وقع كتاب بين يدي للأخت (Patricia Helene Earl) بعنوان “Building the Builders” صدر هذا الكتاب عام 2006 وتتحدث فيه الكاتبة عن أهمية تنشئة الإيمان لتعميق الفضيلة، ومن هنا خطر لي اقتباس العنوان لطرح فكرتي من الكتابة.
أطلق سينيك(Simon Sinek) في كتابه “أبدأ بلماذا” Start with Why? نظرية أسماها “الدائرة الذهبية” “Golden Circle 2009” حيث يشير إلى أننا “نقول ما نفعلWhat ، وأحيانا نقول كيف نفعل ذلكHow، ولكننا نادراً ما نقول لماذا نفعل ما نفعلهWhy ، بينما يفكر ويعمل القادة الملهمون بشكل عكسي، من الداخل إلى الخارج فهم يبدأون بلماذا؟.Start with Whyيمكننا أن نطبق هذه النظرية في مدارس البطريركية اللاتينية التي احتفلت بالأردن بـ 150 سنة على تأسيسها وبدايتها السلط، وسبقتها مدارسنا في فلسطين.
- ماذا تعمل مدارس البطريركية منذ تأسيسها؟ (الجميع يعرف)
- كيف تعمل مدارس البطريركية منذ تاسيسها؟ (مجموعة تعلم)
- لماذا وجدت مدارس البطريركية (قلة من يعلم).
واليوم نطرح السؤال الجديد: ما المستقبل؟ وهل يوجد خطة في رسم الطريق إلى النجاح مع وجود العديد من المتغيرات في مختلف النواحي الأكاديمية والتربوية والاقتصادية والتكنولوجية والاتساع الالكتروني. هنا لا بد لنا أن نصغي إلى صوت قداسة البابا فرنسيس ودعوته إلى إعادة بناء الاتفاقية التربوية العالمية، وبناء قرية تربوية، حيث أكد أن “التربية تكون أكثر انفتاحاً وأكثر شمولية لإعداد أشخاص منفتحين ومسؤولين ومستعدين لإيجاد وقت للإصغاء والحوار والتفكير مع الآخرين وقادرين على نسج علاقات مع الأسرة، وبين الأجيال مع المجتمع المدني”.
بناء الأجيال والقادة لا يكون إلا من خلال إثراء مدارسنا والاغتناء من تجارب وأفكار وتحديات وخبرات قادة مدارسنا ممن ضحوا إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه. لا بد من بناء قادة جدد مترسخين ومتعمقين بفلسفة وسياسة مدارسنا التي وجدت عليها وتكيفها وتفعيلها بلغة اليوم، مستندين إلى تعليم الكنيسة الكاثوليكية. “ويتجلّى حضور الكنيسة في الحقل المدرسي بنوع خاص، بواسطة المدرسة الكاثوليكية التي تصبو مثل سائر المدارس إلى أهداف ثقافية، وإلى تنشئة الشباب تنشئة إنسانية، ومن اختصاصها أن تخلق للجماعة المدرسية جواً تحييه روح إنجيلية من الحرية والمحبة… (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، بيان في التربية الدينية، 8)
عندما نحبّ نعلن أنّ الله محبة ليس من خلال الإقناع ولا من خلال فرض الحقيقة أو الحثّ على الفرائض الدينية أو الأخلاقية، بل نبشرّ بالمسيح من خلال ملاقاة الناس وإيلاء أهمية لتاريخهم ومسيرتهم. (البابا فرنسيس)فالمدرسة المسيحية تهدف حقاً إلى تطوير الطالب بصورة متكاملة: أكاديمياً وجسدياً واجتماعياً وعاطفياً لكن علينا أن لا ننسى أيضاً أن جوهر رسالة مدارسنا يكمن في أهمية التربية الدينية والنمو الروحي وترجمته في بناء الذات والكنيسة والوطن،والانتقال به من التعليم إلى التنشئة وصولاً إلى المواطنة الصالحة.
هنالك قول مأثور “لا تستطيع ان تعطي ما لا تملك”، لذا علينا إعادة البحث عن ذواتنا ومراجعة جوهر رسالتنا التربوية والإيمانية، من خلال التحضير المهني، الأكاديمي والروحي والعمل على تنشئة الذات لكي نكون شهود أحياء أمام الآخرين لخدمة الله من خلال خدمة الإنسانية.
الآن لنجعل المدرسة المسيحية تقف أمام الذات للحظات ولتنطلق من جذور الرسالة ومن جذور التعليم المسيحي وهدفهُ ورسالتهُ، لتنطلق من كلام الله المميز عن بقية الكلام والتعاليم.
ولا ننسى أنّ الذي يميز المدرسة المسيحية عن الآخرين:
- الجذور الدينية التي تأسست عليها.
- الجو التربوي داخل المدرسة المسيحية.
- الاهتمام بالنمو الشخصي للطالب.
- العلاقة الوطيدة بين الثقافة والإنجيل المقدس.
- نور المعرفة على نور الإيمان.
إذا كانت الصورة أمام المدرسة المسيحية واضحة تجاه واجباتها وأهدافها فإن تحقيق الهدف بات هيناً فهي المكان الذي يسهم في نمو رسالة شعب الله والحوار بين الكنيسة والمجتمع الإنساني وبناء حرية الضمير وحرية الفكر.
خصوصاً إذا أدركنا أن رسالة المدرسة المسيحية مزدوجة: فهي تسير بأبنائنا نحو الكمال من جهة، كما تسير بهم نحو النضوج الإيماني من جهة أخرى، ويبقى المهم تحقيق هذا وذاك بالمسيح والإيمان العميق.
في النتيجة علينا أن ندرك أن المدرسة المسيحية هي مجتمع مفتوح يحاور الأهل ويساير المجتمع المدني، هي مكان يجمع متعددي الكنائس والأديان, يجمع الجنسين الذكر والأنثى, متنوع ومختلف الدرجات العلمية والثقافية, وبالتالي فهي تشكل اللبنة الأساسية التي تُبنى من خلالها شخصية الطالب الذي يقضي فيها ساعات طويلة من يومه ومن حياته ومن هناك أيضاً تبدأ مسيرته.
لذا مما لاشكّ فيه أن المدرسة المسيحية ليست حاضرة في المجتمع فحسب بل هي كنيسة المجتمع وهي مكون ومؤسس وداعم للمواطن المؤمن، اختم بقول القديسة الأم تريزا من كالكوتا “البارحة ولىّ وغداً لم يأت بعد، فليس لدينا سوى اليوم: فلنباشر العمل”.