Saint Joseph - San Giuseppe

Robert Cheaib - www.flickr.com/photos/theologhia

الرب يزيد “يوسف” في حياة يسوع

المقالة الثانية من سلسلة مقالات حول القديس يوسف

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

المقدمة

الإنجيليّان لوقا (1- 2) ومتى (1- 2) هما اللذان عرضا في بشارتيهما فقط أناجيل يُطلق عليها في لاهوت الكتاب المقدس بأناجيل الطفولة. وهذا يرجع إلى سردهم حدث الميلاد كلاً منهم من وجهة نظره الخاصة. هذه الإصحاحات التي يروي فيهما كِلا الإنجيليين أحداث الميلاد. فقد أعلن لنا متى البشير أصل يسوع البشري في التاريخ فبدأ بشارته قائلاً: «نَسَبُ يَسوعَ المسيح…» (مت 1: 1أ[1]). سنتوقف اليوم على أولى كلمات متى الإنجيلي، وإذ تسألنا لماذا إختار الإنجيلي ذِكر إسم يسوع المسيح في مُستهل كلمات بشارته؟ مدعويين في هذا المقال أن نتعرف على الأسباب التي جعلت الإنجيلي يُقُدم بشارته لنا واضعهًا أمامنا أول إسم وهو الأساس الذي يروي عنه إنجيله وهو إسم “يسوع”.

جوهر بشارة متى

الدافع الذي وراء تدوين الأناجيل واحد وهو سر يسوع الفصحي، أي سر الآلام والموت والقيامة، ولا يوجد هناك سبب آخر. هذا هو الخبر السار الذي حاول كلا من الإنجيليين الأربعة تبشيرنا به. والدليل على ذلك هو سرد أحداث الآلام، والموت والقيامة ترد في نهاية الأربعة أناجيل ولا يختلفوا عليها، إذ كلا منهم يُدُونها بحسب وجهة نظره. وبالتدريج عاد كلاً منهم لقراءة التاريخ البشري والإلهي معًا لشخص يسوع. فسردوا لنا بعض من التعاليم، المعجزات، … الأعمال التي ذكرها وفعلها يسوع. إلا أن متى ولوقا فقط أرادوا أن يسردوا أحداث سر التجسد وهي ما نطلق عليها الأحداث الميلادية في أول إصحاحين بأعمالهما. لذا لن نجد هذه الأحداث مشتركة بين كُتَّاب الأناجيل الأربعة بل متى ولوقا فقط.

أول إسم لدى متى

“يسوع المسيح” هو الأقنوم الثاني الذي تجسدّ وتألمّ ومات وقام. أي شخص يسوع الذي بعد تجسده تمَّمَ مشروع الآب الخلاصي. يسوع المسيح هو الضخصية الجوهرية التي تدور عنه الأحداث في البشائر الأربعة. لذا يضع أمامنا البشير إسم يسوع المسيح كأول كلمات يفتتح بها إنجيله ليساعدنا أن ندرك منطقه اللاهوتي لبشارته. يرغب متى أن يُعلمنا، منذ أول تعبير له أن يسوع المسيح إسمًا وحياةً هو جوهر إنجيله. لذا من الأفضل أن نذكر أسماء الأناجيل بشكل أفضل فنقول “إنجيل يسوع المسيح بحسب متى” أو لوقا، … . وجهة نظر متى، فريدة من نوعها إذ فَضَّلَ أن يبدأ باسم يسوع حتى يصل من خلاله على المستوى البشري، لشخصية بوسف البتول. إستخدم الإنجيلي، في قائمة النسب الأولى طريقة إنعكاسية ليعطينا أصل نسب يسوع (كزمن أول) في الحياة البشرية حتى يصل لإبراهيم (كزمن أخير)، ولم يبدأ من إبراهيم أو آدم ليصل ليسوع المولود تدريجيًا. هذا الإنعكاس الذي يبدأ به متى يشير إلى عرض برنامجه اللاهوتي وهو أن في شخص “يسوع الملء لكل الأزمنة”. بالإضافة إلى أن تشدد متى بإفتتاح إنجيله باسم “يسوع” الجوهري، يفسر لنا علاقته الخاصة بشخصية يوسف البتول. إذن الإسم الأوّل لدى متى يصير جوهر وقلب إنجيله وهو “يسوع المسيح”.

يسوع المسيح هو البطل

في مُستهل الإنجيل المتاوي يعلن الكاتب بوضوح إسم بطل عمله “يسوع المسيح”. بهذا يعطي الإنجيلي مفتاح جوهري للجماعة التي كتب لها وهي من أصل يهودي. إذ يعني إسم “يسوع” في اللغة العبرية “الله – يخلص” أي الذي يخلص شعبه من الخطايا (1: 21). أما في اللغة اليونانية “المسيا- المسيح” الذي يشير إسمه لـ “الممسوح”. أما في العبرية “المسيح” يشير إلى الرتبة الملكية التي يُكرس فيها الملك بدهنه بالزيت قبل تجليسه على عرشه (1راج صم 8: 6-22).

“الرب يفيض” في حياة يسوع

أشار لوقا لشخصية يوسف عن بُعد، وركزّ بعمق على شخصية مريم في إنجيله. أما متى فقد دوَّنَ إنجيله للمسيحيين من أصل يهودي. وهو يدرك أنّ في العقلية اليهودية لا مكانة للمرأة بل للرجل “الذكر” هو الذي له الدور الجوهري في الحياة والشريعة اليهودية والعمل، … والإنجاب يعتمد على خصوبة نسل الرجل لإتمام وعود الرب لإبراهيم: «لِنَسلِكَ أُعْطي هذه الأَرض» (تك 12: 7). ولن نجد ذِكر للمرأة في العهد الأول الإ في حالات العقم، وهذا يدل على فشلها في أن تعطي نسل لرجلها مثل قول أليصابات: «هذا ما صنَعَ الرَّبُّ إلَيَّ يَومَ نَظَرَ إِلَيَّ لِيُزيلَ عَنِّي العارَ بَينَ النَّاس» (لو 1: 25).

لهذه الأسباب ركّز الإنجيلي على شخصية رجولية وهي يوسف البتول كمُعطي جذور بشرية ليسوع. بالرغم من أنّ لوقا الإنجيلي (1- 2) إختار شخصية مريم وسردَّ لنا أحداث البشارة ونشيدها ولقائها بأليصابات، … ليعلن لنا خبر ميلاد الرب- الوليد. إلا أنّ متى إرتكز على شخصية يوسف البتول ليبشرنا بحدث “ولادة يسوع” بشريًا منه. يوسف البتول بالنسبة ليسوع، شخصية جوهرية. فهو “حلقة وصل” ربطت بين التاريخ الإلهي والبشري للطقل البشري يسوع. تتضح علاقة يسوع بيوسف البتول في تجسيد معنى إسم يوسف في حياة يسوع بشريًا. واثقين أن شخص يسوع الإله والإنسان لا ينقصه شيئ البتة. في العالم الإلهي والسري يسوع كامل، إلا أنّ يوسف أزاد وأفاض في رسالة يسوع الجوهرية الشكل البشري، ونجح متى في تفسير هذه الأحداث لنا نحن البشريين والمحدودين بتعبيرات بشرية لنتمكن من فهمه، فنحن محدودين إذ لا ولن نتمكن من فهم الجوهر الإلهي الغير المرئي، إلا بحضور يوسف في حياة يسوع.

فيض يوسف

لا نتعجّب كيف يفيض البشري يوسف على الإلهي يسوع؟ فبالأحرى أن يتم العكس. أفاض مار يوسف على شخص يسوع الإنسان البُعد البشري. منذ ألفي عام وفي بلاد الشرق لابد، على مستوى المنطق، من وجود والدين لأي مولود ولم يكن هناك إنفتاح بعد كاليوم، بقبول وضع فتاة-أم. ولكن أختيار الله ليوسف ليرافق مسيرة يسوع البشرية ليقوي من الشكل الطبيعي بشريًا ليسوع “إبن الإنسان”. سنرى أن متى يعطي ليسوع لقب “إبن الإنسان” أي الذي شارك الإنسان في حياة بشرية متماثلة تمامًا مع كل بشري. لذا وجود يوسف كأب بشري يساعد محدوديتنا البشرية في قبوله كأبن الإنسان أي مثلنا. وهذا لم يكن من السهل قبوله إلا بوجود يوسف وزيادة هذا البُعد الأبوي أرضيًا ليسوع الإنسان. فهو في الحقيقة لم يكن في إحتياج له بقدر ما نحتاج نحن إليه لندرك رسالة يسوع.

اليوم ماذا يعني لي إسم “يسوع المسيح”؟ بماذا يوّد أن يخبرنا الإنجيلي من جديد عن فيض الرب في حياة يسوع من خلال شخص يوسف؟ هل نتنبه بأن يوسف يفيض علينا كما أفاض على يسوع؟

[1]   حينما نكتب هذا الشاهد مت 1: 1أ نرغب أن نعطي تحديداً للآية الأولى بالإصحاح الأول والجزء الأول فقط منها. وقد تنقسم الآية إلى ثلاث أو أربع أجزاء على حسب طول الآية. نشير إليهم بالتالي: الجزء الأول 1: 1أ؛ الثاني 1: 1ب؛ الثالث: 1: 1ج؛ … وهكذا.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

د. سميرة يوسف

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير