“ما من وسيلة أخرى للذهاب نحو الوحدة عدا عن الحوار الصادق”: هذا ما أكّده بطريرك القسطنطينية المسكوني برتلماوس الأوّل. برأيه، “ما يُهدِّد شهادة الكنيسة ليس الانفتاح والحوار، بل الانغلاق والانطواء”.
في التفاصيل، أجرت 3 جرائد أوروبية مسيحيّة (جريدة مؤتمر أساقفة إيطاليا Avvenire وجريدتَين بروتستانتيّتَين Nederlands Dagblad وKristeligt Dagblad) مقابلة مع بطريرك الأرثوذكس، فيما نشرت Avvenire النصّ الكامل للمقابلة في 13 شباط 2021، كما كتبت الزميلة مارينا دروجينينا من القسم الفرنسي، مع الإشارة إلى أنّنا سنقسم محتوى المقابلة إلى مقالَين.
وشرح البطريرك أنّه “بالنسبة إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة، هدف الحوارات المسكونيّة حُدِّد بوضوح خلال المجمع المقدّس الذي انعقد في جزيرة كريتي سنة 2016. من الواضح أنّ الهدف المشترك بين الجميع، في الحوارات اللاهوتيّة، هو إحلال الوحدة في الإيمان الحقيقيّ وفي المحبّة”.
وذكّر برتلماوس أنّ “الكنيسة الأرثوذكسيّة عبر مشاركتها في الحوارات المسكونيّة، لم تقبل يوماً بالمساومة على مسائل الإيمان”، مُعتبِراً أنّ “الحوار المسكونيّ يجب أن يحصل على 3 مستويات: مستوى الاتّصال الأخوي الشخصيّ، المبادرات المشتركة وتعاون رؤساء الكنائس المسيحيّة؛ أمّا المستوى الثاني فيقع في إطار الحوارات اللاهوتيّة المتطلّبة، فيما الثالث هو “حوار الحياة” والتواصل والمساكنة وتضامن المسيحيّين في المجتمعات المعاصرة. حوار الحياة يُسهّل أيضاً تقبّل القرارات وما تحقّق في المستويين الأوّلين”.
فيما يتعلّق بموقعه الشخصيّ، ذكّر البطريرك أنّه “لم يكن يوماً مُدافِعاً عن الأرثوذكسيّة المنطوية… بصفتي بطريركاً، ناضلتُ لأجل استقرار الأرثوذكسية ووحدتها، لأجل الحوار بين الثقافات وبين الأديان وبين المسيحيّين. إنّ تعزيز وحدة المسيحيّين هو واقع لطالما اعتبرته بغاية الأهمية طوال حياتي”.
الطريق المسكوني
خلال المقابلة، أعاد البطريرك برتلماوس رسم الطريق المسكوني الذي اجتازته بطريركية القسطنطينية المسكونية، مُشيراً إلى أنّ سنة 2020 طبعت الذكرى المئة للرسالة العامّة التاريخيّة حول وحدة المسيحيّين، والتي اعتُبِرَت “وثيقة دستوريّة” للحركة المسكونيّة. وتابع مُتطرِّقاً إلى أنّ “مجلس الكنائس المسكوني قرّب سنة 1948 المسيحيّين: أصبحوا الآن يعرفون بعضهم البعض جيّداً ويتشاطرون أعمالاً خيريّة وتضامنيّة، ويوافقون على نصوص لاهوتيّة، ويدعمون المسيحيّين الذين يواجهون مصاعب”.
فيما يختصّ بالذكرى 500 لبداية الإصلاح اللوثري (1517 – 2017)، شاركت البطريركية المسكونية في نشاطات مختلفة. وأشار برتلماوس إلى الرمزيّة الخاصّة للحوار اللاهوتي الرسمي بين الاتّحاد اللوثري العالمي وكلّ الكنيسة الأرثوذكسيّة. وذكّر البطريرك أنّنا هذه السنة “سنحتفل بالذكرى الأربعين لهذا الحوار المهمّ. وأفضل طريقة للاحتفال بهذه الذكرى هي متابعة الحوار اللاهوتي وحوار الحياة بجدية وصدق”.
وتابع البطريرك قائلاً: “سنة 2025، سنحتفل بالذكرى 1700 لأوّل مجمع مسكوني انعقد في نيقيا. وهذا التاريخ قد يُمثّل مناسبة لتتأمّل الكنائس المسيحيّة بطريقها وبأخطائها السابقة والحاضرة، ولتنطلق بطريق مسكونيّ أكثر حزماً، مع التركيز على أمثولات أكثر من قرنٍ من الاختبارات… إنّ مجمع نيقيا الأوّل هو رمز ومرحلة ومحور في تاريخ المسيحيّة، ليس لأنّه أصدر قانون الإيمان، بل لأنّه أصدر أيضاً 20 شريعة مسيحيّة أساسيّة في البحث عن توافق على مستوى العقيدة”.
كما وأشار برتلماوس أيضاً إلى أنّ “وحدة المسيحيّين وتقارب المشاكل المعاصرة هما من وصايا الكنيسة الأساسيّة… إنّ الاحتفالات بكلّ ذكرى تُذكّرنا بهذه الحقيقة… لقد أدان مجمع الكنيسة الأرثوذكسيّة كلّ مَن يقطعون وحدة الكنيسة بحجّة الدفاع عن طهارة الأرثوذكسية، بروح متطرّفة ضدّ المسكونية”.