Vidéo de janvier 2018 © Réseau mondial de prière du pape

هل نتوجّه في صلاتنا إلى ذواتنا أم إلى الله؟

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة

Share this Entry

رأي الكنيسة المقدّسة في تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي (3)

هل نتوّجه في صلاتنا إلى ذواتنا أم إلى الله ؟

“إن عطشَ أحد فليُقبل إليّ ويشرب” يو7/ 37

تتناقض روحانيّة اليوغا وتأمّل الوعي الكامل  Mindfulnessوما شابهها من تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي، مع الروحانيّة المسيحيّة وهذا الأمر واضح في تعاليم الكنيسة المقدّسة. تكلمنا في المقالة السابقة  عن “الرسالة الى أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة في بعض مظاهر التأمّل المسيحي” في 15ت سنة 1989[1] التي حذّرت من خلط التأمّل المسيحي بتأمل الشرق الاسيوي بسبب تناقض الصوفيتين وخطر أن يعتنق المؤمن معتقدات الهندوسيّة والبوذيّة المرتكزة على محوريّة الأنا والحلوليّة والتقمّص ومعتقدات أخرى.

سنستشهد أيضًا ببعض ما ورد في وثيقة: “يسوع المسيح الحامل الماء الحيّ”، الصادرة عن حاضرة الفاتيكان في 3 شباط، سنة 2003[2] وهي تأمّل في تيّار العصر الجديدNew Age  وتقنياته. تبيّن أنّ معتقدات العصر الجديد لا تتلاءم مع الإيمان المسيحي وأنّه يُخشى متى مارس المؤمن تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي أن يسبّب هذا الامر إلتباسًا في إيمانه الكاثوليكي.

العصر الجديد والإيمان المسيحي في تناقض         

هذه الوثيقة هي دراسة حول ماهيّة وجذور وممارسات وتقنيات بدعة العصر الجديد، بما فيها البدائل الطبيّة، التي لأغلبها علاقة وطيدة بالخفائياتOccultisme  والسحر والأرواحيّةSpiritisme  والدّيانات والتّقاليد الوثنيّة وعقائدها، مثل الحلوليّة والتقمّص، وعلاقتها بالباطنية والماورائيات وما يعرف بعلم النفس عبر الشخصيPsychologie Transpersonnelle الذي تأسّس على يد جماعات من بدعة العصر الجديد، وما قد انبثق عنها من بدع عقليّة كالعلم المسيحي والسيونتولوجي (فصول 1و2). وتنتهي الوثيقة إلى أنّ روحانيّة العصر الجديد تناقض الروحانيّة المسيحيّة (الفصل 3)، وأنّ جميع ممارسات وتقنيات العصر الجديد، بما فيها تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي لا تتوافق مع الإيمان المسيحي (فصل 4).

في الفصل الرابع من الوثيقة : “العصر الجديد والإيمان المسيحي في تناقض”، وفي فقرة بعنوان “الصلاة والتأمّل” : هل نتوّجه في صلاتنا إلى ذواتنا أم إلى الله؟ نقرأ التالي:

“وأمام النزعة إلى المزج بين علم النفس والروحانيّة، يتعيّن أن نشدّد على أنّ قسمًا كبيرًا من آليات التأمّل المستعملة اليوم، لا تشكّل صلاة. فغالبًا هي إعداد جيّد للصلاة، لا أكثر، حتّى ولو أنتجت تحسّنًا في المزاج أو في الرفاهيّة البدنيّة. والإختبارات المنشقّة منها هي كثيفة فعلًا، لكنّ البقاء في هذا المستوى يعادل البقاء وحيدًا، من دون أن يكون المختبِر في حضرة الآخر. فاختبار الصمت يمكن أن يضعنا في مواجهة الفراغ بدلًا من أن يكون مشاهدة صامتة للمحبوب. وصحيح أنّ آليات الغوص إلى قعر أنفسنا هي، في المقام الأخير، دعوة إلى قدرتنا على مقاربة ما هو إلهي أو حتّى قدرتنا على أن نصير مؤلّهين، لكّنها إنْ هي أنكرت واقع أنّ الله هو أيضًا يبحث عن القلب البشريّ، فإنّها لم تصل بعد إلى مرتبة الصلاة المسيحيّة. وحتّى عندما يُعاش هذا الإختبار كاتحاد بالطاقة العامة، “فإنّ هذه العلاقة السهلة جدًا مع إله وظيفته الوحيدة هي تلبية جميع احتياجاتنا تسلّط الضوء على الأنانيّة الكامنة في قلب “العصر الجديد”. إنّ ممارسات العصر الجديد ليست صلاةً حقيقيّة لأنّها تقود عمومًا إلى الإستبطان introspection أو الإنصهار مع الطاقة الكونيّة، بخلاف التوّجه المزدوج للصلاة المسيحيّة التي، مع ممارستها الإستبطان، هي قبل كلّ شيء لقاء الله. فالتصوّف المسيحي ليس جهدًا إنسانيًا محضًا، بل هو جوهريًا حوار “يستتبع موقف ارتداد وهجرة من “الأنا” إلى “الأنت”، مخاطبًا الله”.

هل التأمّل موجّه إلى الله أو إلى الأعماق المخبّأة في الأنا”؟

نقرأ أيضًا في الفصل6، فقرة 2 من الوثيقة ما يلي:”كثيرون مقتنعون بعدم وجود أيّ خطر إن هم “استعاروا” بعض الحكمة الشرقية، لكنّ مثل التأمّل التجاوزي ((MT قد يدفع المسيحيين إلى التفكير مليًا قبل أن يلتزموا على غير هدى دينًا آخر (الهندوسية، في حالتنا هذه)، بالرغم كلّ إعلانات الحياد الديني لمنشّطي التأمّل التجاوزي. لا مشكلة في تعلّم التأمّل، لكنّ موضوع التمرين أو مضمونه يشير بوضوح هل التأمّل موجّه إلى الله الذي أوحى به إلينا يسوع المسيح أو إلى وحيٍ آخر أو ببساطة إلى الأعماق المخبّأة في الأنا”؟

الصلاة المسيحيّة، الإنتقال من “الأنا ” إلى “الأنت”

أيضًا في التعليم المسيحي الكاثوليكي للشبيبة، يوكات Youcat  نقرأ ما يلي: “في التأمّل يبحث المسيحي عن السكينة لاختبار حضور الله والحصول على السلام في حضرته. هو يرجو لمس هذا الحضور كهديّة مجانيّة للنعمة، إلا انه لا ينتظرها أبدًا كنتيجة لتقنية تأمليّة معيّنة… يمكن ان يساعد التأمّل على تنمية الإيمان وتقويّة الشخص البشريّ وإنضاجه. لكنّ التقنيات التأمليّة التي تعد باختبار الله وبالوحدة الروحيّة معه، هي مجرّد خدعة!” (البند 504).

– “أليست الصلاة نوعًا من الحوار الذاتي؟” العلامة المميّزة للصلاة المسيحيّة هي الإنتقال من “الأنا ” إلى “الأنت”، من الإنكفاء على الذات إلى الإنفتاح الكلّي. فمن يصل حقًا يختبر، أنّ الله يكّلمنا وأنّه غالبًا يتكلّم عكس ما نرجو أو ننتظر.” (البند 506).

– وردًّا على سؤال: “هل يتفّق الإيزوتيريسم esoterism مع الإيمان المسيحي؟”. نقرأ الجواب التالي: “كثيرون يمارسون اليوغا لأسباب صحيّة، ويشتركون في دورات حول التأمّل التجاوزي، لينالوا الهدوء ويستجمعوا الأفكار، أو يكتتبون في أندية رقص ليكوّنوا اختبارًا جديدًا لجسدهم. هذه الممارسات والاتجاهات لا تخلو من الضرر، وبعضها ينقل تعليمًا غريبًا عن المسيحيّة.” (الكنيسة تدين جميع ممارسات وتعاليم الإيزوتيريسم، من سحر وطاقة كونيّة وعلوم سريّة باطنيّة والإعتقاد بالحلوليّة والخرافة والتطيّر والأرواحيّة)… (البند 356).

نشوة ذاتية أم كمال المحبة؟

خاتمة: نظرًا لتناقض روحانيّة التأملات الآسيويّة كاليوغا وتأمّل الوعي الكامل وماشابهها، مع روحانيّة الكنيسة المقدّسة ، ونظرًا لأخطار هذه الممارسات على المستويات الجسديّة والنفسيّة والروحيّة، ونظرًا لعلاقة اليوغا مع كثير من البدع، ومنها تيّار العصر الجديد الذي تتناقض تعاليمه مع الإيمان المسيحي، توصي الكنيسة المؤمنين بتجنّب ممارسة اليوغا وكلّ ما يمتّ بصِلة إليها، وكلّ العلاجات البديلة التي تروّض طاقة كونيّة مَزعومة تَستدعي وتستنجد بكائنات روحيّة تُساهم في العلاج.

إنّ جوهر التأمّل المسيح هو خريستولوجي، ثالوثي، وهو متجذّر في الوحي الكتابي وأسرار الكنيسة، في قلب الكنيسة الرسوليّة الجامعة حافظة الإيمان المسلّم من الرسل القدّيسين. فلا ذوبان ولا حلوليّة فيه، بل علاقة حبّ وغيريّة بين شخص الله وشخص الإنسان. وهناك تمييز بين ما هو طبيعة مخلوقة وما هو طبيعة خالقة. التأمّل المسيحيّ يحترم حريّة الشخص، وهو يتمّ في الوعي الكامل وليس في حالة من انعدام الوعي وتعطيل الحواس وملكات النفس البشريّة. هدف كلّ تأمل مسيحي هو كمال المحبة والإتحاد بالله المحبة، بالتوبة القلبيّة الصادقة، بينما هدف التأمّلات الشرقيّة تأليه الذّات والسعي لبلوغ نشوة ذاتيّة واتحاد بطاقة غيبيّة لاشخصيّة هي اللاوجود والفراغ. “كلّ تأمّل غير خريستولوجيّ هو تأمّل عبثي” (القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني). وكلّ محاولة لدمج التأمّل المسيحي بتأمّلات شرقيّة وتسميته “بيوغا مسيحيّة” هي محاولة محفوفة بالمخاطر ومعرّضة لانحرافات كثيرة لا تُحمد عواقبها، ما لم تُؤخذ بعين الإعتبار معايير التأمّل الأصيل.

إنّ “إعلان العلاقات ما بين الكنيسة وباقي الأديان غير المسيحيّة” (المجمع الفاتيكاني الثاني، 28 ت1 1965)، يقول إنّ الكنيسة لا ترفض ما هو صحيح ومقدّس في سائر الأديان. لكنّ هذا لا يبرّر إطلاقًا أن يتبنّى المؤمنون أفكار أو فلسفات وطرائق التأمّل الشرقيّ، لأنّ إيماننا الكاثوليكيّ وحده كافٍ لأجل تقديسنا، كما قدَّس كثيرين من الذين سبقونا. فهذا الإعلان، على سبييل الحصر، يُظهِر احترام الكنيسة للأديان الأخرى ويدعو إلى الحوار والتعاون معها، ولا يدعو إلى اقتباس تقنيّاتها أو تبنّي أيّ شيء من عقائدها.

[1]http://www.vatican.va/roman_curia/congregations/cfaith/documents/rc_con_cfaith_doc_19891015_meditazione-cristiana_fr.html

[2]http://www.vatican.va/roman_curia/pontifical_councils/interelg/documents/rc_pc_interelg_doc_20030203_new-age_fr.html

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير