نعيش اليوم مرحلة صعبة حيث أثارت جائحة COVID-19)) العديد من التحديات أمام أنظمتنا التربوية، فوضعت قيوداً على الحياة العامة لم يكن من الممكن تصورها قبل بضعة أشهر فقط، وازدادت حدة التحدي الذي يواجه القيادة المدرسية حول كيفية استمرارية العملية التعليمية من مرحلة رياض الأطفال حتى نهاية التعليم الثانوي، فالتقدم في ظل هذه الأزمة يُعد أمراً شاقاً، حيث لا توجد حلول سهلة، وغالباً لا توجد خطة عمل دقيقة للقيادة، ولا مسارات واضحة محددة مسبقاً، فكيف ستستمر القيادة المدرسية عندما لا نستطيع التنبؤ بما سيحدث؟.
وهنا يمكن تلمُّس تأثير هذه الأزمة على دور القيادة المدرسية، فمع إغلاق المدارس، لم تتزعزع فرص التعلم المباشر فحسب بل والتفاعل الاجتماعي للطلاب مع الأصدقاء والأقران والمعلمين في المدارس أيضاً، في هذه الفترة عمل القادة على تهيئة البيئات التي تدعم المعلمين والطلاب وعائلاتهم للاستمرار في التواصل والتعلم أثناء الجائحة سواء في المدرسة أو في المنزل، إما باستخدام الموارد التكنولوجية الموجودة أو التلفزيون أو الهواتف المحمولة.
لقد ألقى هذا الوباء الضوء على مشاكل مختلفة في أنظمتنا التعليمية، لكنه قدم أيضاً فرصاً لابتكار الأفكار الإبداعية حول كيفية مواجهة هذه التحديات، ففي مثل هذه الأوقات وفي ظل قلة المعلومات، انخرطت القيادة المدرسية والمعلمون في الإبداع والمهنية للحفاظ على روابطهم مع الطلاب، وفي إيجاد التكنولوجيا المناسبة لاستمرارية تواصل المعلمين مع طلابهم وأولياء أمورهم.
لقد غيّر (COVID-19) مفاهيم وممارسات القيادة بشكل كبير، ففي حين استمر مديرو المدارس في قيادة مدارسهم لكنهم باتوا يفعلون ذلك بطرق لم يتخيلوها قبل عدة أشهر، هم يقومون بذلك عبر الإنترنت، لقد أصبحوا الآن قادة عن بُعد، بعيدون ومنفصلون عن أولئك الذين يقودونهم، ومنفصلون عن الطلاب الذين اعتادوا ملء مدارسهم، هذه أوقات صعبة ومرهقة ولا يمكن التنبؤ بها بالنسبة للقادة في أي قطاع، فكيف بالنسبة للقيادة المدرسية حيث يكون الانفصال عن الطلاب مؤلماً بشكل أعمق.
بالنسبة لقادة المدارس الذين يعملون في هذه الظروف الصعبة والفوضوية، فإن الضغط الذي يتعرضون له لا هوادة فيه، والخيارات محدودة، أولياء الأمور والطلاب والمعلمون موجودون الآن في عالم تعليمي مُربك، يقضي القادة وقتهم في التأثير والتفاعل مع الآخرين من خلال شاشة الكمبيوتر أو الهاتف، من خلال قضاء ساعات لا نهاية لها على المنصات مثل ((Teams أو (Zoom) أو غيرها، يعتمدون على إرشادات وإجراءات وبروتوكولات يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها، وعليهم التعامل مع كل هذه المواقف المتغيرة والتصرف بسرعة وبصيرة في الوقت نفسه، مع مراعاة الخيارات والعواقب والآثار الجانبية للإجراءات المتخذة، القيادة المدرسية اليوم كمن يسير على حبل بدون شبكة أمان، فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بما قد يكون أفضل الحلول وأفضل الإجراءات خلال هذه الأزمة، لكن هناك بعض المهارات القيادية والأساليب الفعالة التي ستساعد القيادة المدرسية على أداء دورها خلال هذه الأزمة، سوف نذكر بعضاً منها:
- القدرة على التأقلم حيث تتطلب الأزمات من القادة التفكير بشكل خلاق والتكيف بسرعة مع الوضع المتغير وتغيير الاتجاه بمرونة وسرعة إذا لزم الأمر، مع القدرة على اتخاذ القرار الحاسم، إنها تتطلب باختصار التعامل مع الوضع الفوري إضافةً إلى امتلاك رؤية مستقبلية لتحقيق أفضل بيئة تعليمية وتعلمية ممكنة.
- بناء العلاقات وإرساء الثقة المتبادلة في أزمة ما ليس بالأمر السهل ويتطلب من القائد أن يمتلك مهارة الاستماع الفعال وقبول النصح والنقد والقدرة على إيصال آرائه بشفافية ومصداقية، مثل هؤلاء القادة قادرون على توصيل رؤية مشتركة مقنعة ومدروسة وواقعية وقابلة للتحقيق.
- التواصل المستمر والواضح مع كافة عناصر العملية التعليمية من طلاب وأولياء أمور ومعلمين، والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وجميع أشكال التواصل الأخرى على نطاق واسع لضمان إرسال الرسائل الصحيحة إلى الأشخاص المناسبين، تختلف وسائل الاتصال في ثرائها، وعندما تكون المعلومات مهمة كما هي في الأزمة الحالية، علينا اختيار وسائل الاتصال الأنسب، فقد يتم استخدام وسائل متعددة سواء أكان عبر البريد الإلكتروني أو (Whatsapp) أو من خلال المنصات على اختلافها وتنوعها.
- القيادة التعاونية يعتبر توزيع مسؤوليات القيادة والتفويض أكثر فاعلية من مناهج القيادة الأخرى في الأزمات، ويؤدي إلى تحسين جودة القرارات المتخذة حيث يمكن الحصول على وجهات نظر متعددة، خاصة إذا كان كل فريق مستقلاً وذاتي الإدارة، فنموذج العمل عن بُعد يسمح ببناء الفرق على أساس مهارات وقدرات أعضاء الفريق بدلاً من القرب الجغرافي.
- أن تكون رحيماً في جميع الأوقات أثناء هذه الأزمة له أهمية كبيرة لضمان أن تكون القرارات إنسانية.
في الواقع، يقف العالم اليوم عند مفترق طرق، فما هو مستقبل التعليم بعد (COVID-19)؟ وما المسار الذي ستسلكه المدارس؟ أعتقد أن هذه الجائحة سيكون لها تأثير كبير على كيفية التعلم والتعليم، وسوف نشهد زيادة في استخدام التعلم والتعليم المعززين بالتكنولوجيا من قبل الجامعات والمدارس وحتى الشركات، نحن شاهدون على إنشاء عصر تكنولوجي جديد في خضم لحظة محورية، فهل انتهت المدارس كما نعرفها؟ وهل سنخدم تقنياتنا أم أنها ستخدمنا؟.
قال البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة الميثاق التربوي العالمي “هناك حاجة اليوم إلى مرحلة جديدة من الالتزام التربوي تُشارك فيه جميع مكونات المجتمع. لنصغِ إلى صرخة الأجيال الجديدة، التي تُظهر ضرورة مسيرة تربويّة جديدة”، لقد تغيرت القيادة المدرسية بلا شك، وبينما تلعب التكنولوجيا دوراً، فإن البعد الإنساني للتعليم الفعال هو الذي سيصنع الفرق.