Saint Joseph - San Giuseppe

Robert Cheaib - www.flickr.com/photos/theologhia

أصل يوسف البتول

الجزء الأوّل من سلسلة المقالات

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

المقدمة

نقدم مسيرة كتابية تتسلط فيها الأضواء على القديس يوسف بمناسبة إعلانه شفيعًا لهذا العام 2021 من حضرة البابا فرنسييس بالكنيسة الكاثوليكية. رغبتنا كمسيحيين أن نقوم بمسيرة إنفتاح على كل ما هو جديد. تماشيًا مع التعاليم الكنسية هدفنا هو أن نسير معًا كجماعة كنسية تتجذر بعمق في “كلمة الرب”. لذا سنبدأ معكم بالتعرف على الملامح اللاهوتية التي تقدمها لنا “كلمة الله” من خلال نصوص الكتب المقدسة التي تساعدنا لتَّفهم بعمق شخصية مار يوسف من ناحية وتفاعلاته كشخص مع ما كشف الله له تدريجيًا. سنقدم في هذا عدة مقالات لاحقة شخصية مار يوسف كم سردها متى الإنجيلي في 1- 2. وإذا سمحتم لا تترددوا في كتابة بعض التعليقات أو الأسئلة لتفسير النقاط المُبهمة. يسعدنا أن ننمو معًا تجاه الكلمة الإلهية بحرية فتثمر فينا ثلاثون وستون ومئة.

معنى إسم يوسف

يعني إسم يوسف كتابيًا “الله يُنمي أو يُزيد أو يفيض”. مما لا شك فيه أن شخصية مار يوسف هي عظيمة. بسبب تميزه. فهو إسم على مُسمى بمعنى إن عمل الله نراه في صمت حضوره في إزدياد مستمر في حياته يومًا بعد يوم لدرجة أن الله ذاته آمَّنُه على إبنه البشري يسوع وأمه مريم. اليوم إذ تعمقنا في شخصية مار يوسف فهو مثال حي لنا إذ تجاوب مع كشف الرب له بشكل سري. مما ساعده على النمو في العلاقة به في الخفاء، في علاقته الحميمة به. ففي دعوته، يوسف، لهو مُتميز وفريد. إذ لم يتشابه مع أي شخصية كتابية في دعوة الله لهم. بدأ الكثير من المدعويين من الرب بمحاولات الإنسحاب أو الإعتذار عن الدعوة الإلهية لأعذارهم وحججهم الشخصية. على سبيل المثال موسى القائل: “أنا ثقيل اللسان!” (راجع خر 4: 10) أو أرميا القائل: “أنا ولد صغير” (راجع ار 1: 6). أو مريم: “كيف يكون هذا، فأنا لا أعرف رجلاً؟”(راجع لو 1: 34).

بالإضافة إلى ذلك في لاهوت الكتاب المقدس دعوة مار يوسف لم تكن مُباشرة من الرب أو من أحد ملائكته. لذا لا يمكننا على المستوى الكتابي أن نُقارن يوسف بهم، لأنه ذو دعوة خاصة ومتميزة به فقط فهي غيير إعتيادية وغير متكررة. رغبتنا من خلال هذه المقدمة في مسيرتنا مع التأمل في حياة مار يوسف السرية أن نبدأ بالتمعن في التمهيد الواضح في لاهوت إنجيل متى. الإنجيلي هو رجل يهودي الأصل وكتب بشارته للمسيحيين ذوي أصل عبري. إختار الإنجيلي أن يرتكز في سرده لأحداث طفولة يسوع على “شخصية يوسف” كرجل عبري. وشّدَّدَ متى على التواصل الذي تم بين يوسف وبين الأباء السابقين له الذين أعلن الإنجيلي إسمائهم بشكل تفصيلي في 1: 1- 17، وهذا ما نراه لاحقًا في مقالاتنا.

في البدء نوُّد أن ننوّه على أن نمو شخصية يوسف، كرجل عبري، تم على الشريعة الموسوية والتقاليد اليهودية بحسب العهد الأول[1]. تأكيد أصل يوسف الـمُتجذر والـمُـنتمي للأباء السابقين (خاصة إبراهيم وداود)، من قِبل متى الإنجيلي، يساعدنا بشكل تلقائي وبسيط بالعودة إلى “جذور نسل يوسف” ليؤكد إنه عبري لا غش فيه، ينتمي لسلالة الأباء الذين تجاوبوا مع الله في مشروعه الخلاصي سواء بطاركة كانوا أم ملوك.

ما هو أصل يسوع البشري؟

يرغب متى الإنجيلي أن يروي كتاب تكوين (أصل وجذر) يسوع المسيح كعنوان لإنجيله وإثبات أن يسوع شخصية تاريخية وليست أسطورية. يرتبط أصل يسوع بشريًا، في اللاهوت المتاوي، بنسل بشري كباقي الأُسر العبرية. لذا يتميز السرد المتاوي بتقديم ما هو تاريخي ولاهوتي معًا. لأنه يَعلن لنا عن أصل يسوع إنسانيًا كــ “إبن ليوسف” الذي من نسل داود من جهة (راجع متى 1: 1- 17). والمرتبط بأصل يسوع إلهيًا كـــ “إبن الله” من الجهو الأخرى (راجع مت 1: 18- 25). ومن وجهة نظرنا هذا المنطق المتاوي لهو ضروري إذ تم إستخدامه في الآداب العبرية خاصة المِدراش. إذ أن يسوع كإنسان بشري له أصل خرج منه، وليس مثل باراباس (لا أصل له- لقيط) وهو ينتمي لأبيه البشري وهو يوسف الذي هو من أصل داود وبالذي يعود إلى إبراهيم. هذا يشابه تمامًا شجرة العائلة في الفكر الشرقي.

العهد في حياة يوسف

يقدم الإنجيلي متى (1: 1- 17) سلسلة من الشخصيات التي لها تأثير كبير في العقلية االيهودية والمسيحية. مُبتدأً من البطريرك “إبراهيم” وعلاقته بالله ليُرينا كيف بدأ التدخل الإلهي، قديمًا في تاريخنا البشري، وكيف سيستمر. إذن هناك علاقة قوية في تاريخ يوسف الماضي، من حيث نسله، إذ طَرَّقَ الله قبلاً على باب أجداده وهو إبراهيم. هذا وإن عمل الله لم يتوقف بعد. إذ إستمرت العلاقة التي بدأت منذ زمن إبراهيم وإستمر العمل الإلهي في شخصية يوسف. من الناحية اللاهوتية هذا العمل الإلهي له جوهريته، إذ يتعمد متى أن يعرض لنا: قوة تّجَّذر يسوع من خلال “أصالة نسل أبيه الأرضي يوسف” بالأباء الذين بدأ الله معهم “عهده المقدس”.

بادر الرب بالمُعاهدة، وهي ما نطلق عليها “العهد” مع إبراهيم وجدت ذُروتها في يسوع إذ يقول لاحقًا متى البشير: « اِشرَبوا مِنها كُلُّكم فهذا هُوَ دَمي، دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجْلِ جَماعةِ النَّاس لِغُفرانِ الخَطايا» (26: 27- 28). كان يحتاج يسوع البشري ليوسف لتستمر “معاهدة حب الله للإنسان”. ففي الحقيقة بدون يوسف لم يكن هناك أصل ليسوع بشريًا، بل كان من الصعب قبوله على المستوى الإلهي فقط. فنحن بشر نحتاج لتعبيرات بشرية لنتفهم “حقيقة سر الله” الغير مرئي. يوسف هو أيقونة تُجسد “الحقيقة البشرية” التي إستخدمها الرب ليُعبر عن أصل يسوع إبنه بالشكل البشري.

اليوم هل يتحقق معنى إسم يوسف معي أيضًا؟ ما الجديد الذي إكتشفته عن سر الله اليوم في علاقته بمار يوسف؟ هل له علاقة بما نعيشه اليوم؟ كيف؟

[1]   يُفضل في اللاهوت الحديث إستخدام لفظي العهد الأول والثاني بدلاً من القديم والجديد إحترامًا للديانة اليهودية فكتابها ليس بقديم.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

د. سميرة يوسف

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير