الحوار… كلمة لطالما تردّدت على مسامعنا نظرًا للحركيّة التي تحملها هذه الكلمة في طيّاتها! لا يقوم مجتمع من دون بنيان أسس الحوار. إنما ما هو الحوار الحقيقي؟ وهل نعي فعلاً معانيه؟ هل نفقه الحوار بين الأديان وتحديدًا الحوار الإسلامي المسيحي؟ أوَ ليست الأحداث الأخيرة التي جرت في أوروبا خير دليل وحافز ضروريّ من أجل إعادة بنيان أسس الحوار الحقيقي والفعّال؟ هل يجب أن تكون الديانتان بحال تنافس مستمرّ؟
صدر “كتاب حوار بين الأديان والحوار الإسلامي المسيحي” ليجيب على هذه الأسئلة متطرّقًا إلى البُعد اللاهوتيّ والعقائديّ والاجتماعيّ لهذا الحوار الذي بات ملحًّا في هذا الزمن فلا محالة من تعايش المسيحيين والمسلمين مع بعضهم البعض، من دون اقتناص أو تعصّب.
من هو صاحب الكتاب؟
بدأنا برحلة التعرّف على الحوار اللاهوتيّ من خلال القيام بمقابلة مع الخوري غي سركيس، الحائز على درجة الدكتوراه في اللاهوت من الجامعة اليسوعيّة الغريغوريّة الحبريّة (روما) وهو أستاذ محاضر في جامعة الحكمة وجامعة القديس يوسف. له مؤلّفات كثيرة ومن بينها “سر إلى العمق: تحدّيات الإيمان في رفقة القديس بطرس”، “الوحي في المسيحيّة” و”الإيمان في المسيحيّة”، و”اللاهوت في المسيحيّة”، و”أؤمن وأعترف، قراءة معاصرة في الإيمان المسيحيّ” بالاشتراك مع الأب كابي هاشم.
ماذا نجد في الكتاب؟
استعرض الكاتب في القسم الأوّل من الكتاب، حوار الأديان بشكل عام مفسّرًا مفهوم الديانات وواقعها في عالم اليوم، من أسس وقواعد وثمار من خلال بحث أكاديميّ، وأما القسم الثاني، فيتمحور حول تاريخ الحوار الإسلامي – المسيحيّ، مع بعض الاقتراحات من أجل مستقبل مثمر، متطرّقًا إلى مريم والمسيح في الإسلام، وما إذا كان نصارى القرآن ومسيحيو الكنيسة هم جماعة واحدة.
فضلاً عن ذلك، نجد في هذا الكتاب الكثير من الترجمات لنصوص لاهوتيّة لفلاسفة ولاهوتيين غربيّين ترجمهم صاحب الكتاب إلى العربيّة.
ما الحيثيّات التي دفعت بالكاتب إلى تأليف كتاب حول حوار الأديان؟
انطلق الكاتب من فكرة أنّنا نتغنّى في الشرق بعيشنا المشترَك، إنما يتبيّن لنا على أرض الواقع أننا نعيش إلى جانب بعضنا وليس مع بعضنا، إذ غالبيّتنا يجهل الآخر. نحن نعيش تحت سقف واحد إنما غرباء عن بعضنا. وهذه الغربة والجهل يولّدان العنف ولو بشكل مستتر ليتفجّر في أيّ لحظة. فنجد اللامبالاة والتوليف، وصحوة الهويّة خوفًا من العولمة فنصبح أكثر انغلاقًا وتعصّبًا. هذا إلى جانب السخريّة والإسقاط الذي ننزله على الآخر متناسين أنّ ما يعطي المستقبل هو الحوار.
الحوار هو جواب على هذه المواقف، ونقتبس هنا عبارات من الكتاب، من الفصل الخامس الذي يتحدّث عن أهميّة الحوار الإسلاميّ-المسيحيّ، حين شدّد الكاردينال الراحل “جان لويس توران” في وجه المتردّدين على ضرورة الحوار: “الحوار هو أمر ضروريّ اليوم أشدّ من أي وقت مضى. فغالبيّة المسلمين لا يرون صورة ديانتهم في الأعمال الوحشيّة الحاصلة، كما أنّ الاستمرار في الحوار، على الرغم من الاضطهادات، علامة رجاء. الحوار الإسلاميّ – المسيحيّ هو أشدّ الحوارات الدينيّة إلحاحًا وأهميّة، بل هو فرض مطلَق. هو ليس خيارًا عابرًا، بل ضرورة حيويّة يرتبط بها مستقبل الأرض. تضمّ الديانتان أكثر من نصف البشر، وتتميّزان بالبعد التبشيريّ. هما إذًا “في حال تنافسيّة”. المسيحيّون والمسلمون “مدعوّون ومضطرّون إلى العيش معًا”.
وتابع الخوري غي في مقابلته، ليشير إلى أنّ كلّ حوار وكلّ مجتمع هو قائم على أربعة أعمدة، بحسب القديس البابا يوحنا الثالث والعشرين، فكلّ مجتمع لكي يكون راسخًا هو بحاجة إلى الحقيقة وهي بدورها يجب أن تترافق مع المحبّة لأنّها إن فُقدت الأخيرة يصبح هدف الحقيقة التجريح، والمحبة بلا حقيقة تصبح مساومة. العامود الثاني هو العدالة، الثالث هو المحبة، وأما العامود الرابع فهو الحريّة التي تتنافى والتسامح.
تجدر الإشارة إلى أنّ الكتاب هو من منشورات دار المشرق والنسخة الرقميّة للكتاب هي متوافرة على amazon Kindle. سنتابع معكم بسلسلة من المقالات حول الكتاب لنتذوّق معًا الأفكار الرئيسة منه، على أن يغوص الراغب في معانيه أكثر ما إذا أراد ذلك.
- يتبع –