” يبدأ الصوم الكبير، نهار اثنين الرماد، حين تُرسَم إشارة الصليب المغمّسة بالرماد على جباه المعمّدين، المستعدين إلى تجديد حياتهم، وتغييرها وتحوليها نحو الأفضل، من خلال توبتهم وصومهم، وصلاتهم وممارسة أعمال الرحمة والمحبّة. قديمًا كانت عادة ذرّ الرماد على الرؤوس والأجساد، رمزًا لتطهير الجسد والنفس من الشوائب والخطايا، وتذكير الإنسان بأنّ جسده ترابٌ وإلى التراب يعود. “أُذكر يا إنسان أنّكَ تراب وإلى التراب تعود” (تك 3: 19). نعم، يعود الإنسان الجسديّ إلى التراب. والأجدى أن نقول “أُذكر يا إنسان أنّكَ من الله وإلى الله تعود”. نعم، تعود نسمة الحياة التي نفخها الله الخالق في التراب، “أُذكر يا إنسان أنّكَ من الحياة وإلى الحياة تعود”.
– مسيرة نحو التجدد
يرسم اثنين الرماد طريقًا نحو الجلجلة والموت والحزن، ومن ثمَّ إلى الانتصار والقيامة والفرح. اثنين الرماد هو مدخل إلى عبور الصحراء. هو بداية مسيرة نحو التحوّل والتغيير، للدخول في حالة أفضل، على مختلف الصُّعد: الخلاصيّ والروحيّ والإنسانيّ. تتطلّب بداية هذه المسيرة الروحيّة التواضع والإمّحاء، والإقرار بالخطيئة والضّعف، كما التوبة والتماس المغفرة، وموهبة الروح القدس وعطاياه. هذا كلّه، يصبّ في خانة العمل الجادّ، لإصلاح الذات وتنقيتها والدخول بعلاقة جديدة ومتجدّدة مع الله والذات والآخر. نعم، إنّها مسيرة توبة داخليّة حقيقيّة نحو الله، تتطلّب تجديدًا حقيقيًّا في مسيرة الذات، وتغييرًا جذريًّا في أعماق القلب والفكر، كما على صعيد المسلك والحياة، بأعمال منظورة وعمليّة، تبرهن عن التوبة، وتؤدّي نحو الأفضل. بالتأكيد يُعطي كلام الله ونعمته، والوعد بالملكوت والفردوس، السعيّ المستمرّ نحو الخلاص.
– وقفة أمام الذات
يدعونا اثنين الرماد، أي بداية الصوم الكبير، إلى خلع الإنسان القديم (العتيق)، ولبس الإنسان الجديد، على صورة السيّد المسيح “أمّا أنتم فما هكذا تعلّمتم ما هو المسيح ]…[ أي أن تُقلعوا عن سيرتكم الأولى فتخلعوا الإنسان القديم الذي تفسده الشهوات الخادعة، وتتجدّدوا روحًا وعقلاً، فتلبسوا الإنسان الجديد الذي خلقه الله على صورته في البرّ وقداسة الحقّ ]…[ تبصّروا إذًا تبصّرًا حسنًا في سيرتكم فلا تسيروا سيرة الجهلاء، بل سيرة العقلاء، منتهزين الوقت الحاضر، لأنّ هذه الأيّام سيّئة” (أفسس 4: 20-24 و5: 15-16). أوليست هذه الأيّام سيّئة؟ ما الذي يتوجّب علينا عمله؟ وكيف نتصرّف؟ كيف نتحضّر لاستقبال الربّ، وتسليمه الوزنات؟ هل نحن نسير فعلاً على الطريق الصحيح؟ أمّ أنّنا ابتعدنا عن الحقيقة؟ أَوَلَم نسأل ذاتنا يومًا “ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟ وماذا يعطي الإنسان بدلاً من نفسه؟” (متى 16: 24-26) “