Pixabay CC0

من هم المرتزقة الجدد؟

حذارِ منهم في مجمع المعتقين

Share this Entry
نتأمل اليوم في استشهاد القديس اسطفانوس اول الشهداء ، فالذي دبّر له مكيدة قتله هو ما يعرف او ما يُسمى بمجمع المعتقين … (راجع اع ٦: ٩) هؤلاء هم يهود أسرهم الرومانيون لما فتحوا بلاد فلسطين، أرسلوهم إلى رومة سنة ٦٣ ق.م فبيعوا ثم اُعتقوا اي حُرّروا. هؤلاء هم مرتزقة الطائفة اليهودية التي تعمل وفق اجندة الدولة الرومانية، وهي فرق تشكّل خطرا داهما على المجتمعات ولكنها في الوقت عينه غير مجدية.
ما الذي يتميّز به المرتزقة؟
يتميز المرتزقة بانعدام الاخلاق، لا يجمعهم أي مبدأ ولا أي قيمة أو أعراف . غير مطيعين لاحد ، مفطونون على خيانة الاتفاقات والعهود، يمتهنون فنّ القاء الدسائس والاشاعات والتحريض وسط المجتمعات. تُظهر جماعات المرتزقة الشجاعة والتفوق امام الأصدقاء والحلفاء وتكون متخاذلة في آن معا، أي حين تحين “ساعة الجد” امام الاعداء، جماعة المرتزقة لا تخاف الله ولا ترعى ذمم الناس ولا حتى كراماتهم، وهي من تتولى اغتيال الأشخاص المقاومين للجهل والتخلّف والكذب والبهتان، والقديس اسطفانوس مثال على ذلك، هو الذي عمد إلى اعلان حقيقة يسوع الناصري امام جماعة اليوم، بأن المسيح هو المخلّص المنتظر الذي تجسّد وصار انسانا!!
تُعرف جماعة المرتزقة بالبخل وهي بعيدة كل البعد عن مبدأ التضحية بالأرواح في سبيل قضية ما. ترى أفراد جماعة المرتزقة، بانهم ذوو وجاهة فيالسلم ولكن عندما تحل ازمة ما، يتراجعون لان الجبانة تتملّكهم.
أسلوب المرتزقة
يتلطون خلف شعارات فضفاضة، لا تشبه سلوكياتهم ابدا القضية الحقة، بل هي نقيضها. صحيح أن بعض السلطات قد استفادت من وجود المرتزقة في تدعيم سلطتها المتضعضعة ولكن إلى حين، وهذا ما أدى إلى انهيار الإمبراطورية الرومانية، كما اتاح في القرون الوسطى لشارل الثامن ملك فرنسا احتلال ايطاليا بمنتهى السرعة، والتاريخ الماضي والمعاصر، يخبرنا عن انهزامات رهيبة بسبب لجوء الحكام إلى فرق المرتزقة، والمثال الشاخص امامنا اليوم أنظمة الشرق الأوسط المهترئة، أنظمة ديكتاتورية تدافع عن نفسها بفرق مرتزقة… وهذه الاخيرة تحاول السيطرة على مفاصل الحكم بطريقة غير مباشرة، تراهم يسيئون إلى كرامات الناس مخالفين القوانين، والشواهد كثيرة. وكل قوة عسكرية لا تكون تحت السلطة الحاكمة تجعل من السلطة ذاتها مطية بين يديها.
مرتزقة ثقافة الدمار
ان الاعتماد على المرتزقة في حل القضايا الجوهرية والاجتماعية السياسية والدينية، يتسبب بالدمار لأي بلد كان ولاي مؤسسة كانت، ولاسيما اذا استقدموا المرتزقة من اجل الدفاع عن قضية حزب حاكم أرعن شرس ظالم.. لقد شهد التاريخ على حكام اعتمدوا في سياساتهم على جنود المرتزقة، سلّموا امرهم للغريب على حساب كرامة القضية والوطن والإنسان، فكان حقن الدماء للاسف سيد الموقف… القديس الكاردينال اوسكار روميرو مثل على ذلك. تجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة قامت بإنشاء لجنة تقصي حقائق، في الجرائم المرتكبة في السلفادور، حيث كشفت عن أسماء المتورطين في اغتيال القديس روميرو، تحت اسم “فرقة الموت”. ولا ننسى المحاولات الفاشلة من قبل مرتزقة فرقة “الذئاب الرمادية” التي حاولت اغتيال البابا القديس يوحنا بولس الثاني سنة ١٩٨١، وغيرهم من الشهداء والابرياء وضحايا الحروب، الذين قتلوا بأبشع الميتات…
مرتزقة اليوم
اذا كان سبب استشهاد القديس اسطفانوس هو تحريض مباشر من جماعة المعتّقين وحلفائهم واستشهاد الكاردينال روميرو من قبل مرتزقة “فرقة الموت” التي كانت مدعومة من بعض ظباط الجيش، يشهد التاريخ الحالي بان التحريض على الكنيسة لم يتوقف بتاتا، لان وجود جماعات مرتزقة داخل الكنيسة كان السبب الأساس والرئيس لاضطهاد شعب الله ولا تزال هذه الجماعات تضطهد الكنيسة حتى يومنا هذا، تراهم يقتلون ويفتون بقتل المسيحيين، يستبيحون حرمات الكنائس والأديار ويهتكون الاعراض سواء في مصر وافريقيا وغيرها. مرتزقة اتوا من بلدان مختلفة انضمّوا الى جماعات تعرف بالجماعات الارهابية والتكفيرية ويعملون وفق أجندات استخباراتية خارجية.
