رأي كاثوليكي في تدريب الحياةLife Coaching (1)
سنعرض في هذه المقالة رأي إكليروس كاثوليك متخصّصين في بعض تقنيات التنمية البشرية، مثل “تدريب الحياة” وقد قاموا بأبحاث مستفاضة وجديّة، درسوا إشكاليات هذه الممارسات مقارنةً بالإيمان الكاثوليكي. ينتمي هؤلاء إلى “راعوية المعتقدات الجديدة والإنتهاكات البدعوية”Pastorale des Nouvelles croyances et Derives Sectaires (PNCDS) التابعة لمجلس الأساقفة الكاثوليك في فرنسا CEFوهي موجودة في عدّة مناطق في فرنسا.[1] ولها عدّة روابط إلكترونية.بالإضافة إلى منظّمات أخرى حكومية وغير حكومية تعمل إلى جانبها[2]
من مهمّات هذه الراعوية: -التعرّف على المعنقدات الجديدة وعلى الإنتهاكات الرعوية من أجل توعية المجتمعات المسيحية. –إستقبال الأشخاص والجماعات المتضرّرين والإستماع إلى الشكاوى ومرافقتهم في طريق الإنجيل لتكون الكنيسة حاضرة من أجلهم. – مساعدة المسيحيين من أجل تمييز أفضل.- من أنواع التدخّل: لقاءات شخصية، تنشيط رعوي، دورات تدريبية.
لماذا نتناول موضوع تدريب الحياةLife coaching وما هي علاقته بالكنيسة؟
درجت في الآونة الأخيرة، في بعض معاهد التنشئة المسيحية وفي كليّات اللاهوت، دوراتٌ ينشّطها أشخاصٌ يُطلقون على أنفسهم لقبَ مدربّي حياة Life Coach، لا نعرف بالتحديد مستوى كفاءتهم المهنية وعلمية تخصّصهم، هذا من جهة ومن جهة أخرى، لا نعرف مدى استقامة إيمانهم بما أنّه من المفترض أنّهم ينشّؤون أشخاصًا مسيحيين في معهد تنشئة لاهوتية. أغلب هؤلاء يُطلقون على أنفسهم ألقاباً واختصاصات ليست معتمدة أو معترف بها في الوسط الأكاديمي. من الألقاب التي يستعملونها نذكر مثلاً: استراتيجي الحياة Life strategist ،
مدرّب الشفاء من الإدمان Addiction Recovery Coach ،
معالج علم النفس الايجابي Positive Psychology Practioner إلخ . مع العلم أنّ أغلب تقنيات التنمية البشرية ومن ضمنها التدريبCoaching، أصبح مخترقاً بشدّة من فكر ومعتقدات وممارسات تيّار العصر الجديد مثل وحدة الوجود واالتفكير الإيجابي (وهو مختلف عن التفكير الإيجابي في علم النفس الكلاسيكي) وقانون الجذب وما شابهها.
في البداية، من المفيد جدًا أن نوضح الأمور التالية:
أولاً/ علينا التمييز بين التدريب المهنيCoaching managerial وتدريب الحياةLife Coaching . التدريب المهني له علاقة بالموارد البشرية Human Ressources وهو يُعنى بتدريب المدراء و الموظفين في القطاعيْن العام والخاص، في المؤسّسات الحكومية وغير الحكومية والشركات والمصارف الخ. وهذا لا ضرر فيه ولا مأخذ لنا عليه. مع الإشارة إلى أنّه يمكن أن يتسلّل من خلاله أتباع العصر الجديد ليروّجوا لتعاليمهم وهذا ما حصل فعلياً في فرنسا وفي بعض البلدان الأوروبية منذ عدّة سنوات وما زال، نشأت على أثره جمعيات حكومية وغير حكومية من أجل مكافحته ومن أجل التوعية ومساعدة الأشخاص والجماعات المتضرّرة.
