أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
تبدأ الليتورجيا الإفخارستية في هذا الأحد الرابع من زمن الصوم الأربعيني، بهذه الدعوة: “افرحي يا أورشليم …”. ما سبب هذا الفرح؟ ما سبب هذا الفرح في منتصف زمن الصوم الأربعيني؟ يقول إنجيل اليوم: “إِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة” (يو 3، 16). هذه الرسالة المُبهِجَة هي محور الإيمان المسيحي: إن ذروة محبّة الله هي هبة ابنه إلى البشريّة الضعيفة والخاطئة. لقد أعطانا ابنه، أعطاه لنا جميعًا.
وهذا ما يتبيّن من الحوارِ الليليّ بين يسوع ونيقوديمس، والذي يصفُه جزئيًّا المقطعُ الإنجيلي (را. يو 3، 14- 21). كان نيقوديمس ينتظر المسيح، على غرار كلّ فردٍ من أفراد شعب إسرائيل، ويرى فيه رجلًا قويًّا يأتي ليدين العالمَ بِسلطتِه. لكن يسوع وضعَ هذا التوقّع في أزمة إذ قدّم ذاته عبر ثلاثة جوانب: جانب ابن الإنسان المُرتفِعِ فوق الصليب؛ جانب ابن الله الذي أُرسل إلى العالم من أجل الخلاص؛ وجانب النور الذي يميّز الأشخاص الذين يتبعون الحقّ من الذين يتبعون الكذب. لنرى هذه الجوانب الثلاثة: ابن الإنسان وابن الله والنور.
قدّم يسوع نفسه أوّلًا على أنّه ابن الإنسان (آيات 14- 15). يُلمِّح النصّ هنا إلى قصّة الحيّة النحاسيّة (را. عدد 21، 4- 9) التي رفعها موسى في الصحراء، بطلبٍ من الله، عندما هجمت الحَيَّاتِ اللاَّذعة على الشعب، فكانَ كلُّ مَن لَدَغَته حَيَّةٌ ونَظَرَ إِلى الحّيَّةِ النحاسِيَةِ يَحيا. وبالطريقة عينها، رُفع يسوع على الصليب، وكلّ مَن آمَنَ بهِ يُشفى من الخَطيئة ويَحيا.
الجانب الثاني هو جانب ابن الله (آيات 16- 18). إنَّ الله الآب قد أحبّ البشر حتَّى إِنَّه “أعطى” ابنَه: لقد أعطاه حينَ تجسّد، وأعطاه حينَ سلّمه للموت. وهدف الله من وهبِ ابنه هو منح الحياة الأبديّة للبشر: أرسل الله ابنه إلى العالم في الواقع، لا ليدينه، بل لكي يَخلُصَ العالمُ بواسطة يسوع. فرسالة يسوع هي رسالة خلاص للجميع، رسالة خلاص للجميع.
الاسم الثالث الذي ينسبه يسوع إلى نفسه هو “النور“. يقول الإنجيل: “إنّ النُّورَ جاءَ إِلى العالَم ففضَّلَ النَّاسُ الظَّلامَ على النُّور” (آيات 19- 21). إنَّ مجيء يسوع إلى العالم يدفعنا لنختار: مَن يختار الظلمة تنتظره دينونة الشجب، ومَن يختار النور تنتظره دينونة الخلاص. فالدينونة هي دومًا نتيجة الاختيار الحرّ لكلِّ منّا: مَن يصنع الشرَّ يسعى وراء الظلام، فالشرّ يختبئ على الدوام، ويستّتر. ومَن يعمل للحقّ، أي من يصنع الخير، يُقبِل إلى النور. ومَن يسيرُ في النور، مَن يقترب من النور، لا يمكنه أن يعمل إلّا أعمالًا صالحة. فالنور يقودنا للقيام بأعمال صالحة. وهذا ما نحن مَدعوّون للقيام به بمزيد من الالتزام خلال زمن الصوم الأربعيني: إنّنا مدعوّون لنقبل النور في ضميرنا، من أجل أن نَفتح قلوبَنا لمحبّة الله اللامتناهية، ولرحمته المُفعمة بالحنان والصلاح، ولمغفرته. لا تَنْسَوا أنّ الله يغفر دائمًا، دائمًا، إذا طلبنا المغفرة بكلّ تواضع. يكفي أن نطلب المغفرة، وهو يغفر. وسوف نجد بهذه الطريقة الفرحَ الحقيقي ونفرح بمغفرة الله التي تجدّدنا وتمنحنا الحياة.
لتساعدنا مريم الكليّة القداسة حتى لا نخاف من أن “يضعنا يسوع في أزمة”. فهي أزمة سليمة، وهي من أجل شفائِنا، ومن أجل أن يكون فرحنا كاملًا.
صلاة التبشير الملائكي
بعد صلاة التبشير الملائكي
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
بدأ الصراع الدموي في سوريا قبل عشر سنوات، وقد تسبّب في إحدى أخطر الكوارث الإنسانيّة في عصرنا: فعدد القتلى والجرحى غير مُحدّد، وهناك ملايين اللاجئين، وآلاف المفقودين، ودمار، وعنف من كلّ نوع، ومعاناة هائلة للشعب بأسره، ولاسيما للفئات الأكثر ضعفًا، مثل الأطفال والنساء والمسنّين. إنّني أجدّد مناشدتي القلبيّة لأطراف النزاع من أجل إبداء بوادر حسن النيّة حتى ينبعث بصيصُ أمل للشعب المُنهَك. آمل كذلك أن يكون هناك التزام حاسم ومتجدّد، وبنّاء وداعم، من جانب المجتمع الدولي، حتى يصبح من الممكن، بعد أن تُلقى الأسلحة، إصلاح النسيج الاجتماعي والبدء في إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي. لنصلِّ جميعًا إلى الربّ حتى لا تصبح المعاناةُ الكبيرة في سوريا الحبيبة والمعذبة طيّ النسيان، ولكي يُحيي تضامنُنا الرجاء. لنصلِّ معًا من أجل سوريا الحبيبة والمعذبة. السلام عليك يا مريم…
سوف تبدأ، يوم الجمعة المقبل، في التاسع عشر من آذار/مارس يوم عيد القدّيس يوسف، سنةُ العائلة “فرح الحب”: وهي سنة خاصّة للنموّ في الحبّ العائلي. إنّي أدعو إلى انطلاقة رعويّة متجدّدة وخلّاقة تضعُ العائلة في محور اهتمام الكنيسة والمجتمع. وأصلّي كذلك من أجل كلّ عائلة حتى تشعرَ في بيتها بالحضور الحيّ لعائلة الناصرة المقدّسة وحتى يملأ هذا الحضور جماعاتَنا البيتية الصغيرة بالحبّ الصادق والسخيّ، الذي هو مصدر الفرح حتى وسط المحن والصعوبات.
أتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا. من فضلكم، لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. غداءً هنيئًا وإلى اللقاء!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2021
© Copyright – Libreria Editrice Vaticana