Synode pour l'Amazonie @ sinodoamazonico.va

البابا: لم يأتِ يسوع ليعطينا نسيم المساء، بل ليشعل نارًا على الأرض

عظة البابا في القداس الإلهي بمناسبة افتتاح سينودس الأساقفة لمنطقة الأمازون

Share this Entry

إن بولس الرسول، أعظم إرساليّ في تاريخ الكنيسة، يساعدنا على العمل “بروح سينودية”، وعلى “السير معًا”: فما كتبه لطيموتاوس يبدو وكأنه موجّه لنا، نحن الرعاة في خدمة شعب الله.

يقول أوّلًا: “لِذلِك أُنَبِّهُكَ على أَن تُذَكِّيَ هِبَةَ اللهِ الَّتي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ” (2 طيم 1، 6). إننا أساقفة لأننا نلنا هبة من الله. لم نوقّع على اتّفاق، ولم نستلم بأيدينا عقد عمل، بل نلنا وضع الأيدي على رأسنا، كي نكون بدورنا أياد مرفوعة تتوسّط لدى الربّ وأياد ممدودة للإخوة. لقد نلنا هبة كي نكون هبة. لا يمكن شراء الهبة، أو تبادلها أو بيعها: إنما ننالها أو نمنحها. وإذا استملكناها، إذا وضعنا أنفسنا في المحور بدل الهبة، نتحوّل من رعاة إلى موظّفين: نجعل الهبة وظيفة، وتضمحلّ المجّانية، وينتهي بنا المطاف بالتالي في خدمة أنفسنا واستخدام الكنيسة. لكن حياتنا، بفعل الهبة التي نلناها، هي للخدمة. ويذكّرنا به الإنجيل، الذي يتحدّث عن “خَدَم لا منفعةَ فيهِم” (لو 17، 10): وهذا تعبير يمكن أن يعني أيضًا “خدم دون منفعة”. أي أننا لا نعمل بهدف الوصول إلى منفعة، منفعة لنا، إنما لأننا نلنا مجّانًا، ومجّانًا نعطي (را. متى 10، 8). فسوف يكون فرحنا في الخدمة، لأن الله قد خدمنا، هو الذي صار خادمًا لنا. أيها الإخوة الأعزّاء، فلنشعر بأننا مدعوّون هنا للعمل واضعين هبة الله في المحور.

كي نكون أمناء لدعوتنا هذه، لرسالتنا، يذكّرنا القدّيس بولس بضرورة تذكية الهبة. إن الفعل الذي يستخدمه هو رائع: فالتذكية تعني حرفيًا، في اللغة الأصلية، “إشعال النار” [anazopurein]. الهبة التي نلناها هي نار، هي محبّة حارّة لله وللإخوة. النار لا تُطعِم ذاتها، فهي تموت إن لم توقَد، وتنطفئ إن غطّيَت بالرماد. إذا بقي كلّ شيء على ما هو عليه، وإذا كان ما نردّده طيلة النهار هو “لطالما صنعنا هذا”، فسوف تضمحلّ الهبة، ويخنقها رماد المخاوف والقلق من أجل الحِفاظ على الوضع الراهن. لكن “لا تستطيع الكنيسة بأيّ شكل أن تكتفي برعوية الصيانة لصالح من باتوا يعرفون إنجيل المسيح. فالاندفاع الإرسالي هو علامة واضحة لنضوج جماعة كنسيّة” (بندكتوس السادس عشر، الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس كلمة الربّ، 95). لأن الكنيسة هي في مسيرة دائمة، في انطلاق دائم، ولا تنغلق أبدًا على ذاتها. لم يأت يسوع ليعطينا نسيم المساء، بل ليشعل نارًا على الأرض.

النار التي تذكّي الهبة هي الروح القدس، مانح المواهب. لذلك يتابع القدّيس بولس: “إِحفَظِ الوَديعةَ الكَريمةَ بِالرُّوحِ القُدُسِ الَّذي يُقيمُ فينا” (2 طيم 1، 14). ومرّة أخرى: “إِنَّ اللهَ لم يُعطِنا رُوحَ الخَوف، بل رُوحَ القُوَّةِ والمَحبَّةِ والفِطنَة” (آية 7). لا روح الخوف، بل روح الفطنة. قد يعتقد البعض أن الفطنة هي فضيلةٌ تلعب دور “الجمارك”، توقف كلّ شيء كي تمنع الخطأ. كلّا، الفطنة هي فضيلة مسيحيّة، هي فضيلة حياة، لا بل هي فضيلة الإدارة. وقد أعطانا الله روح الفطنة هذه. يضع بولس الفطنة محلّ الخوف. ما هي إذًا فطنة الروح هذه؟ كما يعلّمنا التعليم المسيحي، فإن الفطنة تتميّز عن “الخجل أو الخوف”، لكنّها “الفضيلة التي تهيّئ العقل لتمييز خيرنا الحقيقي في كلّ ظرف ولاختيار الوسائل القويمة لإتمامه” (عدد 1806). الفطنة ليست تردّدًا، فهي ليست موقفًا دفاعيًا. إنها فضيلة الراعي الذي يعرف كيف يميّز وهو منفتحٌ على حداثة الروح، كي يخدم بحكمة. تكون بالتالي تذكية الهبة بنار الروح هي عكس ترك الأمور تسير دون فعل أيّ شيء. وأن نكون أمناء لحداثة الروح هي نعمة يجب أن نطلبها في الصلاة. وليمنحنا، هو الذي يصنع كلّ شيء جديد، فطنة جريئة، ويلهم السيندوس في تجديد المسارات من أجل الكنيسة في الأمازون، حتى لا تنطفئ نار الرسالة.

إن نار الله، كما في حدث العلّيقة المشتعلة، تشتعل ولكنها لا تَحرِق (را. خر 3، 2). إنها نار محبّةٍ تنير، وتدفئ وتحيي، وليست نارًا تضرم وتلتهم. عندما تلتهم الشعوب والثقافات بعضها البعض دون محبّة واحترام، فهي ليست نار الله، بل نار العالم. وكم من مرّة لم تُقَدّمُ هبة الله ولكنها فُرِضَت؛ كم من مرّة تمّ الاستعمار بدلاً من حمل البشارة! حَفِظَنا الله من جشع الاستعمار الجديد. أمّا النار التي أشعلتها المصالح التي تدمّر، على غرار النار الذي دمّر الأمازون مؤخرًّا، فليست نار الإنجيل. نار الله هي الدفء الذي يجذب ويجمع في الوحدة، تذكّيها المشاركة، لا الأرباح. أمّا النار الملتهبة، من ناحية أخرى، تندلع عندما تكون الغاية هي الاستمرار في الأفكار الخاصّة، وتكوين مجموعات خاصّة، وحرق التنوّع كي يصبح الجميع وكلّ شيء متشابه.

تجديد الهبة؛ قبول فطنة الروح الجريئة، بأمانة لحداثته؛ يوجّه القدّيس بولس إرشادًا أخيرًا: “لا تَستَحْيِ بِالشَّهادة لِرَبِّنا ولا تَستَحْيِ بي أَنا سَجينُه، بل شارِكنْي في المَشَقَّاتِ في سَبيلِ البِشارة، وأَنتَ مُتَّكِلٌ على قُدرَةِ اللهِ” (2 طيم 1، 8). يطلب أن نشهد للإنجيل، وأن نعاني من أجل الإنجيل، أي باختصار، أن نعيش من أجل الإنجيل. البشارة بالإنجيل هي المعيار الرئيسي لحياة الكنيسة: هي رسالتها، وهويّتها. كتب بولس بعد ذلك بفترة وجيزة: “هاءَنَذا أُقَدَّمُ قُرْبانًا لِلرَّبّ” (4، 6). البشارة بالإنجيل تعني عيش التقدمة، تعني الشهادة حتى النهاية، تعني أن نكون كلّ شيء للجميع (را. 1 قور 9، 22)، تعني المحبّة حتى الاستشهاد. أشكر الله، لأن بعض الإخوة من مجلس الكرادلة قد شهدوا حتى موت، وقد اختبروا في الحياة، صليبَ الاستشهاد. يؤكّد الرسول في الواقع، أننا نخدم الإنجيل، لا بقوّة العالم، بل بقوّة الله وحسب: ثابتين على المحبّة المتواضعة، ومؤمنين أن الطريقة الوحيدة لربح الحياة حقًّا هي خسارتها في سبيل المحبّة.

أيّها الإخوة الأعزّاء، لنرفع نظرنا نحو يسوع المصلوب، نحو قلبه المطعون من أجلنا. لنبدأ من قلبه، فمِن قلبه خرجت الهبة التي وهبتنا الحياة؛ من قلبه سُكِبَ الروحُ الذي يجدّد (را. يو 19، 30). من قلبه، لنشعر بأننا مدعوّون، جميعًا وكلّ فرد، إلى وهب حياتنا. يحمل الكثير من الإخوة والأخوات في الأمازون صلبان ثقيلة وينتظرون تعزية الإنجيل المُحرّرة، وعناق محبّة الكنيسة. لقد بذل العديد من الإخوة والأخوات في الأمازون حياتهم. واسمحوا لي أن أكرّر كلمات الكاردينال هميس العزيز: عندما وصل إلى مدن الأمازون الصغيرة، ذهب إلى المدافن للبحث عن قبر المُرسَليّن. وهي لفتة من الكنيسة تجاه الذين بذلوا حياتهم في الأمازون. وبعد ذلك، مع القليل من الحذاقة، قال للبابا: “لا تنسى هؤلاء، يستحقّون إعلان قداستهم”. من أجلهم، من أجل الذين يبذلون حياتهم الآن، ومن أجل الذين بذلوا حياتهم، ومعهم، نسير معًا.

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019

 

Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير