خلق الله الإنسان […] ذكرًا وأنثى خلقهم” (تك ١: ٢٧). وقال الرّب الإله “ليس جيّدًا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينًا نظيره” (تك ٢: ١٩). الله خلق الانسان لعيش الحالة الاجتماعيّة الانسانيّة، أيّ الَّذي لا يقوم على العيش وحيدًا، إنّما على التّفاعل التّشاركيّ بين سائر أفراد المجتمع. بالمُطلق، يحتاج الفرد إلى سائر أفراد المجتمع، كي يحقّق أهداف وغاية وجوده على كوكب الأرض. يذكّرنا الاعلان العالميّ لحقوق الانسان بأنّه “يولد جميع النّاس أحرارًا، وعليهم أن يعامل بعضهم البعض بروح الاخاء”. يحمل الانسان في طيّاته حالة وصِفةَ وميزة وهويّة “الانسانيّة”. هل “الأخوّة البشريّة” مُعاشة وأساس متين لإنسانيّة الانسان؟ أم أصبح المَثَل اللاتينيّ “أصبح الانسان ذئبًا لأخيه الانسان”، العملة الوحيدة لقيام المجتمعات وازدهارها؟! تظهر أهميّة الانسان وقيمته في تجلّي إنسانيّته من خلال تصرّفاته الحميدة ومسلكه المقبول، وأفكاره السّليمة المبنيّة على المسلّمات والمبادئ الصَّحيحة.
يحتاج عالمنا اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، إلى المحافظة على إنسانيّة الانسان. أَوَليس التّعاون إشارة واضحة لتضامن الشعوب في ما بينها؟ يساعد التّعاون أفراد المجتمع، ويعينهم على عمل الخير والبرّ واتّقاء الشَّر. لا بدّ من إعادة التّرابط الانسانيّ، من خلال الالتزام الجماعيّ بمصير كوكب الأرض، عبر بثّ روح التَّضامن وتحمّل المسؤوليّة الجماعيّة الاجتماعيّة أي أن “لا نكون معًا فقط، ولكن لنفعل شيئًا معًا”. هل نتحمّل المسؤوليّة تجاه الآخرين؟ أَوَليس الاتّحاد والتَّضامن يعطيان قوّةً واندفاعًا لمواجهة التحدّيات؟
يقوم التَّضامن على مناصرة ” قضايا المجتمع”، وتقديم المساعدة والعَون لا سيّما للفئات الضَّعيفة والمهمّشة والفقيرة. ينجح أفراد المجتمع في ممارسة فضيلة “التَّضامن”، عندما تكون الرؤية واضحة والاستراتيجيّات عمليّة، مبنيّة على أخلاقيّات مشتركة، ومكلّلة بالعدالة والرَّحمة والمساواة. ترفض حالة التَّضامن كلّ محاولات فرض الهيمنة والتبعيّة والاستحواذ على خيرات الكرة الأرضيّة وشعوبها، كما التصدّي الفاضح للتَّفاوت الاجتماعيّ والاقتصاديّ للبلدان.
يُطلَب اليوم من “القرية العالميّة”، العمل على توسيع نطاق التَّضامن والتَّعاون بين البشر أجمعين، لا سيّما بعد جائحة كورونا كوفيد-١٩، عدوّ الانسانيّة، بأن يكون الانسان أكثر إنسانيّة. بالتَّأكيد، يجب على الارادة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة دعم “حالة التَّضامن”، من خلال التّوافق والتَّعاون والتَّشارك بين الدول. بالرُّغم من الاختلاف الايجابيّ هناك “وحدة” في اطار وضمن التنوّع. تحاول “حالة التَّضامن”، التَّخفيف من ال “نحن” وال “هُم” وال “معنا “، إلى “كلّنا”، ضمن الوحدة، الَّتي تسعى إلى توحيد الجهود من أجل تنفيذ مشاريع تصبّ في خانة إزدهار المجتمع في شتّى مجالات الحياة. تلك المشاريع، بإمكانها تقليص آثار الفقر والبطالة والحرمان والجوع والعنف، فهي تساعد على نشر القِيَم، من خلال تدريب الأشخاص على روح المبادئ الصَّحيحة والسَّليمة، وأخذ المبادرة وحبّ الخير للآخرين، والحد،ّ نوعًا ما، من الأنانيّة والطَمَع والحسد والحقد.
تظهر الآثار الايجابيّة للتَّعاون والتَّضامن، من خلال نجاح بعض المَهام الحياتيّة المشتركة، وذلك بسرعة وبكلفة أقلّ؛ كما تُسهم في إنقاذ بعض الفئات المهمّشة والضّعيفة والفقيرة والمعزولة، من الأوضاع المتردّية السّيئة على جميع الصُّعُد والمستويات. إنّ نصرة “القضايا” العادلة والمُحقّة والمُلحّة، تخفّف وتقلّل من مخاطر الأوضاع الخطرة والسيّئة والمُزرية، من خلال تحقيق تكافل إجتماعيّ، ممّا يُسهم في تماسك المجتمع وترابطه، وانتشار المحبّة والعدالة والرَّحمة.
يمكننا القول، أنّ التَّضامن يساعد على مواجهة الاخطار، ورفع الظّلم وتقاسم الاعباء والاعمال. أَلَا يُسهم في التخلّص من حبّ الذات؟ أَلَا يزيد من تقديرها؟
نسمع أقوال ونردّدها حول التَّضامن، فهل نتفاعل معها ونتّعظ؟! أَم نتجاهلها؟ “وحدنا” يمكننا أن نفعل القليل، “معًا يمكننا أن نفعل الكثير”، “الجبل لا يحتاج إلى جبل، أمّا الإنسان فيحتاج إلى إنسان”، “نحلة واحدة لا تجني العسل”، “تتّكئ الشّجرة على الشّجرة، والانسان على أخيه الانسان”، “لا يُبنى الحائط من حجرٍ واحد”، “السواقي الصّغيرة تصنع الجداول الكبيرة”،”يد واحدة لن تصفّق”.
لنتكافل ونتضامن مع أخينا الانسان. لنجعل من أخلاقيّات التَّضامن الانسانيّ هويّتنا وشعارنا وهدفنا. لنقضِ على العنف والانانيّة والجَشَع، بالتمسّك بالعدالة والمساواة والرَّحمة والمشاركة والمحبّة. لنتحرّر من الظّلم والاستبداد والفساد والاستغلال والهيمنة واحتقار الآخر وإذلاله. لنسير معًا نحو السّعادة والأمل والثّقة والامان والاستقرار والرّخاء الاقتصاديّ.
نَعَم، تعاني مجتمعاتنا من الفقر والبطالة والعوز والحرمان، حتّى وصلنا إلى حدّ الجوع. لنكن معًا في الظروف الصَّعبة والمأسويّة والقلقة والمصيريّة.
لنحدّ من الاستهلاك الفاحش، وهيمنة العولَمَة المتوحشة. لنتضامن معًا، مع الَّذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم ومصدر رزقهم، و”فرص العمل”. هذا هو الوقت المناسب في هذه المرحلة المصيريّة والأكثر خطورة، الَّتي تطال ” لقمة العيش”، أن نزيد فعل المحبّة وعمل الخير. لنواجه معًا، الغشّ والفساد والاحتيال… لنتصدّ معًا، لتفشّي التّجارة غير المشروعة، والتّلاعب بالأسعار، وصحّة المواطن وحياته.
لنقف معًا، ضدّ المسؤولين الفاسدين، الَّذين يستغلّون مواقعهم ومراكزهم، لجني الارباح والاموال الطائلة وغير المشروعة.
كفى تهميشًا… كفى تعديًّا… كفى إذلالًا … كفى حرمانًا وجوعًا… نعم ليساعد “بعضنا البعض” بحسب مقدراته وإمكانيّاته على جميع المستويات، من أجل بقاء نسمة الحياة لجميع الشّعوب…
لا لجائحة الفقر والعوز والجوع… نَعَم للحياة….
لنمدّ الجسور فيما بيننا. لنتعاضد ونتكاتف في هذه المرحلة الصَّعبة والحرجة، كي نتخطّى الأزمات والصِّراعات، من أجل بناء عالم يسوده الأمن والاستقرار والسَّلام العادل والشّامل، المبنيّ على المحبّة والمساواة والرَّحمة والتّسامح والتَّعاون والتَّضامن.
لنكن “واحدًا” من أجل إنسانيّتنا الَّتي تضمحلّ يومًا بعد يوم.
لندعم روح التَّضامن، كي تنتعش الانسانيّة من جديد.
نَعَم، عندما تترنّح حالة التَّضامن، تضمحلّ حالة الانسانيّة.
لنكن أصحاب همّة، بفضل تضامننا مع بعضنا البعض، ولتبقَ إنسانيّتنا، تجمعنا نحو الأسمى.