Mother Teresa circa 1994. Credit: © L'Osservatore Romano Used by CNA

كلمات ليست كالكلمات

تحيّة إلى الأمّ تريزا

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry
أكثر من أي وقت مضى نشكك في الكلمات التي نسمعها. هذا هو الحال على مساحة حياتنا الخاصة و بالأخص العامة… الكلمات الفارغة تحيط بنا في كل مكان. عالمنا مليء بالأخبار المزيفة و الإعلانات البراقة … وفيما يختار البعض منا تناقلها – لأسباب عدة منها لغاية في نفس يعقوب – إلا أن القلب يعرف أن الثقة بالكلمات باتت نادرة، و أنه يجب الحذر بشأن ما نصدق.
إذاً و حين تكون كلماتنا صادقة كيف لنا أن نؤمّن لها الوقع القوي؟
يخبرنا الكتاب المقدس أن أحد الأمور التي ميزت يسوع بالمقارنة مع الواعظين الآخرين في عصره هو أن يسوع كان يتحدث و يعلم ” كمن له سلطان”. ما الذي يعطي الكلمات السلطة و المصداقية؟ ما الذي يمنحها القدرة التحويلية؟
هناك ، كما نعلم ، أنواع مختلفة من التأثير. هناك كاريزما القوة في المتحدث الموهوب و هناك كاريزما القوة في البراءة . في بعض الأحيان تكون هذه الأخيرة الأقوى حتى في قلب الضعف. فلنقارن كلمات نجم أو إعلامي مقابل حضور طفل لعوب في نفس الغرفة ، من له القدرة الأكبر و الأوسع على لمس القلوب؟
من الملفت ما يشير إليه علماء الكتاب المقدس أن النص الأصلي يستخدم كلمة “exousia” ، اليونانية في توصيفه كلمات يسوع المؤثرة . ما هي “exousia”؟ بحسب المتخصصين إنه مصطلح يشير إلى مزيج من الضعف والبراءة يشبه حضور الطفل الذي تحدثنا عنه. إن البراءة حتى في الضعف لها سلطة وقوة فريدتين تلمس الضمائر. لهذا – مثلاً – ننتبه أن تكون ألفاظنا نظيفة أمام الطفل…. كأن مجرد وجوده في حد ذاته يدعو الى التطهير.
لكن هناك عنصرين آخرين يدعمان السلطة التي تكلم بها يسوع. لقد أعطت براءته لكلماته قوة خاصة، نعم ؛ لكن هناك عنصرين آخرين جعلا كلماته قوية أيضًا: أولاً لأن كلماته كانت من لدن أبيه، من الله، وأيضاً لأنه لم يكن هناك فرق بين كلماته وحياته و شهادته.
احتفلنا يوم السبت 5 أيلول، بعيد قديسة مميزة في محبتها العاملة: أنها الأم تريزا.
كانت، بشهادة كل من عرفها، مثالاً لمن كلماتهم لها سلطة خاصة. في قلب ضعفها و فقرها كانت الأكثر تأثيراً. يخبرون مثلاً عن زيارتها لبيروت في خضمّ الحرب عام 1982:
فيما كان الجيش الإسرائيلي يحاصر بيروت الغربية وعمليات القصف عشوائية برًا وجوًا، كان الوضع صعباً وحصيلة الضحايا مريعة بلغت 500 قتيل عدا عن الجرحى….في هذه الأثناء تصل الأم تريزا إلى مرفأ جونيه بناءً على دعوة أمل مكارم التي شهدت على العشرات من الأطفال المسلمين من ذوي الاحتياجات الخاصة متروكين في ميتم يقع في الضاحية الغربية من بيروت من دون طعام أو رعاية … و البعض منهم في النزاع الأخير في وسط ضوضاء الحرب. ما أن وصلت الأم تريزا إلى لبنان حتى طلبت مقابلة سفير الولايات المتحدة فيليب حبيب الذي أرسله ريغن لسعي بإنهاء المجزرة التي يقترفها أرييل شارون. وكان يُعرَف عن حبيب كونه “الديبلوماسي المهني الأكثر تميّزًا في جيله”.
وبحسب الشهود، أصغى السفير بتمعّن وذهول إلى الأم تريزا، كانت تطلب وقف إطلاق النار لتمر من بيروت الشرقية إلى بيروت الغربية و تجلب الأطفال. أجابها: “أيتها الأم أنا جد مسرور لرؤية امرأة صلاة إلى جانبي. و لكنه أشار إلى أنه من الصعب أن يحصل وقف إطلاق نار. فأجابته: “أنا أكيدة أننا سنحصل على وقف إطلاق نار غدًا”. فقال لها: “إن حصلنا على وقف إطلاق نار سأحرص شخصيًا على القيام بالإجراءات اللازمة لمرورك إلى بيروت الغربية غدًا”.
يوم غد – 14 آب 1982 – أنذاك : صمتت أفواه الموت عن المدينة… وعبرت الأم تريزا الى بيروت الغربية و نقلت 35 ولدًا إلى مركز مرسلات المحبة في الفنار. وتقول مكارم: “كان الأمر عجائبيًا مع الأم تريزا فأنا أعجز عن وصف حالة الأطفال الذين خلّصتهم. كانت تأخذهم بين ذراعيها فيستيقظون فجأة ويصبحون أشخاصًا آخرين تمامًا كأننا نضع القليل من المياه لوردة عفنة. كانت تضمّهم إليها ويستيقظ الأولاد بثوانِ. لقد رأيت هذه الأعجوبة بأمّ عينيّ”.
في عصرنا، عصر الكلمات الحاقدة و المزيفة … فلنسعى أن ننبض بتلك ال “Exousia” في حياة عطاء ، لنعطي النور من سماء ….فقد يحرك العالم إعلاماً فارغاً لكن ما يحرك القلب حقاً نوع آخر من الكلام: ذاك الذي هو بالبراءة والمحبة زاخراً.
Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

أنطوانيت نمّور

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير