“إنّ الله خلق كلّ شيء لنا نحن البشر، وخلق قلبنا له وحده…. وهكذا كلّ شيء يعود إليه تعالى… فهو بخلقه لنا، جعلنا أن نكون خاصّته. “
أبونا يعقوب الكبّوشي…
وهل أجمل من أن تكون قلوبنا لله….؟ يا لها من هديّة سماويّة منحت لنا…
صوفيّة كبرى عاشها الطّوباويّ… أحبّ الحبيب، وهام بعشقه.. أحبّ شعاع صليبه المقدّس .. أحبّ مجد قيامته…
وحده حبّ الرّبّ… هزّ حنايا الكبّوشيّ، ففاضت مسيرته الرّهبانيّة ينابيع خير، وبذلٍ، وعطاء…
اعتبر أنّ الله هو الخير السّامي غير المحدود، لذلك كان حبّه له دون حدود. دعانا إلى محبّة يسوع فوق محبّتنا أهلنا، وخيراتنا…. وهذا النّوع من الحبّ يدعى الحبّ الأفضليّ، وهو اعتبار قويّ، به نتمسّك بالله أكثر من تمسّكنا بأيّ شيْء آخر. أي أن نكون مستعدّين لخسارة كلّ شيء ما عدا خسارة محبّة الله.
لطالما ردّد:” إنّ حبّك يا إلهيّ هو نظير الزّيت: يجب أن يطفو، ويعلو على وجه جميع الأشياء. هكذا أيّها الإنسان، أطرد كلّ شيء يحاول طرد محبّة اللّه منك …”
لأنّ الرّبّ يحبّنا، زوّدَنا بنعم كثيرة، منحنا الأهل، والأقارب، والأولاد، والصّحّة، منحنا الفهم، والحكمة… منحنا الكثير الكثير… لنجعل تلك النّعم، والخيرات سلّمًا يقودنا إليه… يعني أن نحبّ ما لدينا من أجل الله… أن نكرّس كلّ ما لدينا لله… أن نكون كلّنا له…. وهذا ما عبّر عنه القدّيس فرنسيس حين صرخ “إلهي وكلّي”
لأجل ذاك الكثير الّذي نحبّك من خلاله يا ربّ، بتنا أقوياء… نحن أقوياء لأنّك أردتنا هكذا…. أردتنا صخرةً تبني عليها عنايتك مشاريع خلاصيّة…
أردتنا سيفًا لا يلويه القهر، أو العذاب…
أردتنا بيادرَ من الخير، نبذر فيها الخدمة، والتّفاني، لنحصد السّلام، والفرح…
أردتنا كلمةَ صارخة تهتف باسم الحقّ…
لأنّك تملك يا ربّ على قلوبنا، وحياتنا… سنحيا الحبّ، والفرح، والسّلام…. لن نجعل عناكب الكبرياء، والحقد تعشّش في زوايا أفئدتنا، لن نترك الخوق يكبّل أحلامنا ….
لأنّنا لك يا ربّ…. لأنّك نفخت نفَسَك فينا… نحن نتنفسّك، نحن متّحدين بك… نحن نحيا….
سنهبك كلّ ما لنا، سنمجّد اسمك من خلال محطّاتنا اليوميّة، من خلال دمعنا، وألمنا وابتساماتنا….
وحدك القائد، والملك … وحدك الحبيب… حبّك صادق، حبٌّ موثوق به، مشترك ومتبادل : تبكي معنا إن بكينا، وتفرح إن فرحنا.
أنرنا يا ربّ بروحك القدّوس، وزوّدنا بالإيمان، لنحبّك فوق كلّ شيء…. أنت الصّالح والمستحقٌّ كلّ محبّة… إنّت كمال الحبّ.
ساعدنا كي نسمحَ لمحبّتك، أن تطفو على وجه كلّ محبّة…
ساعدنا كي نطردَ كلّ ما يطرد محبّتك من حياتنا…
“امنحني أن أجثو بجسمي أمامك وأسمو بقلبي إليك… وأن أزدري ما يزول، ولا أسكن إلّا إليك” “القدّيس توما الأكويني”
ساعدنا كي نعيش نعمة التّخلّي، والتّجرّد، فنتمتّع عندها، بخفّةٍ كبرى ترفعنا إلى أرجاء السّماء…بخفّة كبرى ترفعنا إلى البلوغ إليك….