CC0- Pixabay creative commons

هل الحياة الروحية طاقاتٌ كونية وذبذباتٌ إيجابية؟؟

الحياة الروحية الحقّة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

هل الحياة الروحية طاقاتٌ كونية وذبذباتٌ إيجابية؟؟

Is the spiritual life about universal energies and positive vibes?

تصادفُنا مقولاتٌ، وما أكثرها هذه الأيّام، على مواقع التواصل الإجتماعي أو على الإنترنت، أو نقرؤها في كتب تحفيزية للتنمية البشرية، تتكلّم عن طاقاتٍ حيوية نجذبها إلى حياتنا لنحقّق كلّ أحلامنا ورغباتنا، بترداد كلماتٍ أو بواسطة التأمّل أو التصوّر والإيحاء والتنويم الذاتي وما شابهها. كثُرت هذه الإدّعاءات لدرجة أصبح بعضُ المؤمنين، العلمانيين منهم والمكرّسين، يصدّقونها ويتاثّرون بها ويعتبرونها جزءاً أساسيًا من حياتهم الروحية وضرورةً لنموّهم الروحي.

لا شكّ أنّ هذا الأمر قد أدخل التباساً كبيراً في الإيمان المسيحي وقد سبق وحذّر منه البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني فقال: “إنّه لمن الخطر قبول أفكارٍ رجراجة تزعم القُدسية، وتقدّم الله على أنّه “طاقة كونية” أو بأيّ طريقة أخرى لا تتوافق والتعليم الكاثوليكي. فلا تستسلموا لأوهام باطلة وتقليعاتٍ عابرة، غالباً ما تخلّف وراءها فراغاً روحيّاً مأساويّاً” (خطاب في اليوم العالمي العشرون للشبيبة في كولونيا، 2005).

الحياة في المسيح

الحياة الروحية الحقّة هي حياةٌ كيانية صميمية مُعاشة بنعمة ربّنا يسوع المسيح ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس. هي ليست مجرّد منهاجٍ نظاميّ مركّب أو مسارٍ ميكانيكي بيولوجي خارجي.

الحياة الروحية المسيحية الحقّة هي بنعمة الله، منذ الآن، حياةُ تماسٍ مع المجد الإلهي وحياة معاشة في شركة الطبيعة الإلهية (2بط1/ 4).

هي ليست مجرّد حالاتٍ من التناغم الكوني أو مجرّد ظواهر فائقة للطبيعة، أو إنخطافات أو عواطف وأحاسيس أو حالاتٍ من النشوة الروحية الذاتية Enstase كتلك التي تحصل في جلسات التنويم والتأمّل “النيرفاني” نتيجةً لتفتّح مراكز الطاقة “الشاكرات” Chakras.

فحالات الحبّ والسلام والفرح الخ… ليست نتيجة تناغم طاقات كونية مادية وبشكل تقني خارجي ملموس ومدروس، يمكنك ضبطه والتحكّم به أو توجيهه وتسخيره من أجل تحقيق أهدافك وإشباع ميولك ورغباتك. كذلك حالات الكراهية والعنف والقلق الخ ليست نتيجة عدم تناغم الطاقات الكونية وهي ليست طاقات سلبية أو ذبذبات سلبية قد جذبتها إليك بطريقة تفكيرك. في الحقيقة لا وجود علمياً لمثل هذه الطاقات المسمّاة طاقات حيوية كونية.

إذاً الحياة الروحية الحقّة ليست حالةً من “السكون اليوغي” الناجمة عن مستويات معدّلة للوعي Etats de conscience modifiés، كتلك التي يختبرها اليوغيون في التأمّل ومن خلال تناول بعض المهلوسات، فينتج عنها إفرازٌ في الدماغ للناقلات العصبية Neuro transmetteurs  (مثل السيروتونين والدوبامين) التي تعطي شعوراً بالنشوة الذاتية والسلام الزائف والوقتي.

وهي ليست أيضاً تلك الحالة الناجمة عن مفاهيم خاطئة للصلاة. فالصلاة المسيحية ليست تمتمة كلمات أو خلطات منها، كما في الطلاسم والحجابات والوصفات السحرية. ليس هناك آيات كتابية متى حفظتها وردّدتها على لسانك جذبْتَ إليك الذبذبات الإيجابية وتضافرت كلّ التردّدات والطاقات الكونية لتحقّق لك أمنياتك. أنت لست مغناطيسا” عملاقا” أو لاقطا” هوائيا” يلتقط موجات سلبية أو إيجابية!

إذا كان الكون وكلّ ما فيه، في “فيزياء الكوانتا” Quantum Physics ، شبكةً عملاقة يتواصل كلّ شيء فيها بكلّ شيء ويؤثّر كلّ شيء فيها بكلّ شيء، فهذا بالمبدأ يمكن أن يطبّق على مستوى الكوانتا، أيّ الجزيئيات الفائقة الصغر وعلى المستوى الفيزيائي أيّ المادي، ولم يثبت العلم إمكانية تطبيقه على مستويات أخرى نفسية أو روحية كما يدّعي روّاد تيّار “العصر الجديد”. هذا أمرٌ رائج عندهم، أن يستعملوا النظريات العلمية لإثبات فرضياتهم الخيالية أو أن يستعملوا علوماً كاذبة أو شبه علوم، ليضلّلوا أتباعهم. حتّى أنّ بعضهم يتجرّأ  فيخلط العلم بالماورائيات، والفلسفة بالخفائيات وعلم النفس بروحانيات الشرق الأقصى.

الصلاة حوار حبّ مع من نحبّ

باختصار، الصلاة المسيحية ليست عملية إطلاق ذبذبات أو التقاط ذبذبات إيجابية. هي أوّلاً وآخراً صلاة ثالوثية خريستولوجية، أي جوهرها الله الثالوث والربّ يسوع المسيح له المجد.

الصلاة “حوارُ حبّ مع من نحبّ” كما تقول القديسة تريزا الأفيلية. هي حوارٌ مع الآب، في المسيح، بالروح القدس. هي صلاةٌ “غيْرية” لا ذوبان فيها، يتسامر فيها “الأنا” الإنسان مع “الأنت” الله.

هي صلاة توبة يومية، باليقظة، بالطاعة للوصية الإلهية، ب”الإيمان العامل بالمحبة”، الإيمان بابن الله الذي تجسّد وصُلب وتألّم وقبر وقام، ليخلّصنا. هي علاقة حبّ تتخطى بها عدميتك ومحدوديتك وعجزك. بها تدخل خدره الملوكي المزيّن، لتكون لكَ في عشرته الإلهية نِعمٌ وبركاتٌ فائقة الوصف والحياة الأبدية.

تؤمن به فتأمن. تسلّمه حياتك فتسلم.  يغسلُك من خطيئتك، يطهّرك ينقّيك إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، وبجراحاته يشفيك. فتتبارك حياتُك، تتبارك أعمالك وأفكارك، عائلتك، من هم حولك ومن هم في دائرة صلاتك إلى العالم أجمع.

لأنّ مشيئته قداستك! (١تس٤/ ٣)

 بهذه العلاقة تستنير طبيعتك المحدودة وتنتعش بحياة الروح. كما يقول الكتاب “تجري من جوفه أنهار من الماء الحي”. (يو٧/ ٣٨) بالروح القدس يتقدّس الجسد وتحيا الروح لتزهر أزاهير الفرح. نصير عائشين منذ “الآن” في فلك الله، في ملكوته.

يصف البابا بندكتس السادس عشر هذه الحياة المغبوطة  فيتكلّم عن “قُرب الله فينا” قائلاً: “أنّنا نحيا ونتحرّك في فلك الله الخالق أمرٌ واضح وبديهي، أقلّه أولاً في ما خصّ وجودنا البيولوجي. وتتحقّق هذه النظرية أكثر وأكثر كلّما غصنا في جوهر الله الخاص. فنقول ما يلي: حيثما يقوم أحد بأمر حسن لأخيه، هناك يكون وجود الله قريباً بشكل ملحوظ. وحينما ينفتح أحد على الله في الصلاة، حينذاك يدخل في حميمية خاصة مع الله… وحيثما يكون ما يعكس على أفضل وجه صورته ويجعله حاضراً، حيث يكون الحق والصلاح، هناك نكون في تواصل معه، مع الإله الكليّ الوجود، في علاقة مميزة… فحضور الله يتجلّى بطبيعة الحال بطريقة أقوى في الشخص الذي يكون الله حاضراً فيه بكلّ ما للكلمة من معنى منه في الإنسان الذي ابتعد كلياً عن الله.

فلنتأمّل في بشارة العذراء مريم على سبيل المثال: أراد الله أن تكون مريم هيكلاً له، هيكلاً حيّاً، وليس فقط أن يشغل أحشاءها بشكل ماديّ. ولكن في الواقع لا يصبح من الممكن لله أن يسكن فيها حقيقةً إلّا لأنها تقبل أن تنفتح عليه من الداخل؛ لأنها تطوّر كيانها الداخلي إلى أن تصير في انسجام وتناغم مع الله.”

(البابا بندكتس السادس عشر- تأمل اليوم السادس والعشرون من مارس- من كتاب “بندكتس”)

إذا” كلّ ما هو ملموس من حالات قد توصف بالإيجابية: سلام، فرح، محبة، وداعة الخ… هي نتيجة حياة تناغم وتواصل مع الله. هي ثمار الروح القدس في الإنسان- هيكل الروح القدس – أي بعمل من النعمة التي تتخطّى كلّ الإمكانيات البشرية والطبيعية، والطاقات الكونية المزعومة.

 هي ليست مجرّد تناغم ظاهري لطاقات كونية مادية يمكن ضبطها والتحكّم بها.

فالروح يهبّ حيث يشاء وكما يشاء بحسب المشيئة الإلهية وليس بحسب رغباتنا وغبّ الطلب .

وكل ما هو حسن ومرضي وكامل عنده هو للخير العام ولبنيان جسده أي الكنيسة.

لا ننسى أنّ في الحياة الروحية، الله هو المحور وفيه اكتمال التدابير وتمام الأزمنة. ما يتعارض بشدّة مع محورية الأنا في منظومة الطاقات والذبذبات والتردّدات الكونية التي يروّج لها تيّار العصر الجديد New Age .

لنحذر إذا” من أضاليل الطاقات المزيّفة والمهلكة ولندخل في يقين الإيمان، في دائرة الحبّ الإلهي المحيي، لنحيا وبوفرة!

يتمجّد اسم الرب! آمين!

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير