المركز الكاثوليكي للإعلام – عقدت قبل ظهر يوم الخميس ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، حول ندوة “آداب التعامل في حياتنا اليوميّة”.
شارك فيها الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان الأب بطرس عازار مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، الصحافي والكاتب ربيع داغر، والمؤلف جوزف يونس. وحضرها الأمين العام لجمعية الكتاب المقدّس د. مايك باسوس، الأب انطوان عطالله، المحامية اليدا يونس، د. بول باسيل، الاستاذ جوزف عاد، المخرج جاد بو عبده، ولفيف من الإعلاميين والمهتمين.
أبو كسم
ثم رحب الخوري عبده أبو كسم باسم رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر بالحضور وقال:
“يسرنا اليوم أن نتكلم في هذه الندوة على ” آداب التعامل في حياتنا اليوميّة” في ندوة توّجه إلى العائلة والأطفال والشبيبة في لبنان، ربما ينقصنا في وطننا أدب التعامل مع بعضنا البعض وهذه المشكلة كبيرة على كل المستويات حتى هي من ضمن العائلة الواحدة، أو في البلدة الواحدة أو في الإدرات العامة أو على مستوى الأحزاب والقيادات السياسية.”
تابع “عندما اطّلعت على كتاب “آداب التعامل” رأيته يطال كل تفاصيل حياة الإنسان، نحن في لبنان عندنا طريقة تعاطي وتحكمها في بعض الأحيان الأمثال الشعبية وهذا أمر جيد أن نتعاطى مع بعضنا البعض بإحترام بمحبة بإنفتاح بتعاون وأن نشعر بأهمية الإنسان كإنسان من خلال التعاطي المباشر معه.”
أضاف “للأسف الكبير نمر في لبنان بتجاوزات كثيرة، إن على شبكات التواصل الإجتماعي (نشتم بعضنا ونتهم بعضنا ونخوّن بعضنا” وكأنها وسائل للتباعد وليسيت للتواصل، يجب أن نتعاطى مع بعضنا البعض بإحترام وبآداب وبمحبة. تحت ستار الحرية اتكلم على الغير واهينهم (انا حر) حريتك تنتهي عندما تتعدى حدودك وتطال غيرك، وهذا يصبح تفلت وليست حرية، هذه المشاكل نقع بها كتيراً ومع الأسف الشديد هذه الأيام تظهر وتتوضع وتشكل قوة ضغظ بسبب شبكات التواصل الاجتماعي التي هي أسرع لإيصال الخبر أو لإيثار الفتنة.”
وقال “اليوم نحن نقول واجب على كل واحد منا الرجوع إلى ضميره، إلى الأخلاق والقيم اللبنانية، لبنان له تاريخ، حكَمه العظام على كل الأصعدة السياسيّة الكنسيّة الإجتماعية والسياسية والنهضوية، ولننعلّم من هؤلاء الكبار آداب التعامل مع بعضنا البعض بدل نشر ثقافة الحقد والشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ولننشر القيم اللبنانية الطيبة والقيم المسيحية والأخلاقية التي تحمي العائلة والمجتمع.”
تابع “للأسف الشديد نحن أصبحنا بوضع خطير جداً على مستوى الآداب والأخلاق، مسؤوليتنا جميعاً، وليست مسؤولية الكنيسة ورجال الدين فقط بل مسؤولية العائلة والمجتمع الأحزاب السعي لنشرالقيم الإنسانيّة والوطنية والسياسية الأخلاقية والفنية.”
وختم “نحن اليوم بمعموعة فنية، سئلت “لماذا الكنيسة تتدخل بالفن؟” وكان جوابي”لماذا الفن يهشم بالكنيسة ويستهزء بها؟ الكنيسة تقدر الفن وترى أنه نعمة من عند الله بشرط أن يكون فناً، وأن لا يكون مسخرة على القيم وعلى العقيدة المسيحية. من هذا المنطلق علينا القراءة بكتاب واحد اسمه القيم اللبنانية والأخلاقية والدينية الذي هو تاريخ من تاريخ آباءنا وأجدادنا.
عازار
ثم كانت مداخلة الأب بطرس عازار الأنطوني “آداب التعامل مسؤولية مشتركة”فقال : “مع تحيتي لأهل الاعلام جميعاً، لا يسعني إلا أن أقدّر وقفة جميع اللواتي والذين استنكروا تشويه صورة مدينة الحرف والإنسان، مدينة القيم والعيش المشترك، مدينة جبيل العريقة، بتقديم حفل فيها يتضمن “أغانٍ تمسّ بالقيم الدينية والإنسانية وتتعرّض للمقدسات المسيحية” كما ورد منذ ثلاثة أيام في بيان مطرانية جبيل المارونية. ولذلك فإنني، أتضامن مع جميع الذين رفعوا الصوت لإلغاء هذا الحفل، معتبراً أنّه يتناقض كلياً مع موضوع مؤتمرنا الصحفي وبخاصة مع “آداب التعامل في حياتنا اليومية”، ومع سعينا لتنشئة أجيالنا الطالعة على قيم يحاول الكثيرون طمسها والغاءها، وبكل أسف، باسم الحريّة.”
تابع “لقد أحببت أن أعطي لمداخلتي عنواناً هو: “آداب التعامل مسؤولية مشتركة”، لماذا؟ وجوابي هو أن كل ما يجري في عالم اليوم من حروب وانتهاك كرامات وتلاعب بالحياة البشرية وغير ذلك، نتيجة لفقدان روحانية آداب التعامل واستبدالها بالأنانيات والمحسوبيات والمساومات على قيم “الحق والخير والجمال”.
وقال “ان كل إنسان هو مسؤول عن مصير أخيه الإنسان وعن حياته وكرامته وحريته وحقوقه. وللقيام بهذه المسؤولية هناك مواثيق وشرعات روحية ومدنية تحدّد جوهر آداب التعامل الواجب على الإنسان أن يلتزم بها.”
تابع “لقد تعامل الله معنا، ولا يزال، بالرحمة والمحبة والغفران وعلّمنا أن نكون شهوداً لأبوّته لنا ولبنوّتنا له ولإخوّتنا لبعضنا البعض لنحسن تعاملنا مع جميع الناس.”
أضاف “كثيرون اليوم يتلهون بما لا يساعدهم على التخلّق بآداب تجعلهم مميّزين في تعاطيهم مع الآخرين وفي الحوار معهم ليرتقوا سلّم “الأخوّة الإنسانيّة” ليبنوا معاً حضارة المحبّة وثقافة السلام والحياة. كثيرون يفتشون على الحقيقة خارج ذواتهم، ويعتمدون في تعاملهم مع الناس طرقاً ملتوية، وخطابات هادمة، وتصرّفات مشبوهة وسخيفة… والمؤسف أنهم يتحججون بأن ما يقومون به هو حرص على المصلحة العامّة، وهو باسم الدين، وبالتالي باسم الله.”
أردف “ويا ليتنا نعود إلى ضميرنا وإلى أصول إنسانيتنا لنتحمل معاً مسؤولية إعادة بناء منظومة آداب التعامل إلى وهجها وألقها! فلنسمع ما يقوله لنا سفر الأمثال: “أمِل أذنك واسمع كلام الحكماء ووجِّه قلبك إلى المعرفة.. أوليست هذه الأقوال المقدّسة منهجاً واضحاً لآداب التعامل؟”
تابع “من هذا المنطلق يهمني، أن أشير إلى ان شرعة التربية والتعليم في المدارس والمعاهد الكاثوليكية في لبنان تدعو بصراحة إلى أهمية التنشئة على الالتزام بآداب التعامل “كحبّ الحقيقة واحترام الآخرين والحوار معهم والتعاون معهم توصلاً إلى تحقيق الخير العام وتعزيز العيش المشترك…”
وأشار عازار إلى ثلاثة أمور:
الأول: يعزّ عليّ كثيراً أن لا يتوصل أهل الدولة والحكم بعد إلى التوافق على وضع أسس واضحة، لتركيز آداب التعامل فيما بينهم ليعطوا المثل الصالح لشبيبتنا وليعزّزوا الرجاء عندهم الأمل بغد أفضل يشدهم إلى الثبات على أرض لبنان والمشاركة في احترام فرادته وتراثه وعراقته، وبذلك يتكامل دورهم مع دور المؤسسات التربوية والتعليمية ومع توجيهات الأهل.
الثاني: ويعزّ علي أيضاً تأخير الإعلان عن نتائج ورش تطوير مناهجنا التربوية، وبخاصة ما يتعلّق منها بالتاريخ والتربية الوطنية والتنشئة المدنية من أجل خدمة تلامذتنا وتحصينهم بقيم من تراثنا وبآداب سلوك تساعدهم على أن يكونوا مواطنين صالحين.
الثالث: تجاه الأمرين السابقين تُطل علينا بارقات أمل، بين الحين والآخر، تساعدنا لكي نزداد شغفاً بالمسؤولية المشتركة الملقاة علينا والتي يجسّدها بعض المتنورين في ندوات كهذه وفي اصدارات تضيء دروب الحياة لأجيال لا تريد أن تكون ضحية من “ينافقون ويفعلون الشرّ، وينطقون بالحماقة، لأنها شغوفة بتراث لبناني، روحي وإنساني وثقافي، وساعية لاستعادة “رائحة لبنان”.
وختم عازار بالقول “مع أملي بأن يتكامل “المرجع الشامل لآداب التعامل” للأستاذ جوزف يونس، المشكور على مبادرته مع غيره من الإصدارات، أتمنى تشكيل هيئةً وطنيّة تعمل على تعزيز القيم وإبراز ما لدينا من تراث إنساني وحضاري وعلائقي في تعاملنا، كلبنانيين وكبشر، مع بعضنا البعض، ولتأكيد مسؤوليتنا “بحراسة اخواتنا واخوتنا”، وبخاصة التلامذة والشبيبة والأجيال الطالعة ليجددوا دوماً فرحهم بإنسانيتهم وبلبنانهم وبالحياة التي أنعم الله عليهم بها وأرادها أن تكون وافرة باللياقة وبالتصرّف الحسن، لأن “من تعوّدَ الكلام الخالي من اللياقة لا يمكن أن يتأدّب طول حياته”.
داغر
ثم كانت كلمة ربيع داغر حول “الأتيكيت والعلاقات الإنسانية” فقال:
الإتيكيت هي مجموع العلاقات الاجتماعيّة بين الأفراد، وفي علاقاتهم مع المؤسّسات العامّة والخاصّة. والأفراد هم الطفل والمرأة والرجل، والمؤسّسات تتدرّج من العائلة إلى الكيان السياسيّ العامّ وهو الدولة، وحتّى الأمم في ما بينها. والجانب الأكثر تقدّماً في هذا المجال هو ما نسميه العلاقات الإنسانيّة، التي تتخطّى وتتسامى وتتقدّم على العلاقات الاجتماعيّة في نطاقها وأهدافها”.
تابع “العلاقات الإنسانيّة هي أوّلاً العلاقة الفرديّة الذاتيّة، التي تنشأ في داخل الإنسان، وتنشئ كلّ أشكال الصراع الذاتي وكذلك محاولات إيجاد الانسجام في نفس الكائن البشريّ. إنّني كإنسان، لي شخصيّة تحاول إثبات تميّزها عن الشخصيّات الأخرى، وهذا أساس التنافس وبالتالي التعارض والصراع.”
أضاف “إنّني كإنسانٍ أيضاً، لي بُعد آخر أشدّ غموضاً وأكثر رحابةً، ينحو للاتّحاد والوحدة والتناغم مع الآخرين؛ وهذا ما يرسّخ مساحات التلاقي والسلام. بين هذين اليُعدين الداخليّين، تقع المواجهة، ليصل الفرد منّا إمّا إلى تفاهمٍ ذاتيٍّ أو إلى استدامة التناقض الذاتيّ. هنا، لا بدّ من تنظيمٍ قد يتحوّل في حال حدوثه، إلى قاعدةٍ دائمةٍ من العلاقة الداخليّة.”
أردف “والعلاقات الإنسانيّة هي ثانياً، علاقة الفرد بالفرد الآخر، وهي بمنتهى الأهميّة والجِديّة والحيويّة. فلا مفرّ من العلاقات بين الأفراد، لأنّها هي المجتمع بمجمله، ولأنّها هي المرايا العاكسة لسلوك كلّ فرد ولشعوره ونوازعه وأفكاره وأفعاله وردّات فعله. ولا بدّ هنا أيضاً، من تنظيم تلك العلاقات والسلوكيّات في قالبٍ واضحٍ وإجماعيٍّ من آداب التعامل والسلوك والإتيكيت.”
وختم داغر “فمن الفرد المنسجم مع نفسه، ومن المجتمع المنسجم في ذاته، ترقى العلاقات البشريّة إلى المستوى الإنسانيّ المنشود، وتقلع الإنسانيّة عن البربريّة والبدائيّة وكلّ الممارسات القبليّة بما تحويه من نزاعاتٍ وصراعاتٍ وحروبٍ ومآسٍ.”
يونس
كلمة المؤلّف جوزف يونس حول “التعريف بالإتيكيت ومصدرها” جاء فيها:
“تشتمل آداب السلوك على مجموعةٍ من القواعد الدقيقة، هي تشمل مدىً واسعًا للسلوكيّات، إذ إنّها تعني سلوكًا جيّدًا في كلّ الميادين والحقول، كما أنّها تُقدّم خطوطًا إرشاديّةً لجميع علاقاتنا بالآخرين.، فكلّ ثقافةٍ لها سلوك خاصّ بها، فالسلوك الذي يُعتبر لائقًا في ثقافة ما، قد لا يكون لائقًا في ثقافةٍ أخرى.”
تابع “قد تختلف آداب السلوك بدرجةٍ كبيرةٍ حتى في نطاق الثقافة الواحدة، وقد تطوّرت أصول آداب السلوك وتغيّرت، وأيّ سلوك أَخذ في التطور، كان له غرض عملي.”
أضاف “هناك عادات جديدة قد ترفض للوهلة الأولى، ولكنّها تصبح مقبولةً، لا بل مرحّبًا بها فيما بعد. ومثال على ذلك ما حدث في بلدتي تنورين منذ سنوات عدة، إذ أرسلت للمرة الأولى ورقة النعي بواسطة تقنيّة SMS، فقوبلت بالاستهجان، ولكن ما لبث أن صار إرسالها باﻠSMS عادةً متّبعةً في كلّ نعيٍ لوفاةٍ أو في أيّة مناسبةٍ أخرى. “
وقال “أوّل مرشد عمليٍّ معروف عن السلوك المؤدّب ما كتبه بتاح ـ حوتَب، الموظّف الحكومي العالي في مصر القديمة، ويعود تاريخ كتابة تعليماته إلى نحو العام 2400 ق.م.وقد طوّرت الحضارات الأولى – كحضارة اليونان القديمة وحضارة روما – قواعد السلوك الاجتماعي السليم. ومعظم آداب السلوك الرسميّة في الثقافة الغربيّة نشأت في البلاط الملكيّ الفرنسي، في أثناء القرنين السابع عشر والثامن عشر. “
تابع “كذلك وضع النبلاء الذين كانوا يعيشون في البلاط، قائمةً للسلوك الاجتماعي التي يعدّونها سليمةً ولائقة، وأطلقوا عليها اسم “إتيكيت”. كما وُجد شكل من أشكال آداب السلوك منذ زمنٍ طويلٍ وهو البروتوكول أي نظام التشريفات في الوظائف الاجتماعيّة التي يحضرها موظّفو الحكومة والضبّاط الحربيّون والدبلوماسيّون الأجانب.”
وقال “في العصر الحاضر، تغيّرت آداب السلوك، استجابةً للتغيّرات الاجتماعيّة والتطوّرات التِّقْنِيَّة. وتهتمّ اليوم آداب السلوك بصورةٍ أقلّ بالقواعد الجامدة التي تحكم السلوك في المناسبات الرسميّة، وذلك بتقديم خطوطٍ إرشاديّةٍ عامّةٍ للسلوك المهذّب المراعي لشعور الآخرين في كلّ مناسبة. وقد طُوِّرَت مجموعة جديدة من القواعد، لاستعمال الاختراعات الحديثة، مثل: السيّارة والهاتف والطيّارة…”
تابع ” أن آداب السلوك الصحيحة، لا تمايز فيها بين الطبقات؛ لأنّ المعاملة يجب أن تكون واحدةً، لا فرق فيها بين الأعراق والأجناس. لكنّ الاختلاف يكون باختلاف المعاملات والمناسبات. وأختم مع شاعر النيل: “وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.
وفي الختام ” أريد مساعدتكم وتوجيهاتكم وتوصياتكم لإكمال مسيرتي وإتمام كتابٍ يتضمّن المناهج التربويّة أوشك على الصدور بمساهمة نخبةٍ من المتخصّصين في التربية ومن ذوي الخبرة التعليميّة والثقافيّة إضافةً إلى مراجع موثّقة… فنخلق جيلاً صالحاً لوطننا لبنان ” كلّ في نظاق عمله لأنّه وطن الحرف والشرائع والقدّيسين، والمكرم على طريق القداسة البطريرك الياس الحويك: ” لبنان أكبر من وطن إنه رسالة تعايش.”