(من كتاب: الأب كابي ألفرد هاشم و الأب غي-ريمون سركيس، أؤمن… وأعترف قراءة معاصرة في الإيمان المسيحي، دراسات لاهوتيّة، دار المشرق 2014).
ويؤكّد تعليم الكنيسة ويردّد أنّ الإنسان لا يخلص بنفسه ولا ينبغي له أن يقف أمام الله بإفتخارٍ واعتزازٍ مطالبًا بالنعيم الأبديّ لأعمال برٍّ عملها. وصاحب المزامير لا ينفكّ يُذكّر بهذه الحقيقة: ” لا يُبرَر أَحَدٌ مِنَ الأَحْياءَ أَمامَكَ ” (مزمور 143: 2). أمّا بولس الرسول، فكتب في السياق عينه، في رسالته إلى مؤمني روما مبيّنًا أنّ ” الجَميع قد خَطِئوا فأَعْوزَهُم مَجدُ اللهِ، والجميعُ، بنِعْمَتِهِ يُبَرَّرونَ مَجَّانًا ” (رومية 3: 23-24)، وأنّه لا يمكن لأحدٍ أن ينال الخلاص بقوّته، بل يُعطى لنا مجّانًا بيسوع المسيح ربّنا. ويستند البابا بندكتوس إلى هذه الحقائق ليعلن أنّ ” دينونة الله رجاء، إن من حيث هي عدالةٌ أم من حيث هي نعمة ]…[ وهي النعمة تتيح لنا جميعًا أن نرجو، وأن نذهب إلى لقاء الديّان بملء الثقة “[1]. الله يبادر ويهب مخلوقاته الخلاص نعمةً مجّانيّة، وعلينا جميعًا أن نُدرك أنّ الخلاص ليست مكافأة ننالها بسبب استحقاقاتنا. لكن هذا الأمر لا يسبب لنا الإحراج ولو ” بكَّتَنا قَلبُنا فإنَّ اللهَ يبقى أَعْظَمُ مِنْ قَلْبِنا ” (1يوحنّا 3: 20).
حين يرد ذكر النار في الكتاب المقدّس ويتمّ التعبير عنه بصورٍ تدعو إلى الرهبة والخوف، ليس المقصود نشر الرعب في قلوب المؤمنين، بل التأكيد على أنّ الله نورٌ وحقٌّ ولا يثبت أمامه ظلمٌ ولا كذب. والنار هي أوّلاً لتطهير المرء من كلّ ما يحول دون لقائه بالله، ولتمحيصه كالذهب ليتنقّى من كلّ الشوائب. يوضح لنا بولس الرسول عن يوم الدينونة واعتلان قيمة كلّ شخصٍ وكلّ عملٍ بقوله: ” إِنَّ عَمَلَ كلِّ واحدٍ سيكونُ بيِّناً، لأنَّ يَومَ الرَّبِّ، سَيُظهِرُهُ، إِذْ إِنَّهُ سَيَعتلِنُ بالنَّارِ، والنَّارُ ستَمتَحِنُ قيمَةَ عَملِ كلِّ واحد. فَمَن بَقيَ عَمَلُهُ الذي بَناهُ على الأَساسِ، فَسينالُ أَجْرًا؛ ومَنِ احْتَرَقَ عَمَلُهُ فَسَيَخسَر؛ أَمَّا هُوَ فَسيَخلُصُ، ولكِنْ، كَمَنْ يَمرُّ في النَّار ” (1كورنثس 3: 13-15). وهذه النار المطهِّرة ” التي تحرق وفي الوقت عينه تخلّص هي المسيح ذاته الديّان والمخلّص… واللقاء به هو العمل الحاسم للدينونة فأمام ناظريه يذوب كلّ كذب. واللقاء به، وإن أحرق، يحوّلنا ويحرّرنا ليجعلنا حقًّا ما يجب أن نكون عليه “[2]. النار المطهِّرة هي الله نفسه لأنّ ” إِلهَنا نارٌ آكلة ” (عبرانيين 12: 29) تغفر الخطايا، وتمحو المعاصي كالسحاب، وتنقّي الإنسان. حينئذٍ ” تبقى المحبّة وأفعالها “[3].
[1] بندكتس السادس عشر، خُلِّصنا بالرجاء، 47.
[2] بندكتس السادس عشر، خُلِّصنا بالرجاء، 47.
[3] الكنيسة في عالم اليوم، 39.