أمّا تدريب الحياة قد يتوّجه إلى جماعات لكنه يعنى بشكل خاص بالأفراد ليكونوا أكثر رضى وسعادة وليحققوا أحلامهم وأمنياتهم الشخصية على كل المستويات. وقد يهتم بتنمية المواهب وصقل الخبرات لكنه لا يرتكز على أسس علمية وهو مخترق بقوة من تعاليم وممارسات تيّار العصر الجديد وفكر ديانات الشرق الأقصى، وله أبعاد تجارية . وهناك إشكاليات كثيرة حوله سنذكرها تدريجياً في هذه المقالة وفي المقالات اللاحقة إن شاء الله.
ثانياً/ مدرّب الحياة ليس عالم نفس ولا معالجاً نفسياً (إلا إذا كان عالم نفس في الأساس ثمّ تابع دورةً في التدريب في أحد المعاهد). بالمبدأ هو يعتبر نفسه خبيراً في التنمية البشرية ومدرّب حياة. هذه المعاهد التي تخرّج مدربي حياة ليست جامعات ولا معاهد أكاديمية وهي غالباً ما تكون غير معترف بها في بلد المنشأ. وقد يكون المتدرّب قد تابع لبضعة أيام أو عدّة أسابيع، دورةً في مركز ما أو على الإنترنت online لقاء بدلٍ مالي غير قليل، نال على أثره شهادة مفترضة في هذا الإختصاص. إذاً التدريب ليس فرعاً معترف به أكاديمياً.
تقول المعالجة النفسية “مونيك توما”[3]، الباحثة في تيّار العصر الجديد وتقنياته، أنّه لا يمكن لأيٍّ كان أن يكون مدرّبًا في التنمية البشرية أو مدرّب حياة. وما نراه على أرض الواقع، ويا للأسف، أنّ أغلب من يدّعون أنّهم مدرّبي حياة، هم أشخاص أغلبهم سبق وتوّقفوا عن ممارسة مهنتهم الأساسية لسببٍ ما. ربما كان لديهم اختصاص في القطاع الإقتصادي أو المصرفي أو عملوا لفترة في مهنة حرّة ومن ثمّ توّجهوا إلى التنمية البشرية والتدريب الشخصيPersonal Coaching .
وتُضيف السيدة توما، أنّه لا يمكن أن يكون الشخص مدرّب حياة كفؤاً إنْ لم ينلْ شهادة جامعية أكاديمية في علم النفس والتحليل النفسي أو في علم االإجتماع أو في أيّ اختصاصٍ آخر له علاقة بالعلوم الإنسانية. لكن من الأفضل دائمًا أن يكون للشخص إلمام عميق بما هو نفسي Psyché. لكن ما يحصل فعليًا أنّ أغلبهم يتابعون دورات هنا وهناك ويدّعون أنههم يمتلكون الحكمة الشرقية التي تؤهّلهم معالجة الناس وإرشادهم نفسيًا. وتضيف مؤكدّة أنها شخصيًا لم تلتقِ حتّى اليوم بمدرّب حياة هو عالم نفس أو معالج نفسي في الأساس. بالمقابل عالم النفس أو المعالج النفسي يمارس مهنته في عيادة للأمراض النفسية أو ضمن مستشفى. مدرّب الحياة بشكل عام ليس له علاقة بالعلوم الإنسانية. الأساس الذي هو الكفاءة المهنية غير متوّفر عند أغلبهم. لذلك نطرح دائمًا هذا السؤال: هل مدرّب الحياة مؤهّل فعلاً لمرافقة ومعالجة الأشخاص نفسيًا؟ على الأرجح، وبعد البحث والتدقيق، نجد أنّ أغلبهم (ولا نقول جميعهم) ليس مؤهلاً لمثل هذه الممارسة.
ثالثاً/ لا شك أنّ علم النفس هو من العلوم الإنسانية الأكثر تنوّعاً. لدينا علم النفس الإجتماعي، علم النفس الحيواني، علم نفس البيئي، الخ. لكن العلاجات المطروحة والمعترف بها أكاديمياً في إطار علم النفس الإنساني هي ثلاثة أساسية: علم النفس المنهجيPsychologie systémique،
علم النفس الإدراكي والسلوكيPsychologie Cognitive et Comportementale
والعلاج النفسي التحليلي Psychanalyse.
إذاً ما يسمّى بعلم النفس الإيجابي Psychologie positive أو علم النفس عبر الشخصيPsychologie Transpersonnelle أو علم النفس المتكاملPsychologie Intégrale جميعها ليست علوماً أكاديمية مقبولة ولها علاقة وثيقة بفكر “العصر الجديد” الذي أسّس لها و لتقنيات أخرى مشابهة في مركز إيسالينEsalen الشهير التابع له في كاليفورنيا.
رابعاً/ في أغلب الأحيان يجهل هؤلاء المنشطّين أبسطَ العقائد الإيمانية وتعاليم الكنيسة الكاثوليكية. كما يميل أغلبهم، بسبب جهلٍ منهم، إلى معتقدات ملتبسة لها علاقة وطيدة بروح العصر وبتعاليم العصر الجديد مثل قدرة العقل على الشفاء الذاتي، وجود طاقات إيجابية وسلبية، قانون الجذب، الحلولية وغيرها. والملفت أنّ أغلبهم أيضاً ينتمي إلى نوادي وجماعات على مواقع التواصل الإجتماعي وغيرها يروّجون لتقنيات وبدائل طبية للعصر الجديد يسمّونها “ممارسات تعطي السعادة طوعياً” . مثل علاجات الطاقة الريكيReiki، الفانغ شويFeng Shui ، اليوغا والتأمل التجاوزيMT، تأمل الوعي الكاملMindfulness ،سوفرولوجيSophrology، التاسوعيةEnneagram، التنويم الإيحائيHypnosis، البرمجة اللغوية العصبيةNLP، التاي تشيTai Chi ، كي كونغQi Kong ، البازيBazi (تسمية جديدة لتوقّعات الأبراج الصينية) زيري Zeri (تخطيط الحياة بحسب العلوم الماورائية والطاقة الكونية)، خريطة الكيQi Mapping، الطب التقليدي الصيني، ريفليكسولوجيReflexology، Chi Nei Tsang Massage(مساج أساسه الطاقة الكونية)، العلاج الطبيعيNaturopathy ،العلاج بخط الزمن والحيوات السابقة، ذاكرة الكون أو الأكاشا Akasha Recordsوغيرها الكثير.[4]
لمجد الرب يسوع
يتبع
[1] Les Hautes Pyrenees, Ariege, Haute Garonne, Le Tarn, Le Tarn et Garonne, Aveyron, Le Gers, Le Lot, …
[2] Miviludes(www.miviludes.gouv.fr), UNADFI(www.unadfi.org),CCMM(www.ccmm.asso.fr),GEMPPI(www.gemppi.org), GAMALIEL(//gamaliel21.page.perso-orange.fr, PNCDS72.free.fr,Charismata.free.fr, sosdiscernement.org, …
[3] Monique Touma, psychologue membre de la féderation Suisse des psychologues,
psychotherapeute dans un cabinet de Psychotherapie et de psychiatrie à Lausanne
مونيك توما، عالمة نفس عضو في الاتحاد السويسري لعلماء النفس، معالجة نفسية في عيادة للعلاج النفسي والامراض النفسية في لوزان.
[4] لمعرفة المزيد مراجعة: “حقيقة البدائل الطبية بحسب تعليم الكنيسة”، جيزل فرح طربيه و”تيار العصر الجديد من وجهة نظر الايمان المسيحي”، جيزل فرح طربيه، دار المشرق