التاريخ يشهد على المرتزقة
اذا كانت جماعات المرتزقة، سببا جوهريا في اضطهاد ابناء الله، وكانت ايضا السبب فيما بعد في انهيار اقوى الإمبراطوريات والامارات والدول التي استقدمتها من اجل اضطهاد الكنيسة، تكشف لنا المصادر التاريخية، ان المرتزقة لا يعتمدون على أي مبدأ أخلاقي، فهم لديهم أخلاقهم الخاصة المبينة على الغدر والطعن بالآخرين. شهدت الحرب اللبنانية في القرن المنصرم استقدام فرق من المرتزقة من الخارج، من اجل تحقيق خطة واضحة المعالم، فاعتمد هؤلاء استراتيجية التحريض ودس النميمة والتفرقة بين مكونات الوطن ولاسيما التفنن في قتل واغتيال الشخصيات اللبنانية النافذة والمؤثرة على الرأي العام، واحداث البلبلة والخوف في صفوف فئات الطوائف كافة، فقد تم استشهاد العديد من المواطنين الذين ذهبوا ضحية العنف والتشدد الطائفي، هؤلاء جميعهم كانوا شهداء الحقيقة في المحبة.
مرتزقة تضطهد الكنيسة؟
يشهد الاضطهاد  الممنهج ضد الكنيسة الخفي والظاهر، بروز ذهنية جديدة لاخلاقيات “جماعة المعتقين” التي لا تزال تعمل ليلا نهارا لتحجيم دور الكنيسة الفاعل في المجتمعات ولاسيما في لبنان، إذ نرى اتباع هذا النهج البائس يحاولون جادين تقويض وضرب حضور الكنيسة، عبر ممارسة فن الخداع وتشويه الصورة والافتراء على كرامة رجال الإكليروس، بغية اضعاف دورهم المبارك على صعيد المجتمعات وذلك لغاية في نفس يعقوب. ان امثال هؤلاء تلفظهم الحقيقة كما يلفظ البحر الاوساخ نحو الشاطئ، فالكنيسة لم يؤسسها بشر، بل هي عطية الله للبشرية جمعاء، فكل ما يمسّها يمسّ الرب، وما ارتداد القديس بولس الا خير مثال على ذلك.. لا ننسى ضحايا أبرياء نتيجة لهذه الذهنية المريضة، ولكن ابواب الجحيم لن تقوى على كنيسة الشهداء، وما الترويج لمقولات مشبوهة وخطيرة ومحاولة فرض أمر يناقض الميثاق والدستور والعقد الاجتماعي الذي سمعناه في رسالة الميلاد ٢٠١٨ و٢٠١٩ لغبطة البطريرك إلا محاولة من قبل الكنيسة بوجوب إيقاظ الضمائر على حب الوطن والانتماء إليه والتحرّر من ثقافة “المرتزقة” التي تجهد من اجل فرض سياسة الأمر الواقع بالترويج لمنطق مغاير ونقيض لمبدأ الدولة والكيان والجمهورية والقوانين، محاولة منها لتكريس ثقافة وحضارة وفكر ايديولوجيات غريبة تريد اخضاع المجتمع اللبناني عبر تقويض النظام الديموقراطي وشلّ عمل المؤسسات بالانقضاض الممنهج على كافة مرافق الدولة وإضعاف المحاسبة والشفافية، بهدف تحقيق حلم تحويل لبنان الرسالة (البابا يوحنا بولس الثاني) إلى حلم المرتزقة الواهم!!! تبقى شهادة القديس اسطفانوس ، معلمنا، قدوة لنا نحن أبناء هذا الوطن، في عيش المحبة في الحقيقة عبر الانتماء الفاعل إلى واقعنا الحسّي، بترسيخ حضارة الإنجيل قولا وفعلا وممارسة.
خاتمة
ان الحقيقة في المحبة هي القادرة ان تمنح المجتمعات اللبنانية قوة في بث روح التكافل والتضامن، هي كالنور الذي يشرق في الظلمات، والملح الذي يطيّب الطعام، وباقصاء المحبة في الحقيقة، ينحدر المجتمع وتتفكك أواصر الودّ وتضعف إرادة فعل الخير. ان حضارة المحبة في الحقيقة لقادرة ان تقوي العزائم وتثبت السلطة على قاعدة الحقيقة والعدالة تحرّكها روح المحبة، فإذا اردنا ان ننتزع من الافئدة آفة عدم الانتماء إلى روح الحق، فعلينا ان نربي اولادنا على المحبة في الحقيقة، القادرة ان تحقق الانتصارات الكبيرة في خطوات ثابتة وراسخة تنتقل من جيل إلى جيل للذين يتّقون الرب (لو ١: ٥٠ ) .
Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير