تأمّل الوعي الكامل وتأمّل القديسة تريزا الأفيلية

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة- 66

Share this Entry

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة (66)

رأي كاثوليكي في تأمّل الوعي الكامل Mindfulness(12)

تأمّل الوعي الكامل وتأمّل القديسة تريزا الأفيلية.

عانِقْنَ الصليب الذي حمله عروسُكنّ على منكبيْه واعرفْنَ أنّ هذه هي مهمّتكنّ”- القديسة تريزا الأفيلية

درج في الآونة الأخيرة ما يسمّى ب”تأمّل الوعي الكامل” بتأثيرٍ من روح العالم وتحديدًا بتأثيرٍ من تيّار العصر الجديد وتقنياته الإنتقائية المتنوّعة، بما فيها التقنيات النفسية البديلة. كما نجح، ويا للأسف، في التسلّل إلى بعض الأوساط  الكنسية والرهبانية وبعض مناهج التنشئة اللاهوتية. عبّر عن ذلك الكاردينال فرنك رودي عندما قال:  “لقد تسلّلت  الثقافة المُعلمَنة إلى بعض الرهبانيات الغربية، بينما كان يجب أن تُقدّم الحياة الرهبانية بديلاً عن “الثقافة  المسيطِرة” لا أن تعكسَها”[1].

  تبيّن لنا، كما سبق وأوضحنا في المقالات السابقة، عدم حيادية هذا التأمّل، بحسب رأي أخصّائيين وباحثين جديّيين مثل الأب “جوزف ماري فرلند”، الأب “دان بيرك” مدير مركز أفيلا الروحي، الشمّاس “برتران شوديه” من “راعوية الروحانيات الجديدة والإنتهاكات البدعوية”، التابعة لمجلس الأساقفة الكاثوليك في فرنسا، الباحثة مارسيا مونتينيغرو، سوزان برينكمان وغيرهم.

مع ذلك، يربط البعض بين “تأمّل الوعي الكامل” والتأمّل المسيحي خصوصًا تأمّل القدّيسة تيريزا الأفيلية. فهل هذا الأمر صحيح؟ وما هو قدر تطابق التأمّلين وهل يتوافقان؟ وهل “تأمّل الوعي الكامل”Mindfulness يناسب المسيحيين؟

سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة إستنادًا إلى مرجعيْن إثنيْن: المرجع الأول هو رأي كاثوليكي للأخ “باتيست للصعود” من الرهبنة الكرملية في بوردوFr Baptiste de L’Assomption du Carmel du Broussey à Bordeaux O.C.D.[2].المتخصّص في التأمّل الكرملي

والمرجع الثاني هو مقتطفات من الرسالة الموّجهة من مجمع عقيدة الإيمان إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكية “في بعض مظاهر التأمّل المسيحي” [3] الصادرة سنة 1989 ووثائق أخرى صادرة عن مجلس أساقفة إسبانيا[4] أو أسقف إيرلندا[5] تحذّر من اليوغا و”تأمّل الوعي الكامل”.

تشابهٌ في الشكل وتناقضٌ في الجوهر

في البداية نوضح الأمور التالية الأساسية: أولاً/ إنّ التأمّل المسيحي Oraisonكما هو معلوم، ليس مجرّد ممارسةٍ تقوم بها الروح من أجل الإسترخاء وإفراغ العقل وتعليق الحواس، أو هو وسيلةً للكمال الشخصي، أو موّلد غبطةٍ ذاتية، بل إنّه البحث الدؤوب عن إلهٍ نريد الإتحاد به لنعطيه للآخرين، ونريد مخاطبته لنحدّثه عن الآخرين. إذًا ما يميّز التأمّل المسيحي هو “الغيْرية” والثنائية، الحوار بين “أنا” الإنسان و”أنت” الله والخروج من الذات صوب الآخر. فالتأمّل كما تعرّفه القديسة هو الحديث مع الله. “وما التأمّل، في رأيي، إلا حديث صداقة نجريه غالبًا على انفراد مع من نعرف أنّه يحبّنا”(السيرة-ف8)

ثانيًا/إنّ غاية التأمّل المسيحي ليس”علاجيًا” بالمنحى الذي تأخذه تقنيات التأمّل الشرقي بل هدفه الإتحاد بالله. وهو ليس “هروبياً” أي هدفه الهروب من الألم بل هو شركة في حمل الصليب. “أن نشرع بعزمٍ على نهج طريق الصليب منذ البدء، وأن لا نتمنّى تلك المسرّات، فالربّ نفسه دلّ على طريق الكمال هذا بقوله: “إحمل صليبك واتبعني”(مت16، 24)

ثالثًا/ غاية التأمّل المسيحي ليس مجرّد كمال شخصي بل غايته كمال الحبّ. تقول القديسة تريزا “إنّ الكمال الحقيقي إنما هو حبّ الله وحبّ القريب، وبقدر ما نُتقن حفظ هاتين الوصيتين، نكون أكثر كمالاً”(المنازل، ف2)

ما هو تأمّل الوعي الكامل؟

 يتكلّم الأخ “باتيست للصعود”، في محاضرة له نشرت على الإنترنت، عن مدى انتشار “تأمّل الوعي الكامل” وكيف يُروَّجُ له من خلال عدّة تطبيقاتٍ على الإنترنت لقاء مبلغٍ محدّد من المال، ويقول أنّ عدّة إختصاصيين يتفّقون على أنّها تطبيقات مفيدة جدًا. كما توصي به الوكالة الإعلامية GWTوتقول إنّ هذه التقنية  من بين أهمّ 10 تقنيات أو ممارسات قد تغيّر وجه العالم!  يوضح الأخ “باتيست” في بداية محاضرته،  أنّه لا يتناول موضوع “تأمّل الوعي الكامل” كوسيلة علاجية أو من ضمن الإطار المهني، لأنه بكلّ بساطة لا يملك المؤهّلات لذلك، بل يحاول الإجابة عن سؤالٍ واحد: هل يتوافق هذا التأمّل مع الإيمان المسيحي والصلاة المسيحية وتحديداً مع التأمّل كما تعلّمه القديسة تريزا؟ ينظر الأخ “باتيست” نظرة إيجابية لهذا الموضوع، ويعتبر أن “تأمّل الوعي الكامل” قد يشكّل فرصةً للمسيحيين كي يشرحوا جوهر التأمّل المسيحي لأشخاصٍ متعطّشين للروحانيات وباحثين عن مصدرٍ حقيقي للإرتواء.

يؤكّد لنا الأخ “باتيست” كما غيره من الباحثين، أنّ هذا التأمّل ليس حياديًا بل هو مستوحى من خلطة انتقائية من العلوم والروحانيات البوذية وغيرها وأيضَا من تيّارات أوحى بها “غوغل” أيّ ما يعرف بعبر الأنسنة Transhumanism. وينسب هذا التأملَ لطبيبٍ أمريكي اسمه “جون كابات زين”(1944-…) Jon Kabbat Zin ابتدعه من أجل محاربة القلق والضغط النفسي والألم وماشابه، في محيط علمي وأيضًا بإيحاء من الروحانيات الشرقية، في مركز إيسالينEsalen  (الذي حضّر له الإيزوتيريكي “جورج غوردييف”) التابع لتيّار العصر الجديد. ويقول الأخ “باتيست” أنّ “ماتيو ريكار” قدّم هذه التقنية في إطار مؤتمر “دافوس” لممثّلي غوغل، بقصد توعية الإنسان على عيش اللحظة الحاضرة بما أنّه يعيش حياةً ميكانيكية غير واعية.

 يقترح “كابات” برأي “الأخ باتيست” ثماني خطوات لهذا التأمّل وهي كالتالي:

  –عدم إصدار الأحكامLe Non jugement ، أيّ عدم الحكم على ذواتنا وأفكارنا ومشاعرنا.

  -الصبر ، La Patience أيّ أن نأخذ وقتنا في ممارسة هذه التقنية للخروج من الحياة السريعة والميكانيكية التي نعيشها.

 -أن نحافظ على روح المبتدئ فيناGarder un esprit de débutant  أيّ أن نرى أحاسيسنا باندهاش كما لو أنها المرة الأولى.

  -الثقة بالحدْس الشخصي La confiance أيّ الثقة بقدرتي على الدخول إلى عالمي الداخلي واكتشافه.

– عدم البحث عن نتائجL’absence de recherche de résultats  يعني أن لا أمارس هذه التقنية لأحصل فوراً على إحساس بالسلام والرضى.

– القبول L’acceptation أيّ عليّ قبول كل لحظة في هذا التأمّل كما هي.

– أن لا ألتصق بالمظاهر السابقة للتأمّل الذي يمرّ خلال كلّ لحظة.

– المثابرة الدؤوبة على التأمّل والإنضباط.Constance et Discipline

يعلّق الأخ “باتيست” قائلاً أنّ هذه الخطوات تبدو في الظاهر إيجابية، خصوصًا أنّ بعض الخبرات العيادية تشير إلى نتائج إيجابية لها في حالات الكآبة والميل إلى الإنتحار وما شابه. لكن يجدر بنا أن نكون حذرين متى علمنا أنّ من بين 18 ألف دراسة حول “تأمّل الوعي الكامل” فقط 47 دراسة تلتزم بجدية المنهجية العلمية بحسب الباحثة “سوزان برينكمان”.

يتبع

لمجد المسيح

جيزل فرح طربيه

[1] نور العالم، ص68 بندكتوس السادس عشر،

[2] https://www.youtube.com/watch?v=2HVEC1TkYE8

[3]http://www.vatican.va/roman_curia/congregations/cfaith/documents/rc_con_cfaith_doc_19891015_meditazione-cristiana_fr.html

[4] https://diocesisdecanarias.net/seddiosvivo/

[5] https://www.womenofgrace.com/blog/?p=70125

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير