على الرغم من التغييرات العديدة والمتقلبة التي مررنا بها وعلى الرغم من أن قطاع التعليم يُعد أحد أكثر القطاعات تضرراً في مجتمعنا بسبب الوباء العالمي الناجم عن فيروس كورونا الجديد لا يزال التعليم أقوى أداة للنمو والتطور الفردي والجماعي.
تقوم العديد من المؤسسات التربوية بالتعليم عن بُعد منذ بداية الجائحة أي منذ حوالي عام وستستمر تبعاً للوضع الوبائي حتى نهاية الفصل الدراسي، فماذا فعلت في البداية وتواصل القيام به لأنه ينجح؟ وماذا فعلت في البداية وكان عليها تغييره ولماذا؟ وما الذي لم تكن تفعله في البداية والذي تفعله الآن ولماذا؟.
كشف نموذج التعلُم عن بُعد عن التناقضات والتحسينات المطلوبة في مجالات التكنولوجيا، والخدمات الاجتماعية التي تقدمها المدارس، ونوعية العلاقة بين المعلم والطالب، فضلاً عن تواصل أولياء الأمور مع معلمي أبناءهم، حيث وضعت المدارس بالفعل مفاهيم تعليمية متغيرة، مما دفع المعلمين والقيادة المدرسية إلى إعادة تقييم وإعادة ابتكار الشكل الذي سيبدو عليه التعليم في المستقبل القريب.
وبالنظر إلى التجربة المباشرة التي مررنا بها جميعاً مع هذا الوباء، هناك تساؤلات عديدة حول مدى نجاح هذه التجربة وكيف سيكون استعدادنا للمرحلة المقبلة كمدرسة، أولياء أمور ووزارة التربية والتعليم، قد تكون هذه التساؤلات فرصة لنا لإعادة تصور التعليم تماماً بينما نتخلى عن النماذج البالية.
المدرسة والقيادة المدرسية:
هل استطاعت المدرسة اليوم دمج التقنيات المختلفة لتحسين العمليات التعليمية؟ هل تطورت الأدوات التكنولوجية المتوفرة في المدرسة لتصبح جزءاً لا يتجزأ من المناهج الدراسية؟ ماذا قدمت غير المتابعة على المنصات للأهل والطلاب؟ هل قدمت دورات تدريبية للمعلم حول آلية التعليم عن بُعد من أساليب ووسائل وطرق وآليات ومبادرات؟ وهل استطاع المعلم مواكبة هذه التكنولوجيا ودمجها في استراتيجيات التعليم لتعزيز جودة التعليم وتعزيز مشاركة الطلاب؟.
كان من الضروري إكساب المعلمين مستوى معين من الكفاءة اللازمة للتعلم عن بُعد للعمل بفعالية، خلاف ذلك، سيمثل هذا عائقاً نحو نجاح وفعالية التعلم، الآن وبعد عام من التعليم عن بُعد في مدارسنا، تبين مدى الحاجة إلى تعاون القيادة المدرسية مع المعلمين وأصحاب الخبرات الأكاديمية لتقديم خبرات تربوية وتعليمية هادفة، ونظراً لأن التعلم عن بُعد يختلف عن التعلم المباشر، فسيحتاج المعلمون إلى التعامل معه بطريقة مختلفة، ومع ذلك، لا يزال العديد من المعلمين يواجهون عقبات مع التعليم عن بُعد.
سيحتاج قادة المدارس إلى ضمان حصول المعلمين على فرص التطوير والتدريب التكنولوجي بحيث لا تقتصر هذه الفرص على دورات حول كيفية استخدام المنصات التعليمية المختلفة مثل (Teams, Edunation, Zoom) بل وأن تشمل هذا الدورات المهارات الأساسية أيضاً، مثل كيفية تنفيذ أفضل استراتيجيات التعلم عن بُعد والتعليم والمتمازج، وبناء علاقات إيجابية وداعمة مع الطلاب عن بُعد.
كما يتطلب التعلم عن بُعد التفاني من جانب القيادة المدرسية التي يجب أن تعمل وتتعاون مع العديد من الأفراد، لاسيما المعلمين وأولياء الأمور لضمان أن عملية التعليم والتعلم وجميع خدمات الطلاب يتم تطويرها وتخطيطها بفعالية وكفاءة، على القادة فهم البيئة الخارجية والتكيف بسرعة مع التغيير، وتوفير الفرص لتطوير القيمة والجودة في البرامج التعليمية لكل من المعلمين والطلاب فهما الروابط الحيوية في عملية التعليم والتعلم.
إن فعالية المعلم داخل المدرسة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإنجاز الطلاب، فإذا أردنا التقدم لطلابنا في هذه الأوقات الصعبة، فإن الاهتمام بإحساس المعلمين بالكفاءة في المشاركة في نمط تعليمي يجعلهم أكثر قدرة على القيام به، فكلما زادت قوة إحساس الشخص بالفاعلية، زاد الجهد الذي يبذله وزادت احتمالية استمراره في مواجهة الصعوبات، لقد جعل التعليم خلال الوباء المعلمين مرهقين، فهل حاولت القيادة المدرسية أن تحافظ على تشجيع المعلمين وترقيتهم خلال هذا الوقت؟ هل ساعدتهم على تنفيذ وضمان تجربة تعليمية عالية الجودة لجميع الطلاب؟.
أولياء الأمور:
أحد الآثار الملموسة للتعلم عن بُعد هو العبء الإضافي على أولياء الأمور العاملين خاصة أولئك الذين يواجهون تحديات اقتصادية ولا يستطيعون الاستعانة بمعلم لمساعدة أطفالهم، أضف إلى ذلك أن توجيه الطلاب والتوفيق بين العمل والأولويات الأخرى كان أمراً صعباً خاصة بالنسبة لأولئك الذين لديهم أطفال أصغر سناً، ومثل تحدياً للآباء ممن لديهم مستوى أقل من التعليم، فكيف يمكنهم توجيه أو حتى تعليم أطفالهم في حين أنهم هم أنفسهم لا يمتلكون الكفاءات المطلوبة للقيام بذلك؟ ففي التعلم عن بُعد، تعد قدرة الآباء على مساعدة أطفالهم أمراً بالغ الأهمية، هذه حقيقة أخرى يجب أن تأخذها المدرسة في الاعتبار، فما مقدار تأهيل الأهل لهذا الأسلوب المساند؟ وهل تم عقد لقاء مع المرشد التربوي والنفسي في المدرسة لاستكشاف التحديات التي يواجهونها أولياء الأمور والطلاب؟ أو تطوير برامج تعليمية إرشادية للطلاب وأولياء الأمور؟ حيث ينبغي أن يكون هناك تركيز أكبر على الصحة النفسية فالطلاب بعد انفصالهم فجأة عن حياتهم المدرسية يواجهون صدعاً هائلاً في أنماط حياتهم الاجتماعية والأكاديمية وليس من المستغرب أن يتطلع أولياء الأمور إلى القيادة المدرسية وحتى المعلمين للحصول على مزيد من الدعم خاصة عندما يتعلق الأمر باستخدام التكنولوجيا وإنشاء قنوات اتصال واضحة مع المعلمين.
فضلاً عن ذلك أثار التعليم عن بُعد أنواعاً معينة من الغش حيث قام الآباء وأحياناً الأشقاء الأكبر سناً بالواجبات أو الاختبارات المدرسية بشكل متكرر، حيث يعتقد الآباء أنهم يساعدون أبناءهم، لكنهم لا يفعلون، فإذا علم الطلاب أن شخصاً آخر سيقدم الإجابة، فسوف يتوقعون حدوث ذلك عند عودتهم إلى المقاعد الدراسية، فكيف سيكون الأمر عند إعادة فتح المدارس، حيث سيتعين على الطلاب القيام بالعمل بأنفسهم؟ نريد أن يحب الطلاب التعلم ويفهمون كيفية التعلم وأن يكون لديهم القدرة على طرح الأسئلة، من الأفضل رؤية الطالب يحاول شيئاً ويفشل ويطلب المساعدة بدلاً من عدم المحاولة، الآباء هم قدوة، وأفضل طريقة يمكن أن يساعدوا بها هي تعليم أطفالهم تحمل مسؤولية تعلمهم.
