vatican media

الصلاة في الحياة اليومية

النص الكامل للمقابلة العامة مع المؤمنين يوم الأربعاء 10 شباط 2021

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

42. الصّلاة في الحياة اليوميّة

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

رأينا في التعليم السابق عن الصّلاة أنّ الصّلاة المسيحيّة متأصلة في الليتورجيّا. سنبيّن اليوم كيف تعود دائمًا الصّلاة من الليتورجيا إلى الحياة اليوميّة: في الشارع، وفي المكتب، وفي وسائل النقل… وهناك يستمر الحوار مع الله: من يصلّي هو مثل العاشق، الذي يحمل دائمًا الشخص المحبوب في قلبه، أينما كان.

في الواقع، كلّ شيء يدخل في هذا الحوار مع الله: كلّ فرح يصبح سببًا للتسبيح، وكلُّ شدة فرصةً لطلب العون من الله. الصّلاة دائمًا حيّة في الحياة، مثلُ جمر النار، حتى عندما لا يتكلم الفم، ولكن القلب يتكلم. كلّ فكرة، حتى لو كانت في الظاهر أمرًا عاديًّا ولا صلة لها بالله، يمكن أن تكون موضوع صلاة. حتى في العقل البشري يوجد وجه للصّلاة. فهو في الحقيقة نافذة تشرف على السر: إنّها تنير الخطوات القليلة التي نخطوها ثم تنفتح على الواقع كلّه، هذا الواقع الذي يسبق العقل ويتجاوزه. هذا السر ليس له وجه مزعج أو مثير للقلق، كلا: لأن معرفة المسيح تجعلنا واثقين أنّه حيث لا تستطيع أعيننا وأعين عقولنا أن ترى، لا يوجد العدم، بلهناك من ينتظرنا، توجد نعمة لا حد لها. تسكب الصّلاة المسيحية في قلب الإنسان رجاءً لا يُقهر: مهما كانت الخبرة التي نلقاها في مسيرتنا، يمكن لمحبة الله أن تحوِّلها إلى خير.

في هذا الصدد، يقول التعليم المسيحيّ: “نتعلم الصّلاة أحيانًا بالاستماع لكلمة الرّبّ، وبالاشتراك في سرّه الفصحيّ. ولكنّه يمنحنا أيضًا روحه الذي يجعل الصّلاة تتدفق فينا، في كلّ وقت، وفي أحداث كلّ يوم. […] الوقت بين يدّي الآب. ونحن نلتقيه في الحاضر، لا في الأمس ولا في الغد، بل اليوم” (را. رقم 2659).اليوم ألتقي بالله، هناك دائمًا يوم اللقاء.

لا يوجد يوم رائع غير اليوم الذي نعيشه.الناس الذين يعيشون وهم يفكرون دائمًا في المستقبل: “لكن المستقبل سيكون أفضل…”، ولكنهم لا يقبلون اليوم كما هو: إنّهم أناس يعيشون في الخيال، ولا يدركون الواقع الملموس. واليوم هو واقعي وملموس. والصّلاة تتم في اليوم. يأتي يسوع للقائنا اليوم، وهذا اليوم الذي نعيشه. والصّلاة تحوِّل هذا اليوم إلى نعمة، أو بالأحرى، تحوِّلنا: إنّها تهدئ الغضب، وتسند المحبة، وتضاعف الفرح، وتُفيض فينا قوّة المغفرة. سيبدو لنا في بعض اللحظات أنّنا لم نعد نحيا، نحن، بل النعمة هي التي تحيا وتعمل فينا من خلال الصّلاة.وعندما يأتينا تفكير الغضب وعدم الرضا فإنّه يقودنا نحو التحسُر. لنتوقف ولنقل للرّبّ: “أين تقيم؟ وإلى أين أنا ذاهب؟” والرّبّ موجود، وسيعطينا الكلمة الصحيحة والنصيحة للمضي قدمًا بدون هذا العصير المرالسلبي. لأنّ الصّلاة، وإن استخدمنا كلمة لا صلة لها بالله، هي دائمًا إيجابية. دائمًا. إنّها تقودك إلى الأمام. كلّ يوم يبدأ، إذا قبلناه بالصّلاة، صَحِبَتْه الشجاعة، والمشاكل التي نواجهها لن تكون عائقًا أمام سعادتنا، بل هي نداءاتٌ من الله، وفرصٌ للقائنا معه.وعندما يكون أحدٌ برفقة الرّبّ، سيشعر بأنّه أكثر شجاعة وحرية وسعادة أيضًا.

لذلك لنصلِّ دائمًا من أجل كلّ شيء ومن أجل الجميع، وأيضًا من أجل الأعداء.أوصانا يسوع بهذا: “صلوا من أجل أعدائكم”. لنصلِّ من أجل أحبائنا، لكن أيضًا من أجل الذين لا نعرفهم، ولنصلِّ حتى من أجل أعدائنا، كما قلت، وكما يدعونا الكتاب المقدس مرارًا إلى ذلك. الصّلاة تملأ المصلّي بمحبة فائقة. لنصلِّ بشكل خاص من أجل الأشخاص البائسين، من أجل الذين يبكون في الوِحدة، وقد يئسوا من وجود حب ما زال يخفق لهم. الصّلاة تعمل المعجزات. ويدرك الفقراء، بنعمة الله، أنّ صلاة المسيحيّ، حتى في وضعهم المهزوز، تجعل شفقة يسوع حاضرة: في الواقع، كان يسوع ينظر بحنان كبير إلى الجموع المتعبة والضالة مثلَ غنم لا راعيَ لها (را. مر 6، 34).الرّبّ يسوع هو – لا ننسى – ربّ الشفقة والقرب والحنان: ثلاث كلمات لا تُنسى أبدًا. لأنّه أسلوب الرّبّ يسوع: الشفقة والقرب والحنان.

تساعدنا الصّلاة أن نحبّ الآخرين بالرّغم من أخطائهم وخطاياهم. الإنسان يبقى دائما أهم من أفعاله، لذلك لم يحكم يسوع على العالم، بل خلّصه. إنّها حياة سيئة لأولئك الناس الذين يحكمون دائمًا على الآخرين، دائمًا ما يدينون ويحكمون: إنّها حياة سيئة وغير سعيدة. جاء يسوع ليخلصنا: افتح قلبك، واغفر، وبرّر الآخرين، وافهم، وكن قريبًا أيضًا من الآخرين، وارحم، وتحنن مثل يسوع. يجب أن نحبّ الجميع وكلّ واحد، وأن نتذكّر، في الصّلاة، أنّنا كلَّنا خطأة، وفي نفس الوقت يحبنا الله جميعًا، واحدًا واحدًا. إذا أحببنا هذا العالم هكذا، أي بحنان، سنكتشف أنّ كلّ يوم وكلّ شيء يحمل كامنًا في داخله جزءًا من سرّ الله.

يقول التعليم المسيحيّ أيضًا: «الصّلاة وسط أحداث كلّ يوم، وكلّ لحظة، هي أحد أسرار الملكوت التي كُشِفَت “للصغار”، لخدّام المسيح، للفقراء المذكورين في التطويبات. إنّه لحقٌ وعدلٌ أن نصلّي لكي يؤثّرَ في مجرى التاريخ مجيءُ ملكوت العدل والسلام. ولكن، من المهمّ أيضًا أن نجعل صلاتنا مثل عجينة تتضمن كلّ الأحوال اليوميّة الوضيعة. إذّاك كلّ أشكال الصّلاة يمكن أن تكون تلك الخميرة التي بها شبّه الرّبّ الملكوت” (را. رقم 2660).

الإنسان – الإنسان الرجل أو المرأة – مثلُ النسمة، ومثلُ العشب (را. مز 144، 4؛ 103، 15). كتب الفيلسوف باسكال: “ليس من الضروري أن يسلّح الكون كلّه نفسه من أجل سحقه، يكفي شيء من البخار، أو قطرة ماء لتدميره”[1]. نحن كائنات هشة، لكنّنا نعرف أن نصلّي: هذه هي أعظم كرامة فينا،وهي أيضًا قوتنا. تشجّع. صلِّ في كلّ لحظة، وفي كلّ حالة، لأنّ الرّبّ يسوع قريب منا. وعندما تكون الصّلاة بحسب قلب يسوع، فإنّها تحقق المعجزات.

* * * * * *

قراءة من رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل قولسّي (قول 3، 16-17)

“لِتَنزِلْ فِيكم كَلِمَةُ المسيحِ وافِرةً لِتُعلِّموا بَعضُكم بَعضًا وتَتبادَلوا النَّصيحةَ بِكُلِّ حِكمَة. رَتِّلوا للهِ مِن صَميمِ قُلوبِكم شاكِرين بِمَزاميرَ وتَسابيحَ وأَناشيدَ رُوحِيَّة. ومَهْما يَكُنْ لَكم مِن قَولٍ أَو فِعْل، فلْيَكُنْ بِاسمِ الرَّبِّ يسوع تَشكُرونَ بِه اللهَ الآب”.

كلامُ الرَّبّ

* * * * * * *

Speaker:

تأمّلَ قداسَةُ البابا اليَومَ في الصّلاةِ في الحياةِ اليوميّة. قالَ قداسَتُه: سنُبيِّنُ اليومَ أهميّةَ الصّلاةِ أي الحوارِ مع اللهِ في الحياةِ اليوميّة. في صلاتِنا اليوميّةِ في كلِّ لحظةٍ وحدث، يصبحُ كلُّ فرحٍ سببًا لتسبيحِ الله، وتصبحُ كلُّ شدّةٍ فرصةً لطلبِ العونِ منه. وتنيرُ الصّلاةُ خطواتِنا وواقِعَنا وتسكبُ في قلبِنا رجاءً لا يُقهر. وعندما نصلّي نلتقي مع اللهِ ونتغيّر. فالصلاةُ تُهَدِئُ غضبَنا وتَسْنِدُ محبّتَنا لله وللآخرين وتَزيدُ من فرحِنا وتُفيضُ فينا قوّةَ المغفرة. وكلُّ يومٍ يبدأ، إذا قبلناهُ بالصّلاة، صَحِبَتْهُ الشجاعة، والمشاكلُ التي نواجِهُهَا لن تكونَ عائقًا أمامَ سعادتِنا، بل هي نداءاتٌ من الله، وفرصٌ للقائِنا معه. وأضافَ قداسَتُه: علينا أن نصلّيَ دائمًا من أجلِ كلِّ شيءٍ ومن أجلِ أحبائِنا وأعدائِنا والبائسينَ ومن لا نعرفُهُم. فالصّلاةُ تعملُ المعجزات. ويدركُ الفقراءُ في وضعِهم البائسِ أنّ صلاةَ المسيحيّ تجعلُ شفقةَ يسوع حاضرة، كما حَدَثَ في زمنِه مع الجموعِ المتعبةِ والضالة. ودعانا قداسَتُه أن نحبَّ الجميعَ بالرّغمِ من أخطائِهِم وخطاياهُم، وأن نتذكّر، في الصّلاة، أنّنا كلَّنا خطأةٌ وفي نفسِ الوقتِ الله يحبُنا. فإذا أحببنا هذا العالمَ بحنانِ الله، سنكتشفُ في صلاتِنا أنّ كلَّ يومٍ وكلَّ شيءٍ يحملُ في داخلِه جزءًا من سرِّ الله.

Speaker:

أحيّي المؤمنينَ الناطقينَ باللغةِ العربية. نحن كائناتٌ ضعيفة، لكنّنا نعرفُ أن نصلّي: هذه هي أعظمُ كرامةٍ فينا. وعندما تكونُ الصّلاة بحسبِ قلبِ يسوع، فإنّها تصنعُ المعجزات. ليباركْكُم الرّبُّ جميعًا ولْيَحمِكُم دائمًا من كلِّ شر!

* * * * * *

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2021


[1]بليز باسكال، خواطر، 186.

 

 

 


© Copyright – Libreria Editrice Vaticana

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير