إنّها دائمة الحركة لا تتعب، وأخبارها مفصّلة، تنتهي كلّها بجملة “لكلّ شيء حدود، إلّا الرحمة”. تامارا شيكونوفا امرأة من أوزبكستان، أوجَدَت بعد التوقيف غير المُبرَّر لابنها الوحيد ديميتري شيكونوف (28 عاماً) وإعدامه (بتاريخ 10 تموز 2000) مؤسسة “الأمّهات ضدّ عقوبة الإعدام والتعذيب”.
ومنذ عشرين سنة وهي تجوب العالم وتخبر قصّتها كما قصّة إعدام ابنها التي أوصلتها إلى سلوك طريق الدفاع عن حقوق الإنسان، وجعل السجون أكثر إنسانيّة. وهي تعمل بوجه خاصّ في البلدان التي ما زالت تُطبّق عقوبة الإعدام، بحسب ما نشره القسم الفرنسيّ من موقع “فاتيكان نيوز” الإلكترونيّ.
أمّا في بلدها الأمّ، فقد تمّ محو عقوبة الإعدام في الأوّل من كانون الثاني 2008 بفضل عملها الذي دعمته سانت إيجيديو. وقد أصبح أوزبكستان البلد الرابع والثلاثين بعد المئة الذي يمحو عقوبة الإعدام، لتكون تامارا قد بلغت أحد أهدافها، حتّى ولو كانت اليوم “مواطنة غير مرغوب فيها” تخطّت حدود بلدها لتخبر قصّتها وقصّة كلّ مَن لم تطله عقوبة الإعدام.
التوقيف والتعذيب
تخبر تامارا قصّتها قائلة: “كنّا نعيش ونعمل في تاشكنت حتّى 17 نيسان 1999. دخل 3 رجال مدنيّين مكتب ابني لاعتقاله، وكنتُ موجودة خلال هذه الزيارة الغامضة، وشعرت بشيء غريب. سألتُ عن سبب التوقيف، فقالوا لي إنّها شكليّات. ومذّاك اليوم، لم يخرج ديميتري من السجن”.
وتضيف تامارا قائلة إنّه بعد ساعات، تمّ توقيفها هي أيضاً واستجوابها طوال 12 ساعة. “أبرحوني ضرباً لأنّني لم أتوقّف عن طرح أسئلة بشأن ابني، ولم أتمكّن من رؤيته إلّا بعد 6 أشهر، فيما صعب عليّ معرفته!”
الإعدام والوصيّة
في 10 تموز، وبسرّية تامّة، أُعدِم الابن في سجن تاشكنت. وكان ألم المرأة لا يوصف، ألم يُضاف إلى آلاف الأسئلة التي بقيت بلا جواب. لماذا هو؟ ولماذا هذا الظلم؟؟
بعد أربعين يوماً، تلقّت تامارا آخر رسالة كتبها ديميتري قبل موته، وكانت تضمّ وصيّته. “أمّي الحبيبة، أطلب منك السماح إن كان القدر لن يسمح لنا بأن نلتقي مجدداً. تذكّري أنّني لستُ مذنباً، ولم أقتل أحداً. أفضّل الموت، لكن لن أدع أحداً يؤذيك. أحبّك، وأنتِ المحبوبة الوحيدة في حياتي. أرجوك، لا تنسيني”.
إنّه ألم قويّ وعميق لم يسمح لتامارا بالنوم لفترة سنتين. وإذ كانت تشعر بعطش هائل للانتقام، حملت رغبة ابنها الأخيرة، وبدأ نضالها ضدّ عقوبة الإعدام، التي تعتبرها هي “انتقام المجتمع”.
بقوّة الغفران
إنّ هدفها يقضي بالنضال لإبقاء ذكرى ديميتري حيّة. لذا، حوّلت ألمها إلى شهادة حسّية إلى جانب الضحايا. وتقول تامارا إنّها “بقوّة الغفران”، تُتابع المحاكمات وتنصح عائلات المحتجَزين حول التدابير التي يجب اتّخاذها، وتساعد الجميع على تحضير الرسائل والاستئنافات. كما وتكرّر بلا توقّف للنساء اللواتي يزرن أبناءهنّ وأزواجهنّ في السجن ألّا يبكين، ناصحة إيّاهنّ بالتحلّي بقوّة النضال والتقدّم. “إنّها معركة للحياة”.
ملفّ تامارا
تجمع تامارا قصصها العديدة ولقاءاتها في ملفّ يضمّ صوراً وملاحظات.أمّا أوّل الملفّ فيُفتَح على صورة كبيرة لابنها المحبوب مع جملة: “شيكونوي ديميتري، 28 سنة، مواطن روسيّ مسيحيّ، بدون أيّ قيمة للمجتمع، ولا مجال لإعادة التأهيل في السجن. لذا، ولأجل الجرائم التي ارتكبها، حُكم عليه بالإعدام بالرصاص”.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّه في آذار 2005، تمّ الاعتراف ببراءة ديميتري، والإعلان عن كون محاكمته غير عادلة، “لأنّه بالنسبة إليه كما بالنسبة إلى العديدين، كان باب السجن واسعاً جدّاً لدى دخوله، لكنّه كان بغاية الضيق لحظة حاول الخروج منه”.
ومن بين الحيوات التي أنقذتها تامارا ضمن عملها، هناك حياة إفجني غونيان: “بالنسبة إليه، كان الحُكم بإعدامه قد صدر. وفي رواق الموت، تعمّد وقال إنّ رغبته الأخيرة تقضي بأن يُصبح كاهناً إن تمكّن من الخروج من هذا الجحيم. وقد صدر عفو بحقّه سنة 2011، وهو اليوم يدرس في إكليريكيّة تاشكنت”.