مناهضة التَّعذيب مسيرة بطيئة

انسانيّتنا المجروحة يقرّ الإنسان القوانين والشرائع والاتّفاقات والعقود، بهدف ضبط أهوائه المتفلّتة، وميوله المريضة، وتقلّباته الشنيعة، وضعفه المستشري، وجهله القاتل. أوجد الإنسان القوانين كي ينظّم ويحسّن ويصلح حياته اليوميّة ويجعلها ملائمةً ومطابقة لأهداف الخالق. هل يتذكّر الإنسان أنّه مدعو لعيش الكرامة الإنسانيّة […]

Share this Entry
  • انسانيّتنا المجروحة

يقرّ الإنسان القوانين والشرائع والاتّفاقات والعقود، بهدف ضبط أهوائه المتفلّتة، وميوله المريضة، وتقلّباته الشنيعة، وضعفه المستشري، وجهله القاتل.

أوجد الإنسان القوانين كي ينظّم ويحسّن ويصلح حياته اليوميّة ويجعلها ملائمةً ومطابقة لأهداف الخالق. هل يتذكّر الإنسان أنّه مدعو لعيش الكرامة الإنسانيّة وتحقيقها؟ أين إنسان اليوم من احترام الحياة الإنسانيّة الَّتي وهبنا إيّاها الخالق؟ أين نحن من تطبيق القوانين؟ هل تطبِّق الدول القوانين؟ هل مجتمعاتنا تعيش ضمن دولة القانون، الَّتي تحترم الكرامة الإنسانيّة، وحقوق الإنسان؟

يضجّ عالمنا بأخبار حول انتهاك حقوق الإنسان، لا سيّما التَّعدّي الفاضح والمُبرح لكينونة الإنسان: التَّعذيب الجسديّ والنَّفسيّ واللَّفظيّ، انتهاك كرامته وحقوقه، بالرُّغم من أنّه، يكون في بعض الأحيان هو نفسه مُدان، لارتكابه الأخطاء وتفاقم معاصيه، وحتّى جرائمه.

بالرُّغم من التقدّم العلميّ، لا سيّما في مجاليّ العلوم الإجتماعيّة والصحيّة، والتطوّر الإيجابيّ في ممارسة العلاقات الإنسانيّة، يتعرّض الإنسان للانتهاكات المُذلّة ولضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانيّة أو المُهينة.

تطالبُنا “إنسانيّتنا” الحقّة، المحافظة على الحياة، من خلال التمسّك بجوهر الإنسانيّة وقيمتها ودورها، في تحقيق حياة هادئة وهانئة، بعيدة كلّ البُعد، عن التجريح والافتراء والازدراء والتهكّم والاستعلاء، والدونيّة والاحتقار، والعنف والتَّعذيب. لماذا يمارس الإنسان العنف والتَّعذيب بأنواعه القاتلة؟ أَوَليس الضَّعيف هو مَن يمارس الضغط والإكراه والتَّعذيب، من أجل إبراز قوّته المزيّفة؟ لماذا تتفاقم الانتهاكات ضدّ الإنسانيّة؟ لماذا يتعامل الإنسان بطريقة قاسية ومؤذية مع أخيه الإنسان؟ هل سنصل يومًا إلى الوقاية والحدّ من العنف والشَّر والتَّعذيب؟ أَم سيبقى عالمنا مشرّعًا على الهمجيّة والاعتداءات العنيفة وممارسة التَّعذيب، ضاربًا عرض الحائط بالقِيَم الإنسانيّة والأخلاقيّة وحتّى التَّعاليم السَّماويّة؟

  • كفى ولكن

يحتاج عالمنا اليوم، إلى الرَّحمة والعدالة والتَّربية على القِيَم، كما على الأمان والسَّلام، كي نتمكّن من القضاء على الكراهية والانتقام والعنصريّة والعنف.

كفى تعذيبًا أيّها الإنسان، كفى إنكارًا وكذبًا. بالرُّغم من إقرار إتفاقيّة مناهضة التَّعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانيّة أو المُهينة، بهدف القضاء التَّام على التَّعذيب، يبقى التَّعذيب مستشريًا في مجتماعاتنا، حيث الإذلال والقهر والعنف سيّد الموقف. هل نبادل الشَّر بالشَّر؟ والعين بالعين؟ والسنّ بالسنّ؟ أَم نُبحر في عالم الرَّحمة والعدالة والقانون؟ هل ستتمكّن تلك الإتّفاقيّة من اكتشاف الحقيقة والحَدّ من التَّعذيب، من خلال التَّحقيق مع مرتكبي المعاصي والجنح والجنايات؟ أَلسنا بحاجة إلى تنفيذ تلك الإتّفاقيّة بحذافيرها؟ يمكن للمحقّق المحترف الحصول على الحقيقة والأدلّة العلميّة والدامغة بطريقة ممنهجة، تحمي المشتبه به كما تحمي المُحقّق من الخضوع إلى شتّى أنواع التَّعذيب.

نطالب بتجريم التَّعذيب بشقَّيه الرصديّ والتشريعيّ، بهدف تحقيق العدالة من خلال إصدار أحكام في حقّ منتهكي أحكام القانون كخطوة أولى للوقاية من التَّعذيب. لم نسمع ولم نرى بأنّه قد أُحيلت أي “جريمة تعذيب” إلى القضاء. يمكن للمسؤولين عن مراكز التَّحقيق، قبول الدَّعوة إلى استخدام وسائل علميّة وحضاريّة، من أجل أخذ المعلومات والأدلّة الكافية، من أجل إظهار الحقيقة. ندعو إلى تغيير وتصحيح مسار التَّحقيقات الَّتي تجري، لأنّنا نعرف وتصلنا الأخبار، أنّ ممارسة التَّعذيب، تأخذ حيِّزًا من مهمّات رجال التَّحقيق. ليست غايتنا انتقاد الجهّات الأمنيّة، بل ندعو إلى تغيير الذهنيّة والمشاركة معًا في إيجاد طرائق علميّة وحلول عمليّة تحمي الجميع من التَّعذيب والإدانة والتجريم.

  • من الرُّعب إلى التَّعافي

لنعمل معًا، أيّ السُّلطات التَّشريعيّة والأمنيّة والمجتمع المدنيّ، على سدّ الفجوات والتَّحديّات الَّتي تُعيق الجهود المبذولة لمكافحة جرائم التَّعذيب وسوء المعاملة، لا سيّما في سياق التَّشريعات وضمانات الحماية القانونيّة، والتَّوصّل إلى تطبيق المقترحات العمليّة والعلميّة، لتعزيز جهود التصديّ لهذه الانتهاكات، بالإضافة إلى تعزيز وتثبيت وتحقيق الآليات والوسائل المختصة بإنصاف الضحايا والوقاية من جرائم التَّعذيب.

لنجدّد إيماننا بأهميّة حقوق الإنسان وفاعليتها في خلق مجتمع يسوده الأمن والأمان والنموّ على جميع الصُّعُد. لنشدّ على أيدي كلّ مَن يساهم في تطوير المنظومة الوطنيّة لحقوق الإنسان بكافة مكوّناتها الحكوميّة وغير الحكوميّة، وصولاً إلى التَّغيير الصَّحيح على صعيد الذهنيّة والثَّقافة المجتمعية، مع نشر ثقافة حقوق الإنسان وإدماج مبادئها في التَّعليم والتَّربية على الأخلاق والقِيَم الإنسانيّة. لننتقل من حالة الرُّعب إلى حالة التَّعافي.

لنخضع معًا، إلى عمليّة المراجعة الدَّوريّة الشَّاملة، لتصويب المسار، وتفعيل الإجراءات الفعّالة والاتِّفاقات والتَّعهّدات، لنجاح الحدّ من التَّعذيب، والحجز التَّعسّفي وغيرها.

لنَصُن معًا، كرامة الإنسان كي يبقى القانون، الحَكَم العادل بتنفيذ الملاحقة القانونيّة لمرتكبي جرائم التَّعذيب، وتطوير المساءلة العامّة لوضع حدّ للإفلات من العقاب، لنعزز الالتزام بالوقاية من الجرائم.

Share this Entry

الأب د. نجيب بعقليني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير