pixabay CC0

التعليم عن بُعد وفقدان اللمسة الإنسانية

هل سيساعد التحول إلى التعليم عن بُعد أو يضر بالعملية التعليمية

Share this Entry

لقد غيرت التكنولوجيا حياتنا من جميع الجوانب، وكباقي القطاعات يشهد قطاع التعليم تحولاً كبيراً حيث تعمل التقنيات الحديثة على تغيير الطريقة التي يكتسب بها الطلاب المعرفة وكذلك كيفية تفاعلهم مع معلميهم والطلاب الآخرين.

 يدرس الخبراء كيف سيؤثر هذا التبني المفاجئ والإجباري للتعليم عن بُعد على المعلمين والطلاب على حد سواء، فالطلاب كائنات اجتماعية تتطلب شراكة ومشاركة نشطة ليكونوا متعلمين مثاليين، وفي كثير من الأحيان تكون فرصة المشاركة والتفاعل والتواصل الإنساني مفقودة في التعليم عن بُعد، فمع أن التواصل الإنساني هو حاجة فطرية لخلق علاقة اجتماعية مع الآخرين إلا أنه يكاد يكون من المستحيل وجود هذا النوع من العلاقات الاجتماعية في حال التعليم عن بُعد، هذا لا يعني أن التكنولوجيا قضت تماماً على قدرتنا على الاتصال، فقط أن الطريقة التي نتواصل بها عن بُعد مختلفة.

في رأيي، التفاعل الإنساني أكثر إفادة، حيث يمكننا أن نشعر بشكل أفضل بنبرة الشخص ومشاعره وجهاً لوجه أكثر مما يمكننا الشعور به من وراء الشاشة، بالنسبة للكثير من الناس لقد افتقد “التعليم عن بُعد” إلى العلاقة الإنسانية بين المدرسة والطالب، ويجب ألا نغفل عن حقيقة بسيطة، إن أهم أداة تعليمية لا يمكن استبدالها هي المعلم، فالطالب يحتاج إلى الشعور بالتقدير والمكافأة وقبل كل شيء إلى القبول، والمعلم هو الشخص القادر على تقديم هذه المكافآت التحفيزية كل يوم، يمكن اعتبار المعلمين، جسوراً بشرية للتعلم والتطوير، فهو المحفز الحقيقي والقائد في تحقيق الإنجازات العظيمة وحتى الوسيط في أوقات النزاع، لا يمكن استبدال هذه اللمسات الإنسانية بوسائل التكنولوجيا، لقد حرم “التعليم عن بُعد” كل من الإدارة والمعلم من رؤية شغف الطالب وعطشه إلى التعليم، حرمه من التشجيع على المنافسة واكتشاف الفروقات والاختلافات، فعلى الرغم من أن التكنولوجيا أحدثت الكثير من التغييرات المذهلة في العالم، إلا أن التواصل الإنساني الحقيقي يمكن أن يضيع بسهولة في كل هذه الضوضاء، لقد فقدنا القرب الجسدي كما فقدنا القدرة على إظهار وتلقي الرعاية والاهتمام.

للأسف يفتقر الطلاب اليوم إلى التفاعل الاجتماعي حيث يجد العديد منهم أن التعلم ليس مجرد نشاط فكري، بل نشاط اجتماعي، وبالنسبة لبعض الطلاب فإن هذا النقص في التفاعل الاجتماعي وما يصاحبه من حاجة إلى التحفيز الذاتي يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالعزلة، بالنسبة للعديد من الطلاب يعد عدم التفاعل الكافي مع المعلمين والأقران من بين أكبر تحديات التعليم عن بُعد، لذلك يجد الطالب أحياناً أن التعليم عن بُعد ممل وغير جذاب حيث يريد تفاعلاً ثنائي الاتجاه، فهو لا يحتاج إلى التلقين وإنما يحتاج من المعلم إلى تعليم وتعلم، يحتاج إلى تعليم تحويلي حسب (Mezirow) وهي نظرية تركز على فكرة أن التعليم يجب أن يتجاوز مجرد اكتساب المعرفة ويغوص في الطريقة التي يجد بها المتعلمون معنى في حياتهم وفهمهم، يتضمن هذا النوع من تجربة التعلم تغييراً جوهرياً في تصوراتنا، حيث يبدأ الطلاب في التساؤل عن كل الأشياء التي عرفوها أو فكروا بها من قبل وفحص الأشياء من وجهات نظر جديدة من أجل إفساح المجال لأفكار ومعلومات جديدة، يتفق العديد من الخبراء على أن هذا النوع من التعلم يؤدي إلى حرية حقيقية في التفكير والفهم بعيداً عن التعليم التقليدي والتلقيني.

 لقد وجدت الدراسات أن إدراك وابتكار التقنيات لتعزيز التفاعل الاجتماعي والمشاركة الحية داخل الغرفة الصفية تؤثر على تحفيز الطلاب وتعليمهم وتسمح لشغف المعلم وشخصيته بالتألق، فمن المفترض أن تكون الغرفة الصفية مكاناً حيوياً حيث توجد مساحة حيوية بين المعلم والطالب، مساحة لتبادل الأفكار المختلفة، واستكشاف طرق جديدة للتفكير، يتعلم المعلم والمتعلم من بعضهما البعض، فجوهر التعليم الجيد هو الجمع بين المعلمين الموهوبين والطلاب المشاركين إضافةً إلى تطبيق المناهج الدراسية الحديثة والمطورة، حيث تعد العلاقات المستمرة بالنسبة للطلاب هي المفتاح للتحفيز والدعم الأكاديمي والتعلم الاجتماعي والعاطفي، ومع أن التعلم عن بُعد يتميز بالمرونة بالنسبة للطلاب لكن بالمقابل ليس لديهم فرصة لهذا النوع من التفاعل وجهاً لوجه مع معلميهم وزملائهم الطلاب أيضاً فيشعرون بشيء مفقود في تجربتهم التعليمية.

تُحدث التكنولوجيا ثورة في طريقة تعليمنا، لكن في قلب تلك الثورة معلمون، فالتكنولوجيا لوحدها لا تحسن التعليم، المعلمون يفعلون، لا يمكن للتكنولوجيا أن تزود الطلاب بالإلهام والتحفيز والتشجيع، لكن المعلم يمكنه ذلك، لنتذكر جميعاً أنه عندما يتعلق الأمر بتعليم طلابنا وتحسين عملية التعليم، فإن التكنولوجيا مهمة، ولكن معلمينا هم الأكثر أهمية، حتى مع تقديرنا للمساهمة التي تقدمها التكنولوجيا لمساعدة المعلمين على أداء عملهم بشكل أكثر فاعلية، من المهم أن ندرك أن هناك شيئاً واحداً لن تحل محله التكنولوجيا وهو اللمسة الإنسانية فالمعلم هو من يسهم في تغيير العقل وتغيير القلب.

فهل سيساعد التحول إلى التعليم عن بُعد أو يضر بالعملية التعليمية؟ والسؤال الأكثر أهمية لهذه الأزمة هو كيف ندعم أو لا ندعم طلابنا ومعلمينا من خلال ما يُعد ثورة هائلة، في الوقت الحالي، يجب أن نعتني بمن هم في منتصف هذا التحول الهائل، نحن الآن على دراية بالحاجة إلى التعلم وجهاً لوجه وليس عن بُعد، وفي حين أن هذا التحول قد يغير الوضع الراهن، ستظل جودة المحتوى أولوية رئيسية وسيستمر التفاعل وجهاً لوجه في التمتع بحضور قوي في التعليم وسيظل المعلمون يلعبون دوراً مهماً في المستقبل.

ومع عودة المعلمين وبعض الصفوف إلى المدرسة لبدء فصل دراسي جديد، دعونا نتذكر أن نشكر معلمينا على الدور الذي لا غنى عنه في رعاية العقول الشابة لأولئك الذين سيقودون بلادنا نحو مستقبل مشرق، الآن، أكثر من أي وقت مضى، يستحقون ثناءنا وتقديرنا ودعمنا.

Share this Entry

الأب عماد طوال

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير