثيرة من أشخاص في الكنيسة ومن علماء نفس قالوا إنّ فكره هذا غير علمي وهو يرتكز على الإيحاء الذاتيSelf suggestion   والتنويم الذاتيSelf Hypnosis .

في الوقت نفسه، صدرت مؤلّفات لكتّاب كثيرين لهم التوّجه نفسه مثل دايل كارنيجيDale Carnegie 1949)”Triomphez de vos soucis” ، نابوليون هيل: “think and grow Rich”(1937) Napoleon Hill وغيرهم

نلفت إلى أنّ “الفكر الجديد”New Thoughtكان له الدور الأساس في إطلاق هذا النمط من المؤلّفات وهو الذي ألهم فيما بعد بدعة العصر الجديد وبدع أخرى مثل العلم المسيحيChristian Science والسيونتولوجيScientology وكنيسة العلوم الدينية Church of Religious Sciences(التي تنتمي إليها الكاتبة لويز هاي) وإنجيل المال[1](بدعة كينيث هاغن) وغيرها من البدع العقلية المعاصرة.

نذكر من كتّاب التنمية البشرية المعاصرين الأكثر مبيعًا :

Mathieu Ricard,Christophe André,Anne-Sophie Mercier,Pierre Rabhi, Stephen Covey, Eckhart Tolle, Robert Kiyosaki,…وغيرهم الكثير.

تبنّى تيّار العصر الجديد كلّ هذه الأفكار الناشئة، بما فيها تيّار الفكر الجديد New Thought Movement وأدخلها في إطار ما يسمّى بتنمية القدرات البشريةDéveloppement du Potentiel humain  وأطلقها ضمن برامج ودورات ومؤتمرات منظّمة، لاقت رواجًا منقطع النظير في مختلف القطاعات والنشاطات في كافة أرجاء العالم.

التنمية البشرية المتكاملة

نلفت إلى أنّ جميع هذه التقنيات محورها الأنا وتحفيزها، بالإضافة إلى أنّ أغلبها تقنيات مشبوهة، تروّج لعقائد تتناقض مع الإيمان المسيحي أو ترتكز على علوم مزيّفة Pseudo Sciences. وقد أشرنا في مقالة سابقة أننا نطرح إشكاليات التنمية البشرية الزائفة وليس تقنيات التدريب المهني التي ترتكز على معايير علمية. وقد ميّزنا بين أمرين:

“تنمية الموارد البشرية”Développement des Ressources Humaines  وهي برامج للتدريب المهني وضعتها العلوم الإنسانية في الغرب. تهتمّ بإدارة الوقت وحلّ النزاعات، فنّ الخطابة، مهارات العرض والتقديم والتواصل، تفعيل مهارات الإدارة والقيادة، تنمية المعارف الإنسانية من أجل تحفيز وتفعيل القدرات والكفاءات الذاتية، ومن أجل إنتاجية أفضل في الشركات والمصارف والمؤسّسات الإقتصادية والتربوية والإدارية إلخ. وهي علوم إنسانية تجمع مبادئ من علم النفس وعلم الإدارة وعلم الإجتماع والإحصاء ولا شك أنّها مفيدة وتساهم إيجابياً في الحياة العملية لدى المدراء والموظفين وفي دفع عجلة القطاعات المالية والإقتصادية. نشير هنا إلى أن هذه المهارات ترتكز على أسس علمية تجريبية يمكن قياسها.

–  و”حركة التنمية البشرية” (Human Potential Movement)  وهي برامج أنتجتها المدارس الفكرية المتأثّرة بالفلسفات الشرقية وما يعرف بالفكر الجديدNew Thought  و العصر الجديدNew Age  والفلسفة المتعالية Transcendentalisme، من أجل بلوغ الإنسان الكامل والمتحرّر كما في البوذية.  وقد تمّ فبركة وتعليب أغلبها في مراكز تابعة للعصر الجديد مثل مركز إيسالينEsalen  في كاليفورنيا.

 ويُخشى بسبب هذا الإلتباس في التسمية، أن تتسلّل بعض العلوم الزائفة والتعاليم المضلّلة في مناهج التنشئة اللاهوتية، و أن تصبح هي الأولوية والمرتكز الأساس ويهمّش بالتالي الحق المعلن ومحورية الله وتدبيره الخلاصي.

قال الرب يسوع: “من أراد أن يخلّص نفسه يُهلكها، ومن يُهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصّها”(مر 8/ 35)

إنّ العائق الأساسي أمام قداسة الإنسان، هو محبة الذات والتمسّك بال”أنا”. نحن أبناء القيامة ومن بعض تجلّيات قوة قيامة المسيح يسوع في حياتنا: الإنتصار على الأناEgo ، الثبات ضد رياح البدع وإيديولوجيات العصر والثبات في تحمّل الصعوبات والمشقّات (المونسينيور جورج أبي سعد- محاضرة بعنوان قوة القيامة، 27 نيسان 2019)

تدعونا الكنيسة المقدّسة من جهتها، إلى مفهوم آخر للتنمية البشرية أوسع وأشمل يتخطّى محدوديتنا البشرية ويطال بُعد التسامي الإلهي، وهو “التنمية البشرية المتكاملة” التي دعا إليها الفيلسوف جاك ماريتانJacques Maritain(1882-1973)  وسمّاها إنسانية مسيحية متكاملة Integral Christian Humanism،

وتكلّم عنها قداسة البابا بولس السادس في الإرشاد الرسولي “ترقّي الشعوب”Populorum Progressio

(26 آذار 1967)

 كما أشار إليها قداسة البابا بندكتوس 16 في الإرشاد الرسولي “المحبة في الحقيقة” Caritas in Veritate

(29 حزيران 2009)، محورها تنمية الشعوب والتنمية البشرية المتكاملة في المحبة والحقيقة. سنتكلّم عنها بالتفصيل في مقالات لاحقة إن شاء الله.

“كمالٌ شخصي” أم القداسة؟

إنّ دعوتنا الأساسية كمسيحيين  هي القداسة والقداسة ليست مجرّد تنمية بشرية، لبلوغ نوع من الكمال الشخصي الإنساني. لأن هدفنا هو عيش “كمال المحبة” على مثال الثالوث القدوس كما تعبّر عنه القديسة تيريزا الأفيلية. القداسة شركة في حياة الله وتجلّي حياة المسيح القائم والممجّد فينا. بالتوبة والتواضع وانسحاق القلب، باليقظة والصلاة، باقتناء الفضائل الإلهية وتحقيق مشيئة الله في حياتنا، بإخلاء الذات على شبه المسيح الذي أخلى ذاته آخذا صورة عبد صائراً في شبه الناس… الذي وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب. (فل 2/ 6-11)

إنها فعل تخلٍّ يومي عن المشيئة الذاتية وانفتاح إرادتنا الحرّة على عمل النعمة فينا من أجل التنقية وإفراغ الذات للإمتلاء من محبة الثالوث، لنصير خليقة جديدة بالمسيح يسوع، “لنوجد فيه”(فل3/9)، ونعرفه ونحيا معه.

كما يقول الرسول بولس:” لأعرفه، وقوّة قيامته، وشركة آلامه، متشبهًا بموته!” (فل3/ 10)

فنصرخ معه بفرح: “مع المسيح صلبتُ، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في. فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبّني وأسلم نفسه لأجلي !”(غل2/ 20)

يتبع

لمجد المسيح

[1]لمعرفة المزيد حول هذه البدعة مراجعة كتاب الاب أنطونيو الفغالي ر.م.م.، تيار كلمة الايمان إنجيل الله أو إنجيل المال.

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير