أجرت وكالة زينيت القسم العربي مقابلة مع السيدة أنان يوسف وهي حائزة على شهادة دكتوراه وأستاذة في لغة إنكليزية، في جامعة بغداد، المسيحية الوحيدة في القسم والكليّة. كما وأنها عذراء مكرّسة في كنيسة بغداد في مصاف العذارى المكرّسات. تتحدّث في المقابلة عن سبب وجودها في العراق بالرغم من الضيقات والاضطهادات، عن أهميّة تعزيز حضور المسيحيين في الشرق وهل من سبيل لعودة المهاجرين؟
زينيت: كيف يمكن أن نقوّي ونعزّز حضور المسيحيين في الشرق؟
متى ما أحسّ المسيحيون من قبل دولهم بانهم ليسوا أقلية بالرغم من قلة عددهم في الشرق الاوسط، ومتى ما تم التعامل معهم بأنهم فعلا سكان البلد الاصليين، وليس فقط بترديد هذه العبارة امامهم من باب المجاملة وانما من خلال احلال عدالة اجتماعية تجعل من المسيحي والمسلم واحدا بحقوقه وواجباته، وهذا ما يعبّر عنه بحق المواطنة المتساوية دون أن يميّز المواطن وفقا لدينه بل لمواطنته للارض التي ينتمي اليها، ومتى ما يشعر المسيحيون بأن صوتهم مسموع، حينها فقط ممكن أن لا يفكر المسيحيون بهجرة بلدانهم. وهذا لن يتحقق إلا من خلال تنشئة مدرسية للاطفال والشباب بمختلف انتماءاتهم الدينية قائمة على ارساء ثقافة اللقاء والاخوّة والمساواة بالمواطنة غير المرتكزة على الانتماءات المذهبية. هذا ما يحقق العيش السلمي والمتناغم.
ويأتي دور الكنيسة أيضًا في جعل مسيحيي الشرق في البقاء في أرضهم ليس فقط من خلال اعطائهم القوت الروحي لكن ايضا القوت الجسدي (أعطوهم انتم ليأكلوا) من خلال مساعدتهم بمشاريع بسيطة لكن فعّالة، تجعل من الشباب له دافع البقاء والعمل في بناء بلده. فإن كانت الدولة تعاني من الازمات الاقتصادية، يأتي دور الكنيسة مثلاً للتعامل مع المجتمع المدني او من خلال المحسنين أو بتخصيص مبالغ معتدلة لإقامة مشاغل او ورش عمل أو معامل صغيرة يتعلم ن خلالها الشباب عملا يساعدهم على العيش الكريم، بدل تصرف الكنائس مبالغ في بناء بنايات وبوابات كبيرة خالية من المؤمنين.
لكن طالما الشرق الاوسط غير مستقر سياسيا وخصوصا الدول الغنية كالعراق واقعة تحت اطماع العالم الغربي، وطالما الدين يستخدم سياسيا لقمع الاخرين، يصبح من الصعب تعزيز وجود المسيحيين الا من إختبر أن له دعوة البقاء في هذا الشرق، دعوة حمل صليب المسيح والشهادة له بالمثل الصالح والعمل على بناء وطن يعيش فيه الجميع معنى الإخاء والتسامح، وحتى بالاستعداد للشهاد بالدم. بالفعل افكر أحيانًا بأن من سيبقى في الشرق اكثرهم من المكرسين والذين لا يستطيعون الهجرة.
زينيت: كيف عسانا نقنع المسيحيين الذين هاجروا من العراق بشكل خاص، ومن الشرق الأوسط بشكل عام، أن يعودوا إلى بلدهم الأم؟
من ترك البلد بسبب الحروب والاضطهاد لن يستطيع أحد اقناعه بالعودة…من عاش الامًا وذكريات مرّة، لن يرغب في العودة بعد ان استقر في بلد آخر. يبقى الحنين للعودة موجود في عمق القلب، يبقى حب الوطن موجود، لكن هل يستطيع ان يعود بعدما باع املاكه او خسر او تهدم بيته او خسر عمله؟
وكيف يمكن ان نقنع مسيحيينا ليعودوا إلى شرق متألم ومجروح ولا أمان فيه. أنا مثلا، قررت البقاء وحدي في العراق_بغداد بعد تركت عائلتي الوطن لتعيش في كندا. ذهبوا اخواتي اولا، واحدة تم خطف زوجها وعاشوا اياما مرة، ذهبوا واستقروا في الخارج، وبعد ان بلغ في والدي الكبر، لم يستطيعوا احتمال الشوق لاخواتي وابنائهم، ولم يستطيعوا البقاء في بلد لا خدمات فيه لكبار السن مثلهم، فذهبوا ليبحثوا عن الطمأنينة وقلبهم الم الفراق. لكني بقيت لانّ في حياتي حب أكبر من البحث عن كل هذا. في حياتي حب المسيح الذي دعاني لاخسر نفسي من أجل ان اكسب الفرح الحقيقي، فرح الانجيل واللقاء بالمسيح وباخوتي المتألّمين من أهل بلدي.
لا نستطيع ان نلوم من ذهب، ولا نستطيع ان نقول له إرجع. يرجع لمَنْ؟ ولماذا؟
قد سمعنا عن البعض الذين عادوا، هم الذين لم يتحملوا الغربة ومن الممكن ادوا لانهم لم يجدوا عملا…لست أدري. لكنهم قلائل.
زينيت: ما دور المسيحيين في الشرق وما هي رسالتهم؟
دور الذين مازالوا في هذا الشرق هو كبير، يكفي فقط ان يكونوا موجودون ليجعلوا من مجتمعاتهم مجتمعات ممتلئة بثقافة الحب والمحبة. فهم أكثر من يمدّون الجسور بينهم وبين الاخر بدل ان يبنوا الجدران. دعوتهم أن يبنوا اوطانهم ليس فقط من حجر بل من بشر. هم الكنيسة في قلب مجتمعاتهم، هم قادرون على تقديس العالم من وسطه بكل التفاتة بسيطة قائمة على ايمانهم المسيحي المبني على صخرة المسيح. هم أيضا بناة المجتمع من حيث كونهم أطباء ومهندسين ومدرسين ومفكرين قادرين على خلق تغيير ملموس اينما ذهبوا. هذا ما ألمسه انا من خلال عملي في الجامعة كاستاذة الادب الانكليزي. من خلال تدريسي للادب أجعل منه وسيلة لخلق ثقافة الجمال، ثقافة الانسانية التي تبني فكر أجيال من الشباب لا يريدون شيئا سوى أن يبنوا انفسهم ويعيشوا بكرامة متأملين مستقبل افضل. أتعامل مع مجتمع غير مسيحي لكني أجد في كل شاب وشابة وجه الله الحنون وألم المسيح المتروك، وهكذا انشر محبته من خلال ارساء ثقافة اللقاء من خلال كتابات الشعراء والمفكرين والادباء بشكل عام. وهم أيضا يلمسون بي شيئا مختلفا. أنا المسيحية الوحيدة في كليتي وقسمي، قسم اللغة الانكليزية في جامعة بغداد، كلية الاداب وهذا ما يجعلني أدرك دعوتي أكثر واكثر، دعوتي أن أكون الحب وان اكون مصدر رجاء في قلب عالم انهكته الضغينة والشقاق والحروب والارهاب. قد لا أستطيع أن أغير شيئا، لكني قادرة أن اصبح انا التغيير في هذا العالم.