هناك تحدِ آخر واجه أولياء الأمور وهو عدم توفر تقنيات الغرف الصفية المتطورة والمتكاملة في المنزل، ومع ذلك فرض التعلم عن بُعد مجموعة مختلفة من الأدوات التكنولوجية الضرورية للغاية، وإن لم يكن الطلاب، وبالتالي أولياء أمورهم على دراية بالتكنولوجيا فهذه معركة شاقة بالنسبة لهم، حيث من المحتمل أن بعض الطلاب وأولياء الأمور لم تتح لهم الفرصة للانخراط في التكنولوجيا التي يعتبرها معظمنا أمراً مفروغاً منه، لذلك كان هناك حاجة إلى برنامج توجيه تكنولوجيا التعلم عن بُعد لأولياء الأمور والطلاب.
وزارة التربية والتعليم:
كان هناك نقص واضح في الكوادر المؤهلة والمدربة، فإذا كان المعلمون يفتقرون إلى التدريب المناسب في طرق التعليم عن بُعد والتكنولوجيا والمناهج الدراسية، فمن الطبيعي أن يتعثروا، لذلك كانت هنالك حاجة ملحة إلى برنامج تدريب للمعلمين، والاستثمار في قدرة المعلم على الإبداع والابتكار، أضف إلى ذلك ليست كل المواد الدراسية ملائمة للتعلم عن بُعد، فهل تم العمل على تطوير المناهج وملاءمتها للتعلم عن بعد؟ وهل وفرت وزارة التربية الموارد والمعلومات لكل من المعلمين والمتعلمين؟ هل أتاحت فرصاً للتدريب وندوات للمعلمين عن بعد؟ هل حصلت المدارس (المعلمون والقادة) على مزيد من التعلم والتطوير لدعمهم للعمل عن بُعد مع طلابهم؟.
كما افتقر العديد من الطلاب والمعلمين إلى البنية التحتية لهذه التكنولوجيا الحديثة في المنزل، وقد بدت هذه المشكلة أكثر وضوحاً بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية حيث يكون الإنترنت غالباً ضعيف، فهل استطاعت الوزارة أو مديريات التربية توفير مواد تعليمية مطبوعة إلى المنازل لأولئك الذين ليس لديهم إمكانية الحصول على جهاز كمبيوتر أو تعذر توصيل الإنترنت لديهم؟ هل قدمت الدعم اللازم لاستمرارية التعليم؟ هل أجرت الوزارة مسحًا للمدارس للتأكد من جاهزية المدارس للتعلم عن بعد؟.
لقد حان الوقت الآن للاستعداد للمستقبل، فلماذا لا نبدأ في تطبيق اللامركزية في التعليم وإعطاء مسؤوليات إضافية للمدارس وتمكين القيادة المدرسية والمعلمين من اتخاذ القرارات داخل المدرسة بهدف تحسين الكفاءة، وتحسين جودة التعليم؟.
هذه التساؤلات هي مجرد غيض من فيض، هناك عدد لا يحصى من القضايا التي يجب مواجهتها في التعلم عن بُعد، بعضها تقني والبعض الآخر إنساني.
ومع كل الاهتمام بإعادة فتح المدارس تحتاج القيادة المدرسية ووزارة التربية والتعليم أيضاً إلى التركيز على كيفية إعداد الطلاب للعالم بعد الوباء، حيث يعتقد بعض المعلمين والعديد من الإداريين والقادة التربويين أن التعلم المتمازج والتعلم عن بُعد مؤقت وأنه بعد مرور هذه الأزمة، يمكننا العودة إلى الوضع القديم، لا عودة إلى الوراء نحن بحاجة إلى الاستيقاظ على حقيقة أن هذه لحظة قابلة للتعليم وفرصة حتى يتعلم الطلاب كيفية الارتقاء بالمهارات طوال حياتهم من خلال مسارات تعليمية بديلة ومبتكرة.
فالتغيير يسيطر على عالمنا والتعليم هو وسيلة رئيسية لبدء وإدارة واستدامة واستقرار بيئاتنا، والأهم من ذلك الأساليب التربوية أو عمليات التعليم والتعلم التي نستخدمها لنقل المُثل والمعايير والممارسات التي نتبناها من جيل وعصر ومكان إلى الجيل التالي، وعلى الرغم من جميع التطورات والابتكارات التكنولوجية، لا يزال التعليم المباشر هو الطريقة الأكثر ثراءً وفعالية لإشراك الطالب في التعلم، علمتني تجربتي المحدودة أن التعليم نداء جميل، يعتمد على اللقاءات وجهاً لوجه وأن أي بيئة تعليمية لا توفر اتصالاً بين المعلم والطالب ستضعف جودة وفعالية العمليات التعليمية.