في إنجيل متى نقرأ: «وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!» (متى٢٦: ٥١-٥٢).
لقد كان متى في غاية الحذر: لم يُرِد أن يُسَمّي مَن ضرب بِحدّ السيف… فالذي يلجأ إلى العنف يُصبح العنف اسمه، ويفقد الإسم الذي ناداه به يسوع مرارًا… حتى الإنجيلي مرقس، أحجم عن ذكر اسم المُسَلّح: «فَاسْتَلَّ وَاحِدٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ السَّيْفَ، وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ» (مرقس١٤: ٤٧).
لقد طلب يسوع بحسب الإنجيلي لوقا من التلاميذ شراء السيف… ولكن سياق الحوار يُظهِر لنا بأن ما قصده يسوع لم يكن السلاح الحربي، إنما سلاح الحق: «لكِنِ الآنَ، مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضًا هذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ». فَقَالُوا: «يَا رَبُّ، هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ». فَقَالَ لَهُمْ: «يَكْفِي!». (لوقا٢٢: ٣٦-٣٨) فالتلاميذ فهموا بكلمة “سيف” السلاح والعنف، بينما أراد يسوع أن يُفهمهم أمرًا آخَر… فلما وجدهم غير قادرين على الفهم أسكتهم: “يكفي!”… لقد أراد لتلاميذه أن يعتادوا على غيابه، فيتزودوا بما يكفي لعيشهم بحكمة وتواضع، ويحملوا سيف الحق الذي هو الكلمة… وحالا، عندما أتوا ليعتقلوه، أثبت يسوع لتلاميذه بأنه يرفض السلاح والعنف: «فَلَمَّا رَأَى الَّذِينَ حَوْلَهُ مَا يَكُونُ، قَالُوا: «يَا رَبُّ، أَنَضْرِبُ بِالسَّيْفِ؟» وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ الْيُمْنَى. فَأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ: «دَعُوا إِلَى هذَا!» وَلَمَسَ أُذْنَهُ وَأَبْرَأَهَا.» (لوقا٢٢: ٤٩-٥١) لقد كسر يسوع حالة العنف التي دخل فيها التلاميذ دفاعَا عنه، وأعاد السلام بشفاء الجرح الذي سببوه، وأعاد أذُن مَن أتى ليشارك باعتقاله! لم يُرِد يسوع من تلاميذه أن يدافعوا عنه بالسيف، بل أعاد أذن المُصاب وأفسح لتلاميذه المجال بأن يُسمعوه البشرى السارّة!
لقد قبل يسوع الصليب مظلومًا وكسر بقيامته أقوى عدو يهاجم الإنسان: الموت… هُوَ لم يُرِد أن يكون ملكًا أرضيًّا، وقد قال ذلك لبيلاطس صراحةً: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا». فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي» (يوحنا١٨: ٣٦-٣٧)…
لذلك، نحن المسيحيين على مثال الرب والمعلم، نعلن أن مملكتنا ليست من هذا العالم، وجهادنا روحي من أجل الحق!
نحن نرفض حمل السلاح دفاعا عن الإيمان والحق، بل نحمل الصليب ونرتفع عليه لنصير على مثال معلمنا الذي بموته وقيامته أعلن انتصار المحبة والحق!
نعلن الحق لأن صوت معلمنا يسوع وكلمته في قلوبنا وأفكارنا وأفعالنا، ولا ندمج الإيمان بسياسات زمان ومكان وأشخاص… فالأوضاع السياسية والعرقية والثقافية التي تلون الجماعات البشرية، لا يخضع لها الإيمان، بل يبقى الإيمان في قلوب الناس ليجعل كل الناس على ألوانهم أكثر إنسانية…
لذلك أقول: من يحمل صليبه ويرفعه بيده لا يمكن أن يكون قادرًا على حمل السلاح في وجه الآخرين، لو مهما كانت القضية شريفة… فسيف الكلمة، كلمة الله، هو أمضَى من أسلحة القتل…
ليتنا نتوقف عن إدخال الدين (وإيماننا المسيحي) في حروب تصفية الحسابات السياسية، التي لا طائل منها، لانها تخضع لمصالح الدول وعابدي المال، وننصرف للأهم ولاختيار النصيب الأفضل.
م.