“فهذا الرَّجُلُ أَداةٌ اختَرتُها” (أع 5، 35).
شاول، من مضطهِد إلى مبشِر بالإنجيل
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
انطلاقًا من حادث رجم اسطفانوس، تظهر، بجانب بطرس، شخصية هي الأكثر حضورًا وتأثيرًا في سفر أعمال الرسل: “شابّ يُدْعى شاول” (أع 7، 58). في البداية يُوصف كشخص يوافق على موت اسطفانوس ويرغب في تدمير الكنيسة (را. أع 8، 3)؛ ولكن بعد ذلك سيصبح الأداة التي اختارها الله لإعلان الإنجيل للأمم (را. أع 9، 15؛ 22، 21؛ 26، 17).
يطارد شاول المسيحيين ويأسرهم، بإذن من رئيس الكهنة. وأنتم تأتون من بعض الشعوب التي اضطهدتها الدكتاتوريات، وتعرفون جيّدًا ماذا يعني تعقّب الأشخاص وأسرهم. هذا ما كان يفعله شاول. وكان يقوم بهذا ظنًا منه بأنه هكذا يخدم شريعة الرب. يقول لوقا إن شاول كان «يَنفُثُ» “تَهديدًا وتَقتيلاً لِتَلاميذِ الرَّبّ” (أع 9، 1): كانت فيه نفخة الموت، لا الحياة.
يتم وصف الشاب شاول على أنه متصلب، أي شخص يُظهر تشددًا تجاه أولئك الذين يفكرون بطريقة مختلفة عنه، ويرى هويته السياسية أو الدينية أمرًا مطلقًا لدرجة اعتبار الآخر عدوًا محتملا للقتال. صاحب أيديولوجية. فالدين عند شاول، كان قد تحوّل إلى أيديولوجية: أيديولوجية دينية، أيديولوجية اجتماعية، أيديولوجية سياسية. فقط بعدما غيِّره المسيح، حينئذ بدأ يُعلِم أن المعركة الحقيقية “لَيسَ صِراعُنا مع اللَّحمَ والدَّم، بل مع […] ووُلاةِ هذا العالَم، عالَمِ الظُّلُمات، والأَرواحِ الخَبيثةِ” (أف 6، 12). سوف يُعلِّم أنه لا ينبغي الصراع ضد الناس، بل ضد الشر الذي يلهم أفعالهم.
إن حالة شاول الحانقة –لأن شاول كان حانقًا- والمتضاربة تدعو كل منَّا إلى أن يسأل نفسه: كيف أعيش حياتي بالإيمان؟ هل أذهب للقاء الآخرين أم أكون ضد الآخرين؟ هل أنتمي إلى الكنيسة (الأخيار والأشرار، الجميع) أم أنا صاحب أيديولوجية انتقائية؟ هل أعبد الله أم أعبد صيغًا لاهوتية؟ كيف هي حياتي الدينية؟ هل الإيمان بالله الذي اعترف به يجعلني ودودًا أم عدائيًا تجاه أولئك الذين يختلفون عني.
يقول لوقا إنه بينما كان شاول عازمًا على استئصال الجماعة المسيحية، كان الرب يتتبع آثاره ليلمس قلبه ويحوله إليه. هذا أسلوب الربّ: يلمس القلب. فيأخذ القائم مِن بين الأموات بزمام المبادرة ويتجلى لشاول على الطريق إلى دمشق، وهو حدث رواه سفر أعمال الرسل ثلاث مرات (را. أع 9، 3-19؛ 22، 3-21؛ 26، 4-23). من خلال ثنائية “النور” و”الصوت”، المتطابقة مع الظهور، يتجلى القائم من بين الأموات لـ “شاول” ويطلب منه حساب عن غيظه على أشقائه: “شاوُل، شاوُل، لِماذا تَضطَهِدُني؟” (أع 9، 4). هنا “القائم من بين الأموات” يوضح أنه مع أولئك الذين يؤمنون به: إن إيذاء عضو في الكنيسة هو إيذاء للمسيح نفسه! كذلك أصحاب الأيديولوجيات الذين يسعون إلى “تنقية” الكنيسة –بين هلالين- فهم يسيئون إلى المسيح.
يقول صوت يسوع لشاول: “قُمْ فادخُلِ المَدينة، فيُقالَ لَكَ ما يَجِبُ علَيكَ أَن تَفعَلِ” (أع 9، 6). ولكن بمجرد أن نهض، لم يعد شاول يرى شيئًا، أصبح ضريرًا، ومن رجل قوي وموثوق ومستقل يصير ضعيفًا ومحتاجًا ويعتمد على الآخرين، لأنه لا يرى. لقد أبهره نور المسيح وأعمه: “هكذا يظهر خارجيًا أيضًا ما كان واقعه الداخلي، عماه أمام الحقيقة، وأمام النور الذي هو المسيح” (بنديكتوس السادس عشر، لقاء الأربعاء العام، 3 سبتمبر / أيلول 2008).
من هذا اللقاء “وجهًا إلى وجه” بين شاول والـقائم من بين الأموات يبدأ التحول الذي يُظهر “فصح شاول الشخصي”، وانتقاله من الموت إلى الحياة: فما كان من قبل مجدًا صار “قمامة” يتم رفضه لاقتناء الغنى الحقيقي أي المسيح والحياة فيه (را. فل 3، 7-8).
نال بولس المعمودية. تُمَثِّل المعمودية بالنسبة لشاول، كما هو الحال بالنسبة لكل واحد منا، بدايةٌ لحياة جديدة، مصحوبة بنظرة جديدة لله، ولنفسه وللآخرين، والذين كانوا أعداءه أصبحوا إخوة في المسيح.
لنطلب من الآب أن يسمح لنا أيضًا، مثل شاول، بأن نختبر تأثير حبه فينا الذي هو وحده قادر أن يحوِّل قلبنا الحجري إلى قلب من اللحم (را. خر 11، 15)، قلب قادر على امتلاك نفس “الشُّعورَ الَّذي هو أَيضًا في المَسيحِ يَسوع” (فل 2، 5).
* * * * * *
قراءة من سفر أعمال الرسل (9، 3 – 6):
«وبَينَما [شاول] هو سائِرٌ، وقَدِ اقتَرَبَ مِن دِمَشق، إِذا نورٌ مِنَ السَّماءِ قد سَطَعَ حولَه، فسَقَطَ إِلى الأَرض، وسَمِعَ صَوتًا يَقولُ له: “شاوُل ، شاوُل، لِماذا تَضطَهِدُني؟” فقال: “مَن أَنتَ يا ربّ؟” قال: “أَنا يسوعُ الَّذي أَنتَ تَضطَهِدُه. ولكِن قُمْ فادخُلِ المَدينة، فيُقالَ لَكَ ما يَجِبُ علَيكَ أَن تَفعَلِ”».
كلام الربّ
* * * * * * *
Speaker:
في تعاليمه حول “المسيرة” الإنجيلية التي يرويها سفر أعمال الرسل، تكلم البابا اليوم عن شاول، الشخصية الأكثر حضورا وتأثيرا في سفر أعمال الرسل، بجانب بطرس، والذي يتحول من شخص يريد تدمير الكنيسة إلى الأداة التي اختارها الله لإعلان الإنجيل للأمم. وأوضح البابا كيف أن القائم من بين الأموات أخذ بزمام المبادرة وتجلى لشاول على طريق دمشق، وقال له: “شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟” مؤكدا هكذا على أن من يؤذي عضوا في الكنيسة يؤذي المسيح نفسه. ومن هذا اللقاء يبدأ “فصح شاول الشخصي”، وانتقاله من الموت إلى الحياة، واعتبار كل شيء “قمامة” ليربح الغنى الحقيقي أي المسيح والحياة فيه. هكذا ينال شاول المعمودية، وينبض قلبه بحب جديد، ويبدأ على الفور بالتبشير بالمسيح. إن حماس المضطهد المتصلب يتحول إلى حماس المبشر الرحيم، الذي ينشر نار إنجيل المسيح، ويضرم الإيمان في قلوب كثيرة. واختتم البابا طالبا من الله الآب أن يسمح لنا، على مثال شاول، بأن نختبر قوة اللقاء بحبه القادر على تبديل قلبنا الحجري إلى قلب من اللحم يمتلك نفس مشاعر المسيح يسوع.
* * * * * *
Speaker:
أرحب بالحاضرين الناطقين باللغة العربية، وخاصة بالقادمين من لبنان، ومن الأراضي المقدسة، ومن الشرق الأوسط. إن التحول من شاول إلى بولس، من المضطهد إلى رسول الخبر السار، يعلمنا أن اللقاء مع القائم من بين الأموات يتوب القلب. لقد غمر نور المسيح وجود بولس وأضاءه، ووجه حماسه لخدمة الله والشريعة نحو خدمة الآخرين وكلمة الله. لنطلب من الرب القائم من بين الأموات أن ينير ويحول جميع الأشخاص الذين ما زالوا اليوم يضطهدون المؤمنين، معتقدين أنهم بهذا يتممون مشيئة إلههم. ليبارككم الرب جميعًا ويحرسكم دائمًا من الشرير!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019
© Copyright – Libreria Editrice Vaticana