Enfants Réfugiés, 15 Mai 2019 © Vatican Media

نحن كمسيحيّين لا يمكننا أن نكون غير مبالين بمأساة الفقر بأشكاله القديمة والجديدة

النص الكامل لعظة البابا خلال القدّاس الإلهيّ بمناسبة اليوم العالمي للمهاجر واللاجئ

Share this Entry

لقد ذكّرنا مزمور القراءات أن “الرَّبّ يَحفَظُ النّزلاء”، والأرامل وأيتام الشعب. ويشير كاتب المزمور بوضوح إلى تلك الفئات الهشّة بشكل خاص، والتي غالبًا ما تُنسى وتتعرّض للإساءة. فالنّزلاء والأرامل والأيتام هم محرومون من حقوقهم ومُستبعدون ومُهمّشون، ويحظون باهتمام خاصّ لدى الربّ. ولذا فإن الله يطلب من الإسرائيليين أن يولوا اهتمامًا خاصًا بهم.

يحذّر الربّ الشعب، في سفر الخروج، من إساءة معاملة الأرامل والأيتام بأي شكل من الأشكال، لأنه يسمع صراخهم (را. 22، 23). ويتكرّر التحذير نفسه مرّتين في سفر التثنية (را. 24، 17؛ 27، 19)، ويضيف النزلاء من بين الفئات المحميّة. أمّا السبب وراء هذا التحذير فيفسّره السفرُ بوضوح: إن إله إسرائيل هو “منصِف اليَتيم والأرمَلة ومُحِبُّ النَّزيل، يُعْطيه طَعامًا وكسوَةً” (10، 18). يظهر هذا الاهتمام المحبّ للأشخاص الأقل حظًا كسمة مميّزة لإله إسرائيل، ويُطلب أيضًا، كواجب أخلاقي، من جميع الذين يريدون الانتماء إلى شعبه.

ولذا فعلينا أن نولي اهتمامًا خاصًّا بالنزلاء، والأرامل والأيتام وجميع المُهملين في أيّامنا هذه. ويتكرّر العنوان “الأمر لا يتعلّق بالمهاجرين وحسب” كلازمة في رسالة اليوم العالمي المائة والخامس للمهاجرين واللاجئين هذا. وهذا صحيح: الأمر لا يتعلّق بالمهاجرين وحسب، بل بجميع سكّان الضواحي الوجودية الذين، مع المهاجرين واللاجئين، هم ضحايا ثقافة الإقصاء. إن الربّ يطلب منّا أن نعيش المحبّة تجاههم؛ يطلب منّا أن نعيد لهم إنسانيتهم، مع إنسانيتنا، دون إقصاء أي شخص، ودون ترك أي شخص خارجًا.

إلا أن الرب يطلب منّا، في نفس الوقت الذي نعيش فيه المحبّة، أن نفكّر في المظالم التي تولّد الإقصاء، ولا سيما في امتيازات قلّة من الناس، والتي يدفع الكثيرون ثمن المحافظة عليها. “إن عالم اليوم يزداد يوميًّا نخبويّة وقساوة تجاه المستبعدين -إنها حقيقة مؤلمة: فهذا العالم يزداد يوميًّا نخبويّة، وقساوة تجاه المستبعدين- ولا تزال البلدان النامية تستنفد أفضل مواردها الطبيعية والبشريّة لصالح عدد قليل من الأسواق المتمايزة. أمّا الحروب فلا تجتاح بعض مناطق العالم وحسب، ولكن الأسلحة التي تُستخدم يتمّ إنتاجها وبيعها في مناطق أخرى لا ترغب بعد ذلك في تحمّل مسؤوليّة اللاجئين القادمين من هذه الصراعات. والذين يدفعون الثمن هم دائمًا الصغار، والفقراء، والأضعف، الذين يُمنعون من الجلوس على الطاولة ويترك لهم فتات الولائم” (رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين).

بهذا المعنى، يجب فهم كلمات النبي عاموس القاسية، التي سمعناها في القراءة الأولى (6، 1. 4- 7). الوَيل، الويل لِلمُطمَئِنِّينَ والآمِنين في صِهْيون الذين لا يكترثون لهلاك شعب الله، مع أنه يحدث تحت نظر الجميع. فهم لا يدرون بانهيار إسرائيل، لأنهم مشغولون للغاية بضمان عيشهم المرفّه والطعام الشهي والمشروبات المكرّرة. من لافت النظر، كيف أن هذه التحذيرات لازالت تحافظ على أهمّيتها بعد 28 قرنًا. فاليوم أيضًا، في الواقع، “ثقافة الرفاه […] تقودنا إلى التفكير في أنفسنا، وتجعلنا غير مكترثين بصرخات الآخرين، […] وتقود إلى اللامبالاة تجاه الآخرين، لا بل إنها تؤدي إلى عولمة اللامبالاة” (عظة قداسة البابا في لامبيدوزا، 8 يوليو/تمّوز 2013).

وفي النهاية، إننا معرّضون لأن نصبح نحن أيضًا مثل ذلك الرجل الغني الذي يحدّثنا عنه الإنجيل، والذي لا يهتمّ بلعازار المسكين وقد “غطَّتِ القُروحُ جِسْمَه. وكانَ يَشتَهِي أَن يَشبَعَ مِن فُتاتِ المائِدَة” (لو 16، 20- 21). فالرجل الغني في المثل لا يرى معاناة لعازار، بل كان مشغولًا للغاية في شراء ملابس أنيقة وتنظيم الولائم الفخمة. ونحن أيضًا، قد نتغاضى عن إخوتنا وأخواتنا الذين يجتازون المحن، لأننا مشغولون جدًّا بالحفاظ على رفاهنا.

لكن كمسيحيّين لا يمكننا أن نكون غير مبالين بمأساة الفقر بأشكاله القديمة والجديدة، وبأحلك أنواع العزلة، وباحتقار الذين لا ينتمون إلى “جماعتنا” وتمييزهم. لا نستطيع التغاضي عن بؤس الكثير من الأبرياء وقلبنا مخدّر. لا يمكننا عدم البكاء. لا يمكننا عدم التفاعل. نطلب من الربّ نعمة البكاء، ذاك البكاء الذي يغيّر القلب إزاء هذه الخطايا.

إذا كنّا نريد أن نكون رجال ونساء الله، كما يطلب القدّيس بولس من طيموتاوس، يجب “أَن نَحفَظَ هذه الوَصِيَّةَ ونحن أبَرياءٌ مِنَ العَيبِ واللَّوم” (را. 1 طيم 6، 14)؛ والوصيّة هي محبّة الله ومحبّة القريب. لا يمكن فصلهما! ومحبّة القريب كالذات تعني أيضًا الالتزام الجاد ببناء عالم أكثر عدلًا، حيث يستطيع كلّ فرد الحصول على خيرات الأرض، وحيث يمكن لكلّ شخص أن يحقّق ذاته كفرد وكأسرات، وحيث تُضمن جميع الحقوق الأساسيّة وتُضمَن الكرامة.

إن محبّة القريب تعني التعاطف مع معاناة الإخوة والأخوات، والتقرّب منهم، ولمس جروحهم، ومشاركة قصصهم، كي نظهر حنان الله بشكل ملموس تجاههم. يعني التقرّب من جميع “المارّين” الذين تعرّضوا للضرب وتُرِكوا على طرق العالم، كي نضمّد جروحهم، وننقلّهم إلى أقرب مكان يضيفهم، وحيث يمكن توفير احتياجاتهم.

لقد أعطى الله هذه الوصيّة المقدّسة لشعبه، وختمها بدماء ابنه يسوع، كي يكون مصدر بركة للبشريّة جمعاء. كي نلتزم معًا في بناء الأسرة البشريّة وفقًا للتدبير الأصليّ، التي كُشِفَ لنا بيسوع المسيح: جميعنا إخوة، أبناء الآب الأوحد.

إننا اليوم بحاجة إلى أمّ، ونعهد بالمهاجرين واللاجئين وبسكّان ضواحي العالم، مع الذين صاروا لهم رفاق الدرب، إلى حبّ مريم الوالديّ، سيّدة الطريق، سيدة الكثير من الطرق المؤلمة.

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019

 

Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير