أكثر ما أثّر فيّي هو شهادة هذه المرأة من قره قوش… هذا ما أفاد به البابا فرنسيس في طريق عودته من العراق إلى روما… إنها أمّ فقدت ابنها، في الفترة الأولى التي كانت داعش تقوم بالتفجيرات، واستخدمت تلك الكلمة: المغفرة. وأسِف البابا إلى أنّنا لم نعد نستخدم هذه العبارة في ممارساتنا: نعرف كيف نهين بشكل كامل. نعرف كيف ندين وأنا أوّل من يدين… إنما أن نغفر، أن نغفر لأعدائناـ فهذا الإنجيل بحدّ ذاته”.
وقالت إمرأة قره قوش: نحن، الناجين، نحاول أن نغفر للمعتدين علينا، لأنّ يسوع سيّدنا قد غفر لجلاّديه”. وكان قد أشاد البابا بهذه المرأة، سيدة ضحى صباح عبد الله، في خطابه في قره قوش، يوم الأحد 7 آذار، قائلاً: “لقد قالت المرأة أمرًا أثّر فيّ: قالت إنّ الغفران هو ضروريّ من جهة من نجوا من الهجمات الإرهابيّة. الغفران هو كلمة مفتاح”.
إنما هل نعلم ما هي المغفرة؟ يجب أن نتذكّر الإرهاب الذي نشره داعش: وقد أضاف الكثير من المسيحيين وقتئذٍ حرف “ن” هذا الحرف من الأبجديّة العربيّة على أسمائهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ كعلامة تضامن.
حتى إنّ البابا نفسه قد أشار إلى موجة الإرهاب هذه (2014 – 2017) في خطابه في الموصل: “عاصفة غير إنسانية، قضت على أماكن عبادة قديمة وآلاف آلاف الأشخاص – مسلمون ومسيحيون ويزيديون.
وقد تسلّم البابا فرنسيس من الصحافية الإسبانية إيفا فرنانديز نسخة عن وثيقة تحتوي أسعار بيع العبيد المسيحيين واليزيديين على يد داعش في الموصل. لم يُكتَب على منازل المسيحيين حرف “ن” فحسب، بل كان عليهم أن يدفعوا الجزية، الضريبة للجهاديين أو اعتناق الإسلام، أو مغادرة المدينة، أو يُذبَحون. ومن هنا، بدأت الهجرة الجماعية لعشرات الآلاف المسيحيين من العراق.
بهذا الإطار، يجب أن نستعيض بكلمة “غفران” التي استخدمتها السيدة ضحى صباح عبد الله، لكي نفهم كم تأثّر البابا.
ثمّ كتب البابا على الكتاب الذهبيّ لكنيسة الحبل بلا دنس: “في هذه الكنيسة المدمَّرة والتي أُعيد بناؤها، كعلامة لأمل قره قوش والعراق، أنا أتوسّل الله، بشفاعة السيدة العذراء، أن يمنحنا نعمة السلام”.
ننقل إليكم شهادة حياة المرأة من بغديدا:
“أنا ضحى صباح عبد الله من بغديدة – قره قوش
أقول لكم ما عشت وما زلت أعيش: نعمة الرجاء التي تلقيتها.
في صباح يوم 6 آب 2014 استيقظت بلدة بغديدة على ضجيج القصف. كنا نعلم جميعًا أنّ داعش على أبوابها، وأنه قبل ثلاثة أسابيع غزت بلدات وقرى اليزيديين، وعاملتهم بقسوة. فهربنا من المدينة وتركنا منازلنا. عدنا بعد يومين أو ثلاثة، وكلّنا إيمان وقناعة بأننا مسيحيين، ونحن مستعدون للاستشهاد.
في ذلك الصباح كنا مشغولين بالأشياء المعتادة وكان الأطفال يلعبون أمام منازلنا عندما وقع حادث أجبرنا على المغادرة. سمعت إطلاق قذائف الهاون فركضت إلى خارج المنزل. سكتت أصوات الأطفال مع ارتفاع صراخ الكبار. أبلغوني بوفاة ابني وابن عمه والجارة الشابّة الذي كان يستعد للزفاف.
كان استشهاد هؤلاء الملائكة الثلاثة تحذيرًا واضحًا: أنقذ موت الثلاثة المدينة بأكملها، وإلاّ لكان بقي أهل بغديدة وسقطوا حتمًا بين أيدي داعش.
ليس من السهل عليّ أن أتصالح مع هذه الحقيقة، لأنّ الطبيعة البشرية غالبًا ما تتداخل مع دعوة الروح. لكن قوّتنا تأتي بلا شك من إيماننا بالقيامة، مصدر الرجاء. إيماني يؤكّد لي أنّ أطفالي هم في أحضان يسوع المسيح ربنا.
نحاول نحن الناجين أن نغفر للمعتدي علينا لأنّ سيدنا يسوع غفر لمعذّبيه.
من خلال الاقتداء به في آلامنا، نشهد أنّ المحبة أقوى من أي شيء آخر”.