(من كتاب: الأب كابي ألفرد هاشم و الأب غي-ريمون سركيس، أؤمن… وأعترف قراءة معاصرة في الإيمان المسيحي، دراسات لاهوتيّة، دار المشرق 2014).
يرتبط مجيء المسيح ارتباطًا وثيقًا بالدينونة. فاستنادًا إلى بعض أقوال المسيح، أعلنت الكنيسة عبر تعليمها أنّه يأتي يومٌ يمثُل فيه الإنسان أمام الله ليؤدّي حسابه. والأمثال التي تفوّه بها يسوع حول هذا الأمر كثيرة جدًّا، نذكر منها على سبيل المثال، مثل الوزنات[1] حيث يوزّع سيّدٌ على أهبة السفر على خدّامه وزنات وبعد عودته يحاسبهم على ما فعلوا بها على الاستثمار. وثمّه مثل الدينونة العظمى الذي يبدأ بالجملة الشهيرة: ” ومتى جاءَ ابنُ البَشَرِ بمَجْدِهِ، وجَميعُ الملائِكَةِ مَعَهُ، حينَئِذٍ يَجلِسُ على عَرْشِ مَجدِهِ، وتُحْشَرُ لَدَيْهِ جَميعُ الأُمَمِ، فَيَفْصِلُ بَعْضَهُم عَنْ بَعْضٍ، كما يَفْصِلُ الرَّاعي الخِرافَ عَنِ الجِداء ” (متّى 25: 31-32).
قد تخيف حقيقة الدينونة الكثير من الأشخاص، إذ إنّ الصور التي ترد على صفحات الأناجيل لتصف حال المدانين مرعبةٌ ومخيفة، وتُلخّص بجملةٍ واحدة : ” الظلمة البرّانيّة حيث البكاء وصريف الأسنان “[2]. وقد شاعت في خلال القرون الوسطى صلواتٌ وتراتيل تعبّر عن هذا الخوف الشديد الذي تملّك المؤمنين جرّاء فكرة المثول أمام الله على غير أهليّةٍ. وهذا أحد النماذج للصلوات التي كان يُنشد فيها المؤمنون: ” إنّه يوم الغضب، اليوم الذي يحوّل العالم إلى غبار… يا للرعب الآتي عندما يظهر الديّان ليدقّق النظر في كلّ التفاصيل “[3]. أمّا السبب الثاني الذي دفع ببعض الناس إلى العيش في حال رعبٍ من دينونة الله فيعود إلى تصوّرهم إيّاها على صورة العدالة الأرضيّة التي انطبعت فيهم بسبب دينونة الآخرين لهم حين يكتشفون ضعفهم وأخطاءهم وينبذونهم. إلاّ أنّ دينونة المسيح للإنسان تسمو فوق جميع محاكم الأرض وتختلف عن حكم البشر بعضهم على بعض.
لم يعتقد شعب الله منذ البدايات بالقيامة، ولم يفتكر بأنّه يأتي يومٌ يقف الإنسان فيه أمام الله ليُحاسَب على حياته. بل كانوا يظنّون أنّ الإنسان، إن سلك في البِرّ، ينال مكافأته في هذه الحياة الأرضيّة، وإن خالف إرادة الله عاش في ظلمةٍ وقهرٍ. وقد كانت المكافأة تُعرَف بما يُسمّى البركات الثلاث التي يمنّ بها الله على عابديه: النسل والصحّة والغنى. فالنسل يؤمّن ديمومة الإنسان من خلال أولاده، والغنى يؤمّن راحة الشخص مبعدًا عنه الاستعطاء والعوز، والصحّة تؤمّن السلامة الجسديّة مبعدةً عن المرء الألم والوجع والبكاء.
[1] متّى 25: 14-30
[2] متّى 8: 12؛ 13: 42؛ 13: 50؛ 22: 13؛ 24: 51؛ 25: 13.
[3] Dies iræ, dies illa, solvet sæclum in favílla… Quantus tremor est futúrus, quando judex est ventúrus, cuncta stricte discussúrus!