في هذه الأيام يسيل الكثير من الكلام حول «آيا صوفيا» . فبعد إعلان أردوغان تحويلها إلى مسجد: بعضٌ من الكلام تاريخي وبعض هندسي و آخر سياسي ولكن للأسف هناك أيضاً الكثير من الكلام الحاقد من نوع التراشق الإفتراضي… للأمانة التاريخية: «آيا صوفيا» كنيسة الحكمة المقدسة أو كنيسة الحكمة الإلهية (وليس كنيسة القديسة صوفيا) هي بالأصل كاتدرائية بُنيت في الربوع القسطنطينية من القرن السادس ميلادي (٥٣٢-٥٣٧) تحت إشراف الإمبراطور جستنيان الأول. إرتفعت منها الصلاة ككنيسة لمدة ٩١٧ عاماً لتتحول بعدها إلى مسجد لمدة ٤٨١ عاماً ثم لتصبح مع كمال أتاتورك صرحاً علمانياً: متحفاً يقصده عشاق الفن والتاريخ والهندسة… طبعاً لا يمكن إستبعاد الأسباب السياسية وراء قرار أردوغان الأخير فلا أحقية تاريخية أو أسباب ثقافية إنفتاحية أو أسباب لوجستية تبرر عودة «آيا صوفيا» كمسجد في مدينة ممتلئة بالمساجد بين كل حارة وحي.
و لكن هنا – لجميعنا – مادة للتفكير قبل التصنيف والتكفير:
هل يعقل – حتى ولو عن أحقية – في دفاعنا عن دور العبادة التي من حجر ان نجرّح الله الذي في أخوتنا البشر؟
هل ضاقت عند بعضنا المساحات المعدة للصلاة أم فعلياً ضاقت البصيرة فتضخمت الذات؟
لمََ بتنا نجعل من أمكنة العبادة عناوين لسحق الآخر ولإبطال المشاركة التي فيها – للجميع – سعادة؟ … تكثر الأسئلة ولكن هل منا من سأل أصحاب الشأن في المسألة؟
فلنرَ أولاً الصرح نفسه كيف يتكلم:
بمهابة فيها العظمة والخشوع معاً ترتفع القبة الأعلى ل «آيا صوفيا» على ارتفاع ما يقارب ال٥٥ مترًا من مستوى الأرض. للزائر خبرة إستثنائية: مدعو ليرفع ناظريه الى الأعلى وهناك يرى النور. أربعون نافذة تطوق القاعدة لتصبح القبة العظيمة وكأنها تجلس على حلقة من النور الذي يطفو في جميع أنحاء الداخل وينعكس ببهاء على الفسيفساء المذهبة. يُقال انّ لكلّ مصلّي: هنا نوع من التجلي… معه يذكر انّ الله هو نور العالم (يوحنا ٨: ١٢) … وأنّ الله هو نور السموات والارض (سورة النور ٣٥) ….
إذاً ماذا يحاول أن يقول لنا ذاك الذي نرفع له الصلاة؟
من العلاء ماذا يقول الضياء الذي لا يعرف مساء؟
و كأنه يهمس لنا:
إياكم خلط الحقد بالصلاة فكما النور يبدد الظلمات هكذا المحبة تضيء لكم الدعاء. إياكم تحقير الإنسان بحجة رفع شأن الأديان…. بهذا يكون قلبكم عني قد إبتعد وبان!
كنيسة أو جامع؟ ليتكم تتوحدون وترتفع من هذا الصرح صلاة الإثنين لا بل صلاة كل انسان.
والأهم:
ألاّ يغيب عن بالكم أن تحوّلوا حياتكم الى معابد تتجلى فيها الصلاة: محبة!
ويا ليت أيامكم تضحي للحكمة الإلهية “آية” = (علامة)!