تسلّل العصر الجديد في الكنيسة (73)
رأي الكنيسة المقدّسة في تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي (1)
الصلاة المسيحيّة والتقنيّات اللاشخصيّة المتمحورة حول الأنا
تتناقض روحانيّة اليوغا وتأمّل الوعي الكامل Mindfulnessوما شابهها من تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي، مع الروحانيّة المسيحيّة، وهذا الأمر واضح في تعاليم الكنيسة المقدّسة. بالفعل، لقد صدر عن حاضرة الفاتيكان تعليمٌ بشأن بدعة العصر الجديدNew Age وتقنياتها في وثيقة: “يسوع المسيح الحامل الماء الحيّ”، في 3 شباط، سنة 2003[1] وفي “الرسالة الى أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة في بعض مظاهر التأمّل المسيحي” في 15ت سنة 1989[2] . شرحت هاتان الوثيقتان جوهر التأمّل المسيحي وماهيته، وحذّرت أنّه متى مارس المؤمن تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي يُخشى أن يعتنق معتقدات الهندوسيّة والبوذيّة المرتكزة على محوريّة الأنا والحلوليّة والتقمّص ومعتقدات أخرى تتناقض والإيمان الكاثوليكي. كما أشارت إلى محاذير الخلط بين طرق التأمّل المسيحي والتأمّل غير المسيحي. وهناك أيضًا تعليم عن اليوغا في “التعليم المسيحي الكاثوليكي للشبيبة”، اليوكات.
في الحقيقة للكنيسة الكاثوليكية رأيٌ واحد وليس عدّة آراء متناقضة بخصوص كلّ هذه التقنيات. سنعرضها باختصار مع الإشارة إلى أن هذا التعليم ينطبق أيضًا على “تأمّل الوعي الكامل”Mindfulness بما أنّه تأمّل بوذي كما سبق وأكّدنا في المقالات السابقة.
- الرسالة إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في بعض مظاهر التأمّل المسيحي
يمكن اختصار الأفكار الرئيسة الواردة في هذه الرسالة كالتالي:
هدف الرسالة
– نظرًا لرواج طرق جديدة في الصلاة بتأثير من الحضارات الشرقيّة لدى شريحة كبيرة من المسيحيين، تهدف هذه الرسالة الموّجهة إلى الأساقفة إلى معالجة هذا الموضوع الملحّ كي لا تتناسى مختلف الكنائس الطبيعة الدّقيقة الشخصيّة والمشتركة للصلاة المسيحيّة (الفقرة1).
– في خضم الإنفتاح وعمليّة التبادل ما بين الأديان، يعتقد الكثير من المسيحيين أنّه يكسب الكثير من وحي وسائل التأمّل هذه، وأغلبهم يمارسونها إلتماسًا للعلاج. لكنّهم بالمقابل تخلّوا عن العديد من وسائل التأمّل المسيحي. فهل يمكن أن نُغني إرثنا الروحيّ المسيحيّ باتّباع طريقة جديدة في الصلاة؟ (الفقرة2).
ماهية الصلاة المسيحية
– الصلاة المسيحيّة هي حوار شخصيّ وعميق بين الإنسان والله. وهي تنبذ التقنيّات اللاشخصيّة المرتكزة على الأنا، والتي تخلق وسائل لا إراديّة تسجن المصلي في روحانيّة ذاتيّة إنغلاقيّة غير قادرة على الإنفتاح الحرّ نحو الله المتعالي. الروحانيّة المسيحيّة، والصلاة المسيحيّة، تقومان على لقاء حريتَين: حريّة الله المطلقة وحريّة الإنسان المحدودة (الفقرة 3).
– الصلاة المسيحيّة مأخوذة من الوحي الكتابي، بخاصة من العهد القديم، ومن نشيد الأناشيد والمزامير، تذكُّراً لأعمال الله العظيمة تجاه شعبه المختار (الفقرة4).
– إنّ تجسّد المسيح وموته وقيامته، في العهد الجديد، يكشف لنا عمق محبّة الله. ويقوم الروح القدس بإدخالنا في هذه الأعماق، فهو روح الحقّ المرشد الذي يذكّرنا بكل ما علّمه المسيح وعَمِلَه من أجلنا (الفقرة5).
الوحي الإلهي والصلاة
– هناك رابط بين الوحي الإلهيّ والصلاة، فالله يدعونا إلى شركة في حياته الإلهيّة. والكنيسة توصي بقراءة كلمة الله كوسيلة للصلاة، ليقوم حوار بين الله والإنسان. فنحن نحدّثه عندما نصلّي ونسمعه عندما نقرأ الوحي الإلهي (الفقرة6).
– ترتبط الصلاة المسيحيّة بحركة الثالوث وتتجلّى في صلاة الأبانا وتفترض أن تقوم الصلاة في ما يتوافق وروح الكنيسة الصحيح، وتحت إشرافها. وحتى عندما يصلّي المسيحي بشكلٍ منفرد، فهو يُدرك أنه يُصلّي باتحاد مع المسيح بواسطة الروح القدس ومع كلّ القدّيسين لخير الكنيسة (الفقرة7).
طرائق خاطئة في الصلاة
– منذ بداية المسيحيّة واجهت الكنيسة طرائق خاطئة في الصلاة، منها انحرافان اثنان هما المعرفة الكاذبة (الغنوصيّة) والمساليانيّة. ويستمرَ هذان الإنحرافان في الصلاة حتى يومنا هذا، ويؤثّران في عددٍ كبير من المسيحيين الذين يعتبرونهما علاجًا نفسيًا وروحيًا وطريقةً سريعةً للعثور على الله (الفقرة10).
– في مواجهة الغنوصيّة، يؤكِّد آباء الكنيسة أنّ المادة هي من خَلق الله، وليست شرًا، وأنّ النِّعمة هي هبة مجانيّة من الروح القدس، وليست من طبيعة النفس البشريّة، وأنّ الإستنارة الروحيّة الغنوصيّة (المعرفة الكاذبة) لا تزيد الإيمان، وأنّ علامة المعرفة الإلهيّة الحقيقيّة المحبّة المسيحيّة، التي هي بدورها ثمرة للصلاة (الفقرة 8).
– لا يمكن الحكم على صحّة الصلاة المسيحيّة استناداً إلى سموّ المعرفة الغنوصيّة، ولا بحسب المسيالينيّة التي تعتمد الخبرة النفسيّة لتأكيد حضور الروح القدس في النفس. إنّ وحدة النفس مع الروح القُدس تتحقق من خلال الأسرار الكنسيّة، ومن خلال سر صليب ربنا الذي هو محور الصلاة (الفقرة 9).
يوغا مسيحية؟؟
وتحذّر الوثيقة بشدة من خطر مزج التأمّل المسيحي بالتأمّل غير المسيحي فتقول:
– “مع انتشار طرق التأمّل الشرقيّة، نجد أنفُسنا تجاه محاولة مملوءة بالمخاطر والأغلاط، لمزج التأمُّل المسيحي بالتأمّل غير المسيحي. ويوازي البعض بين الفكر المطلَق الخالي من الصور والمبادئ، الخاص بالبوذيّة، وعظمة الله المتجسّدة في المسيح، والتي تسمو فوق أيّ حقيقة متناهية. ولا يتورّعون عن اللجوء إلى لاهوت النَّفي، الذي يُنكر وجود الله، وأنّ حقائق العالم الماديّ تشكّل دليلًا على لا نهائيّة الله. ويقترحون التخلّي عن التأمّل بالأعمال الخلاصيّة التي قام بها الله في العهدين القديم والجديد، وينكرون الإله الواحد الثالوث، إله المحبة، لينغمسوا في “الهوّة المبهمة للألوهيّة”. لذلك “يجب مراقبة هذه الإقتراحات وكلّ ما هو مشابه لها، التي تسعى إلى تطابُق التأمُّل المسيحي مع التقنيات الشرقيّة، مع التَّمييز الدَّقيق لفحواها ووسائلها، لئلا نقع في شباك تلفيقيّة ضارة” (الفقرة 12).
وتلفت إلى انّ التأمّل المسيحي علاقة مع الله لا ذوبان فيها:
– في المسيحيّة، هناك غيريّة أو ثنائيّة في العلاقة مع الله. فلا حلوليّة ولا ذوبان، بل تمييز بين الله الخالق، والمخلوق: “لكي نقترب من سر الوحدة مع الله، الذي سمّاه الآباء اليونانيّون تأليه الإنسان. ولمعرفة كيفيّة تحقيق هذه الوحدة، يجب أن يؤخَذ بعين الإعتبار قبل كلّ شيء أنّ الإنسان مخلوق وسيبقى كذلك إلى الأبد، حتى أنّ اندماج الأنا البشريّة مع الأنا الإلهيّة مستحيل، حتى في حالات أسمى النِّعَم” (الفقرة 14)
يتبع
[1]http://www.vatican.va/roman_curia/pontifical_councils/interelg/documents/rc_pc_interelg_doc_20030203_new-age_fr.html
[2]http://www.vatican.va/roman_curia/congregations/cfaith/documents/rc_con_cfaith_doc_19891015_meditazione-cristiana_fr.html