Yoga is not Christian

Pixabay - CC0

الأعراض السلبية لتأمّل الوعي الكامل

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة- الجزء التاسع والخمسون

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

كلّ الأشياء تحلّ لي” لكن ليس كلّ الأشياء توافق”(1كو6/ 12)

الأعراض السلبية لتأمّل الوعي الكامل

تلقى تقنية تأمّل الوعي الكاملMindfulness-La Méditation de pleine conscience  في السنوات الأخيرة، رواجاً كبيراً. نسمع عنها في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الإجتماعي حتى أنّ عدداً كبيراً من المعالجين النفسيين يروّجون لها كتقنية علمية من أجل الإسترخاء، ويتجرّأ بعضهم ويتكلّمون باندفاعٍ عن ثورة الوعي الكامل Mindful Revolution .

إنّ “تأمّل الوعي الكامل” مستوحى من التأمّل البوذي “فيباسانا” كما يؤكّد الأب “جوزف ماري فرلند” P.Joseph-Marie Verlinde وعالم النفس ألكسندر بيدار Alexandre Bédard. والفيباسانا Vipassanãتعني في التقليد البوذي “الرؤية العميقة” أو Inspection وهي من ضمن المرحلة الثانية من تقنيات التأمّل في البوذية المستعملة بعد Samatha والتي تعني حالةً فكرية سلامية روّج لها في الغرب في القرن العشرين أشخاصٌ مثل Mahasi Sayadaw (راهب بوذي)، Ajahn Chah  (هندوسي) S.N. Goenka (راهب بوذي).

وقد انبثق عن تأمّل الوعي الكامل تسميات وخلطات أخرى مثل:

–  Mindfulness based Stress Reduction (MBSR)- – Jon Kabat Zin

Mindfulness Based Cognitive Therapy(MBCT)- هي مقاربة في العلاج النفسي تستعمل العلاج السلوكي المعرفي مع تأمّل الوعي الكامل للأشخاص ذوي الإضطراب الإكتئابي. مؤسسها زندل سيغالZindel Segal

– Dialectic Behavior Therapy (DBT) يروّج لها مارشا لينيهانMarsha Linehan  وهي علاج نفسي لأشخاص يعانون مشاكل علائقية مع الآخرين وغيرها من العلاجات، مع العلم أن هذه اللائحة يزاد عليها كل يوم علاجات مستحدثة لا إثباتات علمية على أمانتها ولا على علميتها.

ويشير الأب “فرلند” إلى بعض الأعراض السلبية لهذه التقنية بحسب دراسات وصفها بأنّها علمية وموضوعية ومستقلّة. نوجزها كالتالي:

تزيد نسبة الذكريات الكاذبة الموحى بها.  Les Faux Souvenirs Induits

بالفعل قد يوحي اللاوعي بأمورٍ غير حقيقية بسبب هذا الوضع غير الطبيعي (أن يكون المتأمّل على مسافة من ذاته كأنّه مراقب أو متفرّج من خارج).

تزيد قدرات التخيّل وبالتالي تفتح باباً للظواهر الفائقة الطبيعةParanormal  و للوساطة الروحية.

-تسبّب انحرافات إدراكية حسيّة (هلوسات- تهيئات- رؤى)

-قد تسبّب تشوّهات ومشاكل علائقية واجتماعية. وهذا أمر بديهي فإذا كنتُ أنا نفسي منفصلاً عن ذاتي فكيف لا أنفصل عن الآخرين؟

-زيادة في تفاقم مشكلة الإكتئاب.

-يتمّ فيها كما يحصل في سائر التأمّلات الشرقية الآسيوية، تعديل لمستويات الوعي والإدراك للمشاكل. المشاكل تبقى موجودة ولا يكون حلّ جذري لها.

-أغلب ما يحصل فيها هو نتيجة لعامل الغفل Effet Placebo. مع الإشارة أنه ينتج عنها إحساس بالراحة نتيجة لتعديل مستوى الوعي، وهي راحة وقتية وعابرة.

-لا وجود لدراسات وإحصائيات موضوعية وغير منحازة تؤكّد على إيجابيات هذه التقنية.

يضيف الأب “فرلند” نقلاً عن “كورين بانييس”Corine Isnard Bagnis [1] أنّ في هذه التقنية يتمّ تحديدًا إبعاد الألم أو وضع الألم على مسافةٍ منا. بالتالي فهي تؤثّر على الإدراك الحقيقي للواقع لأنّ الشخص يكون غير معني وعلى مسافة. هذا الأمر يؤدّي عادة إلى هلوسات وإلى رؤية فيها سوء تقدير للحقيقة على كلّ المستويات الفيزيائية، النفسية، العلائقية. ينتج عنه هلع نتيجة الإنفصال عن المجتمع … قد تحصل هذه العوارض لدى أشخاص لا سوابق مرضية عندهم مارسوا لفترات قصيرة هذه التقنية ربما مدة عشرين دقيقة في النهار. وهي نتائج حقيقية قد تؤثر سلباً عند البعض على مستقبلهم المهني.

نشوةٌ ذاتية وعبادة للذات

وفي معرض حديثه عن رؤية هذه التقنية يقول إنها نفسها التي للبوذية. يمكن اختصارها ببعض الكلمات:

 النشوة الذاتيةEnstase – تأليه الذات- لا وجود لإله شخصي- حلولية- طاقة كونية- الذوبان في الطاقة -العالم وهم- تمدّد للأناExpansion de soi … ويتساءل الأب “فرلند” هل يكون تمدّد ونموّ للأنا أم على العكس تقهقر وانحدار للوجود الشخصي وبالتالي هل يمكننا التكلّم عن وعيٍ كامل؟ في الحقيقة يحصل تدنّي لمستويات الوعي يصبح الإنسان هو المحور وهو الهدف ما يؤدّي إلى عبادة الذات. إذًا لا وعي كامل البتّة بل إنغلاق وتقوقع حول الذات. تؤدّي كذلك إلى عدم الشعور والإحساس، إذ كل شيء سيّان عندك بما أنّك متفرّج من خارج. لذلك، ربّما تكون التسمية الأنسب لهذه التقنية هي: تأمّل فقدان الوعي. أضف أنّ لا وجود لعلاقة “غيْرية”. هذا التدنّي في الوعي الشخصي يؤدّي غالبًا إلى الوساطة الروحيةMediumnité spirituelle . كلّ هذا يتناقض مع القيم الإنجيلية خصوصًا المحبة والرحمة. لقد دخل المسيح إنسانيتنا لأنّها تعنيه. لم يبق متفرّجاً من خارج بل دخل في واقعنا وتألّم حتى الموت، موت الصليب! إنّ أمر خلاصنا يعنيه شخصيًا لأنّه أحبّنا أولاً.

لقد حمل أوجاعنا وبجراحه شفينا!

يشرح الأب “فرلند” ويقول: لقد تجسّد الرب يسوع وتألّم ليس ألمًاً من خارج بل ألماً حقيقيًا. لم يتجنّب الألم. لقد حمل أوجاعنا. وبجراحه شفينا. لم يبق ابن الله على مسافة. لقد بكى لما مات لعازر. تحنّن على الخطأة. أحبّهم. لمس الأبرص وعينيْ الأعمى. إنّه إله شخصي يبذل ذاته إلى المنتهى. هو إله حاضر معنا “عمانوئيل” إلى نهاية الأزمنة.

“لقد أخلى ذاته آخذًا صورة عبد طائعًا حتى الموت موت الصليب”(فل2/ 6-11) لقد تضامن بالكامل مع إنسانيتنا. تحرّكت أحشاؤه، عمق أعماق قلبه، لم يبق على مسافة من تحمّل الألم، بل قبِلَ أن يتمّم مشيئة الله الآب. هو آدم الثاني الذي أطاع الله بعكس آدم الأول الذي سقط بسبب عصيانه الوصية الإلهية. ويُضيف الأب “فرلند” قائلاً لقد مات المسيح على الصليب باسطًا ذراعيْه بعكس بوذا الذي مات في وضع اللوتس، منغلقًا على ذاته وهاربًا من الألم. بسط المسيح ذراعيْه ليغمرَ العالم إلى قلبه المطعون بحربة صارخًا إلى أبيه. هي صرخة ولادة الإنسانية الجديدة.

“وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع”(يو12/ 32)

الربّ يسوع يقول لتلاميذه: من أراد أن يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني … وليس أن يعتزل العالم الخارجي ليجلس في وضعية اللوتس ويعلّق حواسه الخارجية ويُفرغ العقل والنفس ويشلّ إرادته كي يذوب في فراغ طاقة كونية مزعومة! لقد جعل روح الله منا أبناء لله. نحن سفراء المسيح في العالم. ولسنا هاربين من العالم. يقول في إنجيل يوحنا :”لا أطلب أن تأخذهم من العالم …” دعوتُنا كمسيحيين هي أن ندخل في عمق إنسانيتنا على مثال المسيح مقتادين بروح الله ومردّدين مع الرسول بولس أستطيع كل شيء بالذي يقويني. مميزين الأرواح و مغربلين كلّ شيء لأنه ليس كلّ شيء ينفع.

خلاصة

إنّ تقنية تأمّل الوعي الكامل، بالرغم من شكلها العلماني تبقى تقنية تأمّل بوذية. وهي كسائر تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي، يمكن تصنيفها بالتقنيات الهروبية أو تقنيات “تعديل مستويات الوعي“. بالتالي فهي أقرب إلى تخدير الألم وإسكات نتائج المشكلة و لا شفاء فيها لجذر المشكلة فهذه باقية وبقوّة متى استعاد الشخص وعيْه ومارس حياته اليومية. وكما سبق وشرحنا في كتبنا السابقة عن أضرار وأخطار هذه التقنيات أضف إلى ذلك موقف الكنيسة منها[2]. نستنتج أن لتقنية “تأمّل الوعي الكامل”Mindfulness مفاعيل مخدّرة وقتية لا أكثر كما لها عوارض جانبية لا تخلو من الخطورة على كلّ المستويات، وهي لا تتوافق مع الإيمان المسيحي.

هذا باختصار رأي الأب “جوزف ماري فرلند” ب”تأمّل الوعي الكامل” وسنعرض في المقالة المقبلة إن شاء الله، رأي الشماس “برتران شوديه”، المتخصّص في تيّار العصر الجديد وكلّ ممارساته من “راعوية الروحانيات الجديدة والإنتهاكات البدعوية” التابعة لمجلس الأساقفة الكاثوليك في فرنسا.

يتبع

لمجد المسيح

[1] Corine Isnard Bagnis, La meditation de pleine conscience, Ed. Que Sais-je

[2] لمعرفة المزيد يمكن مراجعة كتبنا: -اليوغا والتأمل التجاوزي من وجهة نظر الايمان المسيحي، جيزل فرح طربيه، دار المشرق

الطب البديل من وجهة نظر الايمان المسيحي، جيزل فرح طربيه، دار المشرق.

حقيقة البدائل الطبية بحسب تعليم الكنيسة، جيزل فرح طربيه، توزيع المكتبة البولسية

تيار العصر الجديد من وجهة نظر الايمان المسيحي، جيزل فرح طربيه، دارالمشرق